
شهدت منطقة الساحل السوري منذ يوم الخميس السادس من شهر آذار/مارس الجاري، إحدى أعنف المواجهات الدموية بين قوات الأمن العام التابعة للإدارة السورية الإنتقالية وفلول نظام الأسد البائد. والتي بدأتها مجموعات من المسلحين الموالين للرئيس السابق بشار الأسد ضد قوات الأمن السورية، وأوقعت قرابة 250 عنصرا من عناصرها بين قتيل وجريح.
حيث تحصن هؤلاء المسلحون في مناطق ريفية ضمن الساحل السوري، الذي يضم مختلف الطوائف والأقليات الدينية، ويشكل العلويون نسبة كبيرة من سكانه، وهي الطائفة التي ينتمي إليها بشار الأسد. وأفادت تقارير إعلامية بأن هذه الهجمات أدت إلى سيطرة المسلحين على عدة مدن ساحلية، بما في ذلك اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس والقرداحة.
هذه التطورات جعلت الإدارة تدفع بتعزيزات عسكرية تابعة لإدارة الأمن العام ووزارة الدفاع الى هذه المدن، مما سمح بإعادة سيطرة الإدارة على هذه المناطق. إلا أن المداهمات والملاحقات التي قامت بها القوات التابعة للإدارة تخللتها عمليات تصفية على خلفية “طائفية ومناطقية” في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية، أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وجاء في بيان نشر على الموقع الإلكتروني للمرصد أن هذه العمليات تمت في إطار ما وصفه بـ”جرائم حرب” وانتهاكات جسيمة تضمنت إعدامات ميدانية وعمليات تطهير عرقي، ارتكبتها قوات الأمن السورية وعناصر من وزارة الدفاع والقوات التابعة لها، والتي تضم عناصر أجنبية من دول أواسط آسيا، مثل أوزبكستان. وأشار المرصد إلى أن عدد “المجازر” التي وثقتها في منطقة الساحل السوري والمناطق الجبلية المحيطة بلغ 39 مجزرة منذ بدء التصعيد.
وبحسب توثيق المرصد، فقد بلغ عدد الضحايا المدنيين الذين تمت تصفيتهم 973 شخصًا، موزعين على عدة محافظات، بما في ذلك اللاذقية، طرطوس، حماة، وحمص. كما سجل المرصد وقوع “مجازر” جديدة في مناطق متفرقة، مثل حارة القنيطرة في طرطوس، ومدينة بانياس، وحي الدعتور في اللاذقية، بالإضافة إلى قريتي الرملية والرصافة في ريف مصياف.
هذه الأحداث، بحسب المراقبين، تُظهر تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، وتُسلط الضوء على استمرار العنف الطائفي والمناطقي الذي يهدد استقرار المنطقة ويعمق من معاناة المدنيين العزل. كما أنها كشفت عن مدى هشاشة الوضع الأمني في سوريا، وأبرزت الصعوبات التي تواجهها الإدارة الانتقالية في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة.
وقد أدت هذه الأحداث المأساوية الى مناشدات عديدة بالحاجة الملحة إلى تدخلات دولية لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة وحماية المدنيين من المزيد من الخسائر. مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تطلبان الأحد من مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع مغلق، لبحث تصاعد العنف في سوريا.
ووفق الدكتورة في العلاقات الدولية والدبلوماسية سماهر الخطيب فإن الإدارة الجديدة في سوريا اليوم وبعد مرور حوالي أربعة أشهر على الإطاحة بنظام الأسد، باتت تواجه مشكلة حقيقية في شرح موقفها أمام المجتمع الدولي من جهة وأزمة ثقة في الدخل من جهة أخرى، إثر الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قوات من المفترض أنها تسيطر عليها؛ منورة إلى أن ذريعة ملاحقة فلول النظام لا تبرر ما شهده العالم من ممارسات وثقت في فيديوهات وصور مروعة على مواقع التواصل الإجتماعي بحق المدنيين والنساء والأطفال خلال الأيام الأخيرة، من قبل عناصر من الأمن العام ومقاتلين أجانب؛ خاصة وأن معظم تلك الفيديوهات صورها المقاتلين أنفسهم سواء بما يتعلق بمشاهد القتل الميداني للمدنيين أو رمي البراميل المتفجرة من الطائرات أو بالنيل من كرامة المدنيين بجعلهم ينبحون كالكلاب قبل قتلهم؛ أضف إلى ذلك حملة التجييش الطائفي التي رأيناها على مواقع التواصل الاجتماعي في مسعى لجر البلاد نحو حرب أهلية لا يحمد عقباها، مضيفة بأن الإسراف باستخدام القوة المفرطة والأيديولوجية المتطرفة لمعظم المقاتلين أدت إلى المزيد من المجازر التي استهدفت المدنيين والأبرياء ما يستوجب لجنة تحقيق أممية محايدة كي لا يقع المزيد من الانتهاكات والإسراع بتشكيل حكومة انتقالية وحوار وطني بين كل السوريين تحت سقف الوطن”.
وأشارت الخطيب إلى أن وجود القواعد الروسية في الساحل السوري ربما ساهم في تقليص أعداد القتلى من المدنيين نظراً لإلتجاء الآلاف من المدنيين وعائلاتهم اليها. مضيفة أنه بما أن العلاقة مع روسيا لا زالت قائمة فيبدو بأن على الإدارة الحالية في دمشق أن تتدارك الموقف والعمل مع روسيا التي وجد بها أهالي الساحل ملجئ من العنف في قواعدها من أجل بسط الأمن والأمان وإعادة المهجرين ومحاسبة المتورطين في هذه الأعمال التي يندى لها الجبين.
ولمّحت الخطيب الى أن لجوء الإدارة في دمشق الى القوات الروسية يمكن أن يلعب دوراً بارزاً في تعزيز الحوار وتقليل الاحتقان الطائفي والمناطقي، واحتواء العديد من الأزمات المحتملة، مما سيدعم الاستقرار في سوريا. خصوصاً وأن العلاقات الروسية السورية اكتسبت زخمًا في الآونة الأخيرة، وروسيا أبدت استعدادها لدعم الإدارة السورية الجديدة تحت بند الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
خاصة وأن روسيا لعبت دوراً مهماً في تعزيز الاستقرار والأمن في عدة مناطق سورية شهدت أعمال عنف واضطرابات، قبل سقوط نظام الأسد. كما عملت هذه القوات على تأمين المناطق الحيوية ومراقبة نقاط التماس بين الأطراف المتنازعة، مما ساهم في خفض حدة التوترات ومنع تصاعد العنف. وقامت بدوريات منتظمة لضمان تطبيق وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وسهلت حركة القوافل الإغاثية والمساعدات الإنسانية إلى مناطق عديدة في سوريا.
يُشار الى أن الرئيس السوري أحمد الشرع أكد مجددًا أن سوريا لن تنجر إلى حرب أهلية، وذلك خلال كلمة ألقاها مساء الأحد. وأشار الشرع إلى أن البلاد تواجه خطرًا يتمثل في “فلول النظام السابق”، معلنًا في الوقت ذاته عن تشكيل لجنة عليا للسلم الأهلي لمعالجة الأوضاع ومحاسبة جميع من تورط بدماء المدنيين، وأنه لن يكون هناك تسامح مع من ارتكبوا هذه الجرائم.
كما دعا الشرع إلى الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية. ووصف الأحداث الأخيرة في الساحل بأنها “تحديات متوقعة”، في إشارة إلى محاولات “فلول النظام” لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار.