اخبار محلية

مَن يجرؤ بعد مجازر سورية على طرح مستقبل السلاح؟

ناصر قنديل - البناء

لم تعُد القضية في مناقشة سلاح المقاومة مطروحة من زاوية النقاش القانوني لنصوص اتفاق الطائف أو نصوص القرار 1701 أو ما يروج له المُخرصون الذين يروّجون مزاعم كاذبة يدعون وجودها في اتفاق وقف إطلاق النار، أو الذين يرددون إملاءات أميركية إسرائيلية تربط مال الإعمار بنزع سلاح المقاومة، وكلها معارك سياسية فكرية خاضها أصحابها وأصيبوا بالفشل، لسبب بسيط هو أن المقاومة بقبول التراجع خطوة إلى الوراء أمام الدولة وإتاحة المجال عبر انسحابها من جنوب الليطاني، لاختبار نظرية الدبلوماسية التي يؤمن بها أركان الدولة وجماعات لبنانية ليست معادية للمقاومة لكنها لا تحبّذها، وتتوهم أن الأميركي يمكن أن يضغط على كيان الاحتلال لحساب لبنان إذا تراجعت المقاومة لحساب دولة يقف على رأسها أصدقاء لأميركا. وقد جاءت الحصيلة منذ وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 مخيّبة للآمال، حيث ارتكبت ولا تزال ترتكب بحق اللبنانيين وأرواحهم وممتلكاتهم وسيادتهم الوطنيّة ما يتجاوز حدود توصيف الانتهاكات، وصرنا أمام احتلال وعدوان مفتوح وعمليات قتل وتدمير بلا ضوابط، والدولة عاجزة عن فعل شيء بل حتى عن قول شيء، ولا تستطيع ممارسة سيادتها إلا على منع الأموال التي يمكن أن تساهم بإعادة الإعمار ولا ترضى بها أميركا؟

– لم تعُد القضية أيضاً في مناقشة سلاح المقاومة مطروحة من زاوية المنطق الذي يجب أن يحكم أي حوار ينطلق من حسابات المصلحة العليا للدولة في الجواب على سؤال كيف نحمي بلدنا، وقد صار واضحاً وضوح الشمس أن الرهان على تقديم القرابين لواشنطن مباشرة ولتل أبيب بصورة غير مباشرة، أو لتل أبيب مباشرة، أملاً بأن يكفّ الاحتلال شرّه عن لبنان، وصفة فاشلة، وخير دليل على فشلها ما تشهده سورية في ظل حكم أحرق أصابعه لشدة ما أضاءها شموعاً لاسترضاء الأميركي والإسرائيلي، وقد قدّم لهما سورية منزوعة السلاح الثقيل وفتح الجغرافيا السورية أمام طائرات الاحتلال تذروها شرقاً وغرباً وتدمّر ما أحبت من مواقع القوة السورية ودون مهلة زمنية، ونقل سورية من موقع الربط والوصل في محور المقاومة وخط إمداد مقاومته في لبنان وفلسطين، إلى موقع القطع والفصل، بعدما أخرج إيران وحزب الله وأغلق الحدود مع العراق ولبنان أمام أي تواصل بين قوى المقاومة، وكانت المكافأة تمدّد الاحتلال حتى أطراف العاصمة دمشق في مساحة 10480 كيلومتراً مربعاً، هي مجموع مساحات ثلاث محافظات (القنيطرة 1200 كلم مربع، والسويداء 5550 كلم مربعا، ودرعا 3730 كلم مربعا) أعلنها حزاماً أمنياً له وطلبها منزوعة السلاح، أي ما يعادل مساحة لبنان ويزيد قليلاً، ولن يستطيع أحد في لبنان أن يزعم القدرة على تقديم أكثر وعدم نيل الأقل، وصار الطريق الوحيد لحماية لبنان هو التفكير بأسباب القوة، وحتى تمتلك الدولة مصادر كافية للقوة فلا خيار إلا بتكامل شرعية الدولة وبعض عناصر قوتها مع الشعب وعناصر قوة مقاومته.

– النقاش في مصير سلاح المقاومة صار اليوم له بعد وجوديّ لا وطنيّ فقط، وبعد مجازر الساحل السوريّ التي سقط فيها الآلاف، صار ثابتاً أن النظام الجديد في سورية واحد من اثنين، نظام مراوغ يرعى الإجرام والقتل ويحمل مباشرة مسؤولية جريمة إبادة موصوفة ترتكب بحق مكوّن طائفي كامل في عملية تطهير عرقي تحاكي ما تمّ بحق الفلسطينيين في غزة وجنوب لبنان، أو نظام يحمل خطاباً يعجز عن فرض تطبيقه واحترامه من الجماعات التي تلوذ به والتي يديرها، وهي تفعل ما يشبهها ويعبّر عن تفكيرها من تكفير وتطهير. وفي الحالتين، فإن ما تعلنه هذه الجماعات من نيات مبيتة بحق بيئة المقاومة في لبنان، وفي ظل محدودية قدرة الدولة اللبنانية على مواجهتها كما قالت معارك الجرود قبل أعوام قليلة، وما قد تتعرّض له مؤسسات السلطة من ضغوط للتراخي أمام النظام الجديد في سورية من واشنطن وعواصم عربية عديدة، وما يُحكى في بعض التقارير عن الربط بين إسقاط النظام في سورية وفقاً لخطة تطويق تركية عربية إسرائيلية أميركية للمقاومة في لبنان، أنيط عبرها بجماعات النظام الجديد في سورية إكمال مهمة الحرب الإسرائيلية، التي عجزت عن تصفية المقاومة، فإن بيئة المقاومة سوف تتمسك بالسلاح بأسنانها، وسوف تقاتل دفاعاً عنه، وتتمرّد على أي قرار لقيادتها، إذا كان وارداً، للمساومة على هذا السلاح، فقد صار السلاح قضيّة وجود لا قضيّة حماية وطن فقط، والوجود هنا لا يطال بيئة المقاومة وحدها، بل كل الذين شهدوا قتل أبناء ديانتهم في الساحل وهم يصرخون بنداء الاستغاثة، كما قال البطريرك يوحنا العاشر اليازجي في خطاب أمس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى