
أول من أمس، عاد أبناء بلدة ربّ ثلاثين (قضاء مرجعيون) إلى مسقط رأسهم. ركنوا سياراتهم عند مداخل الأحياء المهدّمة، وبدأوا البحث عن آثار منازلهم في الشوارع الضيقة التي اختفت معالمها تماماً، بعدما حفرها العدوّ عقب وقف إطلاق النار بسكك حديدية عُلّقت بدبابات الميركافا.
«العدوّ نفّذ عملية انتقام من رب ثلاثين تصفيةً لحساب بدأ منذ عام 1948»، يقول ابن البلدة حسن فقيه، مشيراً إلى أن «جيش الاحتلال، وفي ظل صمت من تولّوا الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار، عمد في الأشهر الثلاثة الماضية إلى تدمير حارتين تماماً، فيما استباح جنوده بقية المنازل قبل أن يحرقوها».
مقابل بلدة هونين المحتلّة، وموقع مسكفعام الإسرائيلي، شُيّدت منازل ربّ ثلاثين على تلّة ترتفع 650 متراً. «البلدة كانت مسكونة منذ مئات السنين، وفيها مغاور ومدافن ومعاصر زيتون تعود إلى الحقبتين الكنعانية والرومانية»، بحسب مختار البلدة أبو جعفر حمود، لافتاً الى أن «تاريخ رب ثلاثين وحاضرها يرتبطان بقربها من فلسطين، وموقعها الجغرافي المميّز الذي برزت أهميته بعد احتلال العدوّ لفلسطين، عندما أصبحت البلدة منطلقاً للعمليات العسكرية ضد العدوّ ومواقعه القريبة».
ويضيف: «عام 1948 استشهد أحمد حسن فقيه على أيدي عصابات الهاغانا بسبب دوره في مقاومة العصابات الصهيونية، التي حاولت تهجير أبناء البلدة وارتكبت مجازر في حولا والمالكية وصلحا، وسقط للبلدة آنذاك عدد من الشهداء ودُمّرت العشرات من منازلها. وبعد اجتياح عام 1978، انتقم جيش العميل سعد حداد من أبناء البلدة، بعدما أصيب حداد برصاص مقاومين، فعمد الى تدمير عدد كبير من منازلها».
فقدت البلدة 32 شهيداً من
أبنائها ودمّر 90%
من منازلها
قبل التحرير عام 2000، لم يكن عدد منازل البلدة يزيد على 100، فيما سكنتها عائلات قليلة بعد تهجير العدوّ لمعظم أهلها. وبعد التحرير، زاد عدد بيوت البلدة إلى أكثر من 600، دمّر العدو عدداً كبيراً منها في عدوان 2006، وأعاد الأهالي بناءها.
أما في الحرب الأخيرة، فقد «دمّر العدو 90% من المنازل تدميراً كاملاً، وأصيب ما تبقّى بأضرار»، بحسب رئيس البلدية علي بركات، مشيراً إلى أن «لا منازل في رب ثلاثين صالحة للسكن، وحتى البيوت المتضرّرة تحتاج إلى وقت طويل لترميمها».
ولفت الى أن التدمير لحق بمسجد البلدة وحسينيّتها وخزّان المياه الرئيسي ومغسل الأموات، وبجزء من مبنى البلدية، فيما أُحرقت مكتبتها العامة، وجرف العدوّ ملعب كرة القدم الحديث، والبيوت الحجرية التراثية». ولم تسلم من التدمير، الذي وقع معظمه بعد وقف إطلاق النار، شبكات الكهرباء والمياه والطرقات وأشجار الزيتون وكروم العنب والرمان وغيرها.
ويشير بركات إلى أن «الخسارة الكبرى كانت سقوط 32 شهيداً من أبناء البلدة، إضافة إلى عدد من المفقودين لا نزال نبحث عنهم بين ركام المنازل المهدّمة».
بركات أشار إلى أن عدد المقيمين في البلدة قبل الحرب كان يقدّر بحوالي 2000 نسمة من أصل حوالي 4300 نسمة، يتردّد بعضهم عليها صيفاً فقط، «بعدما هجّر الاحتلال أهلها خلال سنوات الاحتلال والاعتداءات المتكرّرة الى دول مختلفة».