يوم ثانٍ من العودة: الغزيون لا يفقدون الأمل
تواصَل الزحف البشري، لليوم الثاني على التوالي، إلى مدينة غزة، بينما ردّد الناس تكبيرات العيد، وأناشيد «الأرض لنا والقدس لنا والله بقوّته معنا». وتقول منى خليل، وهي تحتضن طفلها محمد، الذي أجبره الاحتلال الإسرائيلي على النزوح إلى جنوب القطاع في آذار الماضي إثر اقتحامه «مجمع الشفاء الطبي»: «أحمد الله على عودته سليماً معافى، بعدما فقدت طفلتَيَّ، نسيبة وريتاج، في مجزرة التابعين». وفي حديث إلى «الأخبار»، تتابع: «رغم الحزن والألم اللذيْن أصاباني، إلا أن عودة ابني إلى حضني خفّفت عني الكثير. فاليوم عيدي، يوم فرحتي وانقشاع حزني وألمي».
أمّا خليل البردويل، فيقول، لـ»الأخبار»، بعدما رفع جسده عن الأرض من السجود شكراً لله: «قبل ثلاثة أيام من الموعد المحدَّد، فككت خيمتي في خانيونس وانتقلت إلى النصيرات، ومنذ يوم السبت نرابط أنا وزوجتي وأطفالي وأنا عند تبة النوري في انتظار السماح لنا بالعودة». ويضيف: «زال التعب، وزال الألم بعدما وطأت أقدامنا أرض غزة، ولن نتركها أبداً بعد اليوم». ومن جهتها، تعبّر أماني النصر عن فرحتها بعودتها إلى غزة، قائلة: «لا يمكنني أن أصف لكم فرحتي بهذه اللحظات، أشعر وكأنني في حلم، غزة بهواها وبحرها وناسها غير، الحمد لله بعد عام وأربعة أشهر سأعود إلى بيتي معزّزة مكرّمة».
وبينما يمسح بيديه المنهكتين دموعه، يقول أبو أحمد الغلبان، لـ»الأخبار»: «قبل شهرين كنت أبكي من خيم العار، ولكن اليوم أبكي فرحاً بعودتي إلى أهلي وناسي، فرحاً بعودتي إلى بيتي رغم أنه مدمّر»، مؤكداً أنه سيعيد بناءه. وموجّهاً كلامه إلى مَن بقي في غزة، يتابع: «شكراً لكم، لولا صمودكم يا أهلنا وأطفالنا وأحبابنا في غزة والشمال، لَمَا شاهدنا غزة طوال حياتنا». وبالنسبة إلى المسنّ أبو نافذ: «الحمد لله إنّي رجعت لغزة، وعمري في حياتي ما بعيدها، ولا بطلع شبر صغير منها، بدّي أموت هنا ولا أهاجر. وبقول لترامب، أوعك تفكر أنه راح نطلع ونسيب بلادنا، بدنا نقعد وسط الدمار ونبني ونعيش فيه».
وتختلط مشاعر عبير غراب بين حزن وفرح: «سعيدة بعودتي إلى غزة، وحزينة لأن زوجي لا يزال بين يدي السجان في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي»، تقول لـ»الأخبار»، وتضيف: «رغم أن معالم غزة قد اختفت، إلّا أنني شعرت بشيء مختلف عمَّا كنت أعيشه، هواؤها وشوارعها وحاراتها غير، حتى بحرها له ميزة خاصة، شعرت وكأن الدنيا كانت غباشاً وفجأة بدأ يكسوها الصفاء». وتتابع: «ما إن وصلت إلى غزة، حتى شعرت وكأنني كنت في كابوس والآن خرجت منه. وطوال الطريق أتساءل: هل أنا في حلم بعد 16 شهراً، سأعود إلى بيتي رغم أنه لم يتبقّ منه سوى غرفة واحدة، الحمد لله على كل حال».
وبعدما ركضا واحتضن أحدُهما الآخر، تقول أم أحمد لابنها: «الله يرحم أحمد، كان هو بده يستقبلني أول واحد، فدا الوطن فدا الأرض». وتضيف، في حديث إلى «الأخبار»: «شيء لا يُصدّق، كأنه خيال، شعوري الداخلي مخربط، فرحانة بعودتي لغزة وفي ذات الوقت حزينة لفراق فلذة كبدي، حزينة على الناس من حولي، مرهقة، متعبة، وين بدهم يروحوا الناس في ظلّ هالدمار»، لكنّ «الله معنا ولن يضيعنا». وبدورها، تؤكد زينات الأطبش، لـ»الأخبار»، أنها عادت زحفاً على قدميها اللتين تورّمتا من المشي ما يقارب ثمانية كيلومترات، من أجل «تقبيل تراب غزة التي انتظرت العودة إليها طويلاً».
وبينما تحمل علم فلسطين، تعبّر الطفلة لجين عبد ربه عن فرحتها وسعادتها الكبيرتين بعودتها إلى غزة، إذ تقول: «بحب فلسطين وغزة كتير كتير، صحيح الطريق طويلة ومتعبة بس غزة بتخليني مرتاحة». أمّا الحاج محسن المدهون، فيلفت، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه «رغم مشقّة العودة ووعورة الطريق، إلا أنني شعرت بأن صعقة كهربائية أصابت جسدي بمجرّد أن وطأت قدماي مدينة غزة». ويتابع: «انتظرنا هذه اللحظة العظيمة وهذا اليوم بفارغ الصبر، ونعتبره تدريباً ليوم العودة الكبرى إلى ديارنا الأصلية، المجدل المحتلة»، مؤكداً أن «الفضل في عودتنا بعد الله، يعود إلى جهود رجالنا ومجاهدينا الذين دحروا العدو وأصرّوا على عودتنا». وتتدخّل أم خالد السيد، لتقول: «تحيا المقاومة، وتحيا كتائب القسام، كلّه يهون في سبيل الله، وكلّه بتعوّض، ونحنا راضين وصابرين ونسأل الله أن يرضى عنّا»، مؤكدةً أنها عائدة إلى بيتها الذي دمّرته طائرات الاحتلال الحربية: «راح نرمّم البيت ونقعد في غرفة وعمرنا ما راح نعيدها، حتى لو نزّله الصاروخ فوق روسنا». وتضيف، في رسالة إلى ترامب: «إحنا قاعدين، ومش طالعين، لأنا غير عن كل الدول، لا نرضخ إلّا لله».
أمّا أم محمد أبو الكاس فتقف على جانب الطريق في انتظار سيارة تقلّها، وتقول، لـ»الأخبار»: «الحمد لله اللي رجعنا على غزة، رغم أنو بيوتنا نُسفت ولم يعد لها أثر، إلا أنني سأنصب خيمتي بجوارها». وتبيّن أن أبناءها في بريطانيا وإسبانيا حاولوا إجلاءها، «إلا أنني رفضت ذلك، فلا يوجد أجمل من الوطن». وتصف نهلة زايد، هي الأخرى، عودتها إلى غزة بـ»الشيء الذي لا يُصدق. رغم أنني سأعود إلى الخيمة، لكنّ الشعور سيكون مختلفاً تماماً، حيث الراحة النفسية والاستقرار واللقاء بالأحبة»، فيما تقول كريمة دواس: «صحيح تعبانين لكن مبسوطين الحمد لله، رجعنا رغم الدمار والوجع والألم، إلّا أني ببكي من الفرح»، مؤكدة أن الموت سيكون أهون عليها من الخروج من غزة مرة أخرى.
وعلى قارعة الطريق، تجلس سنابل دواس وشقيقها محمود ليستريحا من عناء الطريق، وتقول: «نحمد الله أن أكرمنا بالعودة إلى أرضنا ولن نغادرها حتى نطمئن على أهلنا». وتسرد أنها يوم بدء الحرب في غزة، حزمت أمتعتها وقرّرت العودة وشقيقها إلى القطاع كي تكون إلى جانبهم، «وقد كانت أيام الحرب التي عشتها أهون بكثير من الأيام اللي قضيتها في مصر قبل العودة إليهم خلال فترة الهدنة الأولى». ويقول شقيقها محمود، الذي يدرس في كلية الهندسة في جامعة القاهرة، إنه ترك كل شيء وقفل عائداً إلى أرضه ووطنه لأن «الدراسة تُعوض بينما الرباط على الأرض ومرافقة الأهل والاطمئنان عليهم لا تُعوّض». ويضيف: «لقد فقدت 40 كيلوغراماً من وزني خلال أسابيع قليلة بسبب توتري وتعبي النفسي وعدم القدرة على التواصل مع عائلتي، بينما رُدّت لي روحي عندما عدت إلى أرضي رغم استمرار الحرب، واليوم سأعود إلى بيتي الذي دمّره الاحتلال ولكن سأعيد بناءه بنفسي».