اقتصادالرئيسية

مُنشآت البداوي… بؤرة خطرة صحياً وبيئياً على طرابلس والمناطق المحيطة!

طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، تغرق يوماً بعد يوم تحت وطأة الإهمال والفساد، لتكتب فصلاً جديداً من المآسي. في قلب البداوي، تتراكم نفايات نووية وكيميائية قاتلة داخل المنشآت النفطية، مهددة ليس فقط المنطقة المحيطة، بل أيضًا مدينة طرابلس بأكملها بكارثة بيئية وصحية مرتقبة.

ان حجم الخطر الداهم مصدره النفايات المكدسة التي تعكس فساداً متجذراً وإهمالاً طال أمده، ليبقى سكان المنطقة وحدهم يدفعون الثمن في انتظار تحرك قد لا يأتي.

المواد الخطرة الموثقة

تعيش مئات الأسر في طرابلس على مسافة قريبة جداً من هذه المنشآت، وتتصاعد منها روائح كريهة جدا، مما يجعل الحياة اليومية لا تُطاق لنحو 500 ألف شخص متضرر في المنطقة. وتشمل النفايات المتراكمة داخل المنشآت النفطية مواد خطرة جدا مثل:

– الأسبستوس: مادة مسرطنة تُسبب أمراضاً خطرة في الجهاز التنفسي، فبالإضافة إلى سرطان الرئة وتليف الرئة، يمكن ذكر أن الأسبستوس يرتبط بمرض الميزوثيليوما، وهو نوع نادر وخطر من السرطان، يصيب الغشاء الذي يبطن الرئتين والجهاز الهضمي.

– أمونيوم بيفلورايد: مركب كيميائي شديد السم، يسبب تحسساً حادًا في الجلد والعينين والجهاز التنفسي. ويمكن أن يؤدي التعرض المطول له إلى أضرار دائمة في الرئتين.

– كلوريد النحاس الثنائي: مادة كيميائية تؤثر بشكل مباشر في الكبد والكلى، وقد تسبب تسممًا حادًا عند التعرض المزمن لها.

– مواد كيميائية تكافح التآكل: تحتوي على مكونات قد تكون مسرطنة وضارة بالصحة العامة عند التعرض لها.

– البتومين والغليسيرين: يؤدي تراكم هذه المواد أو حرقها إلى انبعاث غازات سامة تلوث الهواء، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والقلب.

ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في طرابلس

وتشير التقارير المحلية إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات الإصابة بالسرطان في طرابلس ومحيطها، وهو ما يرتبط مباشرة بوجود هذه المواد الخطرة. الأسبستوس وحده مسؤول عن أمراض مميتة مثل سرطان الرئة و”الأسبستوسيس” (تليف الرئة). عند استنشاق ألياف الأسبستوس الدقيقة، فإنها تسبب تهيجًا مزمنًا في الرئتين، مما يؤدي إلى تكوين أنسجة ندبية وزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة والأسبستوسيس.

وتساهم ايضا المواد الكيميائية الأخرى مثل كلوريد النحاس الثنائي وأمونيوم بيفلورايد في تفاقم المشكلة، حيث تتراكم هذه المواد في الجسم، وتؤثر في الكبد والكلى والجهاز التنفسي، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.

هذا وتشير الدراسات الوبائية إلى وجود علاقة مباشرة بين التعرض لهذه المواد، والارتفاع الملحوظ في معدلات الإصابة بالسرطان في المناطق المجاورة للمنشآت النفطية.

أما الأطفال، كبار السن والحوامل، فهم الفئات الأكثر عرضة لتأثيرات المواد السامة الموجودة في النفايات النفطية. فالأطفال، بسبب نمو أعضائهم وأجهزتهم الحيوية، يتأثرون بشكل أكبر بالمواد السامة، التي قد تسبب تأخرًا في النمو وتشوهات خلقية.

أما كبار السن، فضعف جهازهم المناعي يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة. والحوامل، بدورهن، ينقلن المواد السامة إلى أجنتهن، مما يعرضهن لخطر الإصابة بأمراض خلقية ومشاكل صحية مستقبلية.

علاوة على ذلك، فإن التعرض المزمن لهذه المواد يزيد من خطر الإصابة بأمراض مثل السرطان وأمراض الجهاز التنفسي، مما يمثل عبئًا كبيرًا على النظام الصحي ويؤثر في جودة الحياة.

تلوث الهواء والمياه

إنّ تصاعد الروائح الكريهة من المنشآت، يعني تسرب المواد الكيميائية إلى الهواء، مما يعرض السكان، وبخاصة الأطفال وكبار السن، لمخاطر تنفسية خطرة. بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر كبير من تسرب هذه المواد إلى مصادر المياه الجوفية، ما يؤدي إلى تلوث مياه الشرب وانتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل التسمم والمعاناة من اضطرابات الجهاز الهضمي.

إن تسرب المواد السامة مثل البتومين و كلوريد النحاس الثنائي، يؤدي إلى تلوث خطر في التربة، ما يجعلها غير صالحة للزراعة لفترات طويلة. كما أن تسرب هذه المواد إلى المياه الجوفية يهدد مصادر الشرب والزراعة في المنطقة، مما يؤدي إلى تلوث مصادر المياه وتدمير الموائل الطبيعية. وتتراكم هذه السموم في أجسام الكائنات الحية، مما يؤدي إلى تسممها وموتها، وتؤثر في السلسلة الغذائية بأكملها.

وتسبب الأسبستوس والمواد الكيميائية الأخرى الموجودة في هذه النفايات، تشوهات خلقية في الحيوانات وتؤثر في قدرتها على التكاثر، مما يؤدي إلى انخفاض أعدادها وتقليل التنوع البيولوجي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدمير الموائل الطبيعية يؤدي إلى فقدان العديد من الأنواع النباتية والحيوانية، مما يقلل من قدرة النظام البيئي على تقديم الخدمات الأساسية للإنسان، مثل توفير الهواء النقي والمياه الصالحة للشرب.

أخيراً، تُشكل كارثة النفايات الكيميائية والنووية في منشآت البداوي، تهديداً وجوديًا لمدينة طرابلس والمناطق المحيطة بها. فيتطلب التخلص من هذه الأزمة تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الحكومة والمنظمات الدولية، وصولاً إلى المجتمع المدني والقطاع الخاص. فيجب وضع خطة وطنية شاملة لإدارة النفايات الخطرة، تتضمن إجراءات عاجلة لتنظيف المناطق الملوثة، وتطوير بنية تحتية مناسبة للتخلص الآمن من النفايات، وتشديد الرقابة على المنشآت الصناعية.

على أمل أن يحرك المعنيون ساكناً قبل فوات الأوان!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى