رنا الساحلي.. أيقونة الإعلام المقاوم – بقلم: نادين خزعل
الإسم: الحاجة رنا السّاحلي… إسمٌ عابرٌ لكل الحدود، فهي صلة الوصل بين الإعلام المقاوم وبين كلّ الإعلام.
سيّدة ملتزمةٌ، يعلو الوقار حضورها، يعرفها الجميع ويحبّها الجميع،وهي الحاضرة دائمًا..
زئبق العمل الإعلامي دون منازع أو منّة التفخيم في الوصف، ولئن كان لا يوجد ما يسمّى
“مصادر حزب الله”، فإن الحاجة رنا هي مصدر كل الإعلام، لتأكيد خبر ولدحض شائعة.
تميز أداء الحاجة رنا خلال العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان منذ تشرين الأول 2023، فهي كانت من ينقل لنا ارتقاء الشهداء، وبيانات النعي، ومراسم التشييع، ومع احتدام المواجهة، كانت تنقل لنا أولًا بأوّل بيانات الإعلام الحربي، بيانات استشهاد القادة، وبيانات تعيين البدلاء عنهم، بوتيرة لا تهدأ، لا فرق بين ليل أو نهار، وقد فاق عدد البيانات أثناء الحرب الثمانين بيانًا في نهار واحد.
وإلى كل هذه المهام، كانت الحاجة رنا أحد أبرز أركان فريق عمل الشهيد القائد محمد عفيف،مسؤول العلاقات الاعلامية في حزب الله، نائبة له، ومرافقة له في كل صولاته وجولاته ومؤتمراته، ومشرفة على أدق التفاصيل حتى الثانية الأخيرة ما قبل الاستشهاد…
وعلى الأرض، كانت الحاجة رنا الحريصة على أن يكون الجميع “مرتاحًا” وزاوية رؤيتها هي زاوية ما يريده الآخر، من التصوير، إلى كيفية وضع الميكروفونات، إلى التسجيل، إلى مكان الوقوف أو الجلوس، كل التفاصيل اللوجستية من ألفها إلى يائها، كانت تنجح الحاجة رنا في إتقانها…
شخصية رنا الساحلي، استثنائية، منفتحة على الجميع، وبابها وهاتفها مفتوحان (24/24)…لا تكل ولا تمل، نسجت بآلية تعاطيها المميزة بوتقة علاقات إعلامية مع الخصم والحليف، فالكل يسأل رنا، والكل يأخذ من رنا الجواب الصحيح.
الحاجة رنا الساحلي، وكم تعالت على جراحات الفقد، وكم شاركت في تقبل تعازي الشهداء، وهي بملامح تمتزج فيها الصلابة مع الألم الصامت، بوجه يبكي دون دموع، يخبّئ حزنه وراء بسمة خجولة لا تفارقه، وكم كان الزمن المترامي على أيلول والتشرينين حافلًا باستشهاد القادة والرفقاء وأفراد من عائلتها ولكن لم يرَ أحدٌ منا قط دمعة تتساقط من مقلتيها..
المصاب الأكبر على الإعلام المقاوم كان استشهاد الحاج محمد عفيف وكل رفاقه: محمود الشرقاوي، هلال ترمس، حسين رمضان و موسى حيدر، وأثناء مراسم تقبل العزاء قالت رنا: لا اعتراض على حكمك يا الله، استشهدوا جميعهم، لو بقي واحد منهم فقط…في تلك اللحظة، اعتقدت أنني سأرى دمع رنا لأول مرة، ولكنها ختمت جملتها ببسمتها المعهودة، ذات البسمة التي تلقي خمارًا يقوم بدور التورية على الحزن والقهر.
وبعد…
في زمن استنائية المشهد، أثبتت الحاجة رنا السّاحلي أنها أيقونة السيدة اللبنانية العاملة، وما أحوج إعلامنا ومجتمعنا إلى مثيلاتها، فهي سيدة الالتزام وسيدة الانفتاح، تمسك بزمام التمسك بالمبادئ وتقبّل الآخر، تتقن فرض رأيها وفرض احترامه على الآخر الذي تحترم هي أيضًا برقيّ رأيه، وهي صلة الوصل وهمزة الالتقاء مع التعددية الإعلامية فطوبى لها.
رنا السّاحلي، عوفيت جهودك وبورك عملك، وطاب عنك وفيك الكلام وإن كان ما يُقال مستمدًا منك، وسواء أطلنا المقال أم اختصرنا، واللهِ، إن كفيناكِ ما وفيناكِ.