اجتماع الرياض ومطلب وحدة العالم الإسلامي
يوسف حسن – في خضم جرائم الاحتلال الاسرائيلي المتصاعدة في غزة، وخاصة في جباليا، فضلا عن الاعتداءات المتكررة لهذا الكيان في لبنان، والتي باءت بالفشل حتى الآن بسبب مقاومة قوات حزب الله، وفي ظل الوضع الذي يشهده لبنان يسعى مسؤولو البيت الأبيض إلى فرض مطالب الكيان الصهيوني على المنطقة خوفاً من ترامب، وفي تطور محمود على مسار التفاعل والتقارب بين الدول الإسلامية، عقد الاجتماع الطارئ الثاني لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية في الرياض بالمملكة العربية السعودية بحضور مسؤولين من أكثر من 50 دولة إسلامية.
وبحث هذا اللقاء سبل وقف إطلاق النار وإنهاء هجمات الكيان الصهيوني على غزة وجنوب لبنان، إلى جانب تقديم المساعدات للنازحين واتخاذ موقف موحد للضغط على المجتمع الدولي لمنع هجمات كيان الاحتلال الصهيوني. وشددوا على دعم فلسطين ولبنان والمواجهة العالمية مع الكيان الصهيوني، وطالبوا مجلس الأمن باتخاذ إجراء عملي لإنهاء جرائم الاحتلال.
لقد انعقدت هذه القمة كتوافق دبلوماسي بين الدول العربية والإسلامية، كما أنها ملزمة إلى جانب المواقف والآراء المطروحة، باتخاذ اجراءات عملية لدعم فلسطين ولبنان ومواجهة الاحتلال وداعميه. حيث أن غياب هذه الأمور خلال الـ 75 عاماً الماضية، بما فيها العام الماضي، أصبح الأساس لاستمرار الإبادة الجماعية التي يمارسها الصهاينة في المنطقة.
اهم ما في الامر هو أن الدول الإسلامية تتمتع بقدرة سكانية تبلغ 2 مليار نسمة، وتتمتع بقوة بناء توافقية عالية، إلى جانب العديد من المكونات الاقتصادية، خاصة في مجال الطاقة. إن الطاقة والموقع الجغرافي وامتلاك الثروة التي انعم فيها الله على الدول الاسلامية يمكن أن يكون أداة فعالة في أيدي الدول الإسلامية للضغط على الدول الغربية لممارسة نفوذها لوقف آلة الجريمة الصهيونية. لقد أظهرت التجربة أنه طالما لم يتم فرض المشقة على الغرب، فإنهم ليسوا على استعداد لوقف الدعم والتواطؤ مع احتلال وعدوان الكيان الصهيوني.
يمكن استخدام هذه الأداة الاقتصادية بطريقتين. فمن ناحية، ينبغي على الدول الإسلامية تنفيذ سياسة العقوبات الحقيقية ضد الكيان الصهيوني وداعميه، ومن ناحية أخرى، ومع تقارب العالم الإسلامي، ينبغي عليها التعامل مع سياسات العقوبات والضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمارسها الدول الغربية ضدها.
بمعنى آخر، إلى جانب فرض العقوبات ضد الغرب، ينبغي عليهم أن يواجهوا بشكل موحد ومتآزر العقوبات الغربية ضد الدول الإسلامية، الأمر الذي سيؤدي إلى تعزز نفوذ العالم الإسلامي ودوره في النظام العالمي الجديد.
وبالإضافة إلى القدرات المذكورة، يمكن ملاحظة مبدأ مهم في تطورات احتلال فلسطين على مدى 75 عاماً واحتلال وجرائم الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وهو أن الكيان الصهيوني واعوانه لا يفهمون إلا لغة القوة، وكلمة الدبلوماسية لا تعني لهم في الواقع شيئاً في اتجاه حل القضية الفلسطينية، حيث آلت الامور من كامب ديفيد الى غزة وأريحا ووادي عربة وأوسلو ومشروع إبراهيم وغيرها، ولم تسفر إلا عن إهدار جزء آخر من الحقوق الفلسطينية، لأن العدو يفسر الدبلوماسية على أنها علامة على الضعف وفرصة للابتزاز، والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن سلوكيات الغرب المتوحش والكاوبوي لا تزال تشكل البنية العقلية لرؤساء الولايات المتحدة وشركائهم الأوروبيين، كما قام الكيان الصهيوني على نفس التفكير، فلغة الحوار ليس لها وجود في قاموسهم، ولا يجب التحدث إليهم إلا بلغة القوة.
إن التطورات التي تشهدها المنطقة منذ عام 2000 وحتى اليوم على الأقل، بما في ذلك مرور عام على عملية طوفان الأقصى، تظهر أن الحل الوحيد المتبقي للقضية الفلسطينية وعودة السلام والأمن إلى المنطقة هو النهج الميداني أو الحل الشامل عبر المقاومة. وتكون الدبلوماسية في هذا المجال فعالة عندما تهدف إلى تعزيز القوة العسكرية والدفاعية للمقاومة، وخاصة لبنان وفلسطين، حيث قدمت الولايات المتحدة وبعض الأوروبيين أسلحة بمليارات الدولارات للكيان الصهيوني خلال هذا العام.
ثانياً، يجب أن تكون هذه الدبلوماسية مكملة للميدان بهدف مواجهة حرب روايات العدو الصهيوني، وأيضاً توجيه المجتمع الدولي نحو دعم المقاومة، مما سيؤدي في النهاية إلى تثبيت إنجازات الميدان في الوادي السياسي.
ثالثا، لا ينبغي تحديد هذه الدبلوماسية في اتجاه التفاوض والتسوية مع الكيان الصهيوني أو الغرب، بل في إطار التحشيد الدولي لدعم فلسطين ولبنان ومواجهة مؤامرات ومخططات المجرمين الصهاينة.
الغرب اليوم هو الكيان الصهيوني، لذا فإن أي تنازل أو تفاوض مع الغرب يعني تسوية مع الكيان الصهيوني، وهو ما يمثل ضربة كبيرة للعالم الإسلامي.
إن العالم الإسلامي والإنسانية اليوم في حالة حرب، وبموجبها أي ضربة للكيان الصهيوني هي عون للإنسانية جمعاء، لذلك، أولا وقبل كل شيء، يجب أن تتحول حالة الحرب هذه إلى عقيدة للدول الإسلامية. كما يجب استغلال كل ما هو اقتصادي وسياسي وثقافي وإعلامي ودولي لتعزيز هذا المجال.
إن العالم الإسلامي اليوم في خضم حرب لن تحقق فيها التنازلات وتفضيل الدبلوماسية أي إنجاز سوى تكرار إذلال الهزيمة أمام الكيان الصهيوني والغرب، لأن مجريات اليوم هي اولى بشائر التحرير.
وسيواصل شعبا فلسطين ولبنان طريق المقاومة الذي اختاراه، دون بدعم او من دون دعم العالم الإسلامي، وفي النهاية سيبقى الخذلان نصيب لمن يتوهم أوهام التسوية والمفاوضات مع الشيطان الأكبر.
لقد وجد العالم الإسلامي اليوم الفرصة ليصرخ بحضوره الميداني بالوحدة، من أجل إنهاء 75 عاما من الاحتلال ووضع حد لجرائم الكيان الصهيوني وأعوانه، وليتردد اسمه في العالم من جديد. أمة محبة للحرية وموحدة وتلعب دورها التاريخي في النظام الجديد للتعددية العالمية التي بدات تتكشف ملامحها بوضوح.