العدوان الاسرائيلي في ذروة تدميره بالغارات الجوية والقصف المدفعي والتفخيخ للقرى والبلدات اللبنانية في الجنوب والبقاع وصولاً إلى عكار، وفي موازاته تصاعد كثيف لعمليات «حزب الله» واستهدافاته الصاروخية لمواقع وقواعد الجيش الإسرائيلي وتجمّعات جنوده، ولاسيما على ما تسمّى محاور الحافة الأمامية في الجنوب، ومستوطنات ومدن العمق الإسرائيلي، حيث تركّزت بشكل مكثف أمس، على مدينة صفد وعكا وحيفا وخليجها. فيما الميدان السياسي تسوده ضبابية تعتري ما يُحكى عن اتصالات وحراكات متسارعة لإنضاج تسوية واتفاق على وقف لإطلاق النار على جبهة لبنان.
لا علم للبنان
هذه الضبابية، يعزّزها السلوك الإسرائيلي الذي دأب في الفترة الأخيرة على إغراق الأجواء بمواقف متناقضة تثير التساؤلات حول المرامي الحقيقية لإسرائيل من خلفها في هذا التوقيت، حيث أنّ المستوى السياسي في إسرائيل دأب منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية، على إشاعة مناخات إيجابية حول اقتراب بلوغ تسوية مع لبنان، مزامنة ذلك بإعلان عزم الجيش الإسرائيلي على توسيع ما يسمّيها المناورة العسكرية في لبنان.
وبمعزل عن هذا التناقض الإسرائيلي، والمواقف المتقلّبة بين الاستعداد للتصعيد والحديث عن تقدّم في مسار التسوية وتبادل مسودات لهذه التسوية بين إسرائيل ولبنان والولايات المتحدة الاميركية، فإنّ لبنان بكلّ مستوياته الرسمية والسياسية يقارب المشهد الإسرائيلي بحذر بالغ، وخصوصاً أنّ الظاهر بالنسبة إليه، كما يقول مرجع سياسي لـ«الجمهورية» هو المنحى العدواني المتواصل في القتل وارتكاب المجازر وتدمير البنى المدنية، فيما ما يُحكى عن اتصالات وحراكات وعن مسودات للتسوية وإيجابيات، ما هو الّا حديث وإيجابيات من طرف واحد، أي من قِبل إسرائيل، وخصوصاً انّ لا شيء في اليد على الإطلاق، ولم يطرأ أيّ تطور او معطى جديد منذ الزيارة الاخيرة للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت أواخر الشهر الماضي».
واكّد المرجع عينه «أننا ما زلنا عند النقطة التي تمّ التوافق عليها خلال زيارة هوكشتاين لجهة وقف اطلاق النار والتطبيق الكلي والشامل لكل مندرجات القرار 1701 من دون زيادة او نقصان، وبالتالي فإن ترويج إسرائيل لتقدّم في المباحثات مع الاميركيين في مسار التسوية، لا علم لنا به، بل لا يعنينا من قريب او بعيد، ولم نتبلّغ من أي طرف، وخصوصاً من قبل الأميركيين بأي توضيح لماهية هذا التقدّم، أكان في ما يتعلق بما تمّ الاتفاق عليه مع هوكشتاين، ونحن نشكّ بذلك، أو في ما يتعلق بما تروّج له اسرائيل لتسوية بشروطها وحل لمصلحتها.. وكلاهما مرفوضان بشكل قطعي من قبل لبنان. وبمعنى أدق، إسرائيل تريد تسوية إسرائيلية وحلاً إسرائيلياً، ولبنان لن يسقط في الفخ الإسرائيلي، ولا يمكن له أن يقبل بشكل من الأشكال بمثل هذا الحل».
سيأتي .. لن يأتي!
وفيما رجحت بعض الوسائل الإعلامية والمستويات السياسية زيارة قريبة لهوكشتاين إلى بيروت من دون المرور بإسرائيل، فإنّ معلومات «الجمهورية» من مصادر موثوقة تفيد بأنّ بعض المستويات السياسية على تواصل دائم مع هوكشتاين منذ مغادرته بيروت، وقد سافر آنذاك على وعد أن يعود إذا ما لمس إيجابيات اسرائيلية حيال ما تمّ الإتفاق عليه معه، ولاسيما في ما خصّ التطبيق الكامل والشامل للقرار 1701. وحتى الآن لم يطرأ ما قد يجعله يحزم حقائبه ويسافر إلى لبنان، وبالتالي أجندة المواعيد السياسية ما زالت خالية من أي موعد لهوكشتاين مع أي مسؤول لبناني».
وبحسب المصادر عينها، فإنّ الاسبوع الجاري حاسم لناحية تحديد حركة هوكشتاين، وما إذا كان سيزور بيروت أم لا، وذلك ربطاً بالاجتماع المقرّر بين الرئيس الاميركي جو بايدن والرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب. حيث من الطبيعي أن يتناول لقاء بايدن وترامب جملةً من الملفات التي تعني الولايات المتحدة ومن ضمنها ملف التسوية في لبنان. حيث قد يتوافقان على أن يتابع بايدن مسعاه لبلوغ هذه التسوية قبل بدء ولاية ترامب، وعلى هذا الأساس تصبح زيارة هوكشتاين إلى بيروت مؤكّدة وفق خريطة طريق يرسمها لقاء الرئيسين».
ليونة خادعة
وفيما أكّدت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» وجود إشارات اميركية جدّية بتزخيم الجهود لبلوغ تسوية سياسية في المدى القريب المنظور، عبر حراك مكثف للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل، قال مسؤول رسمي كبير لـ«الجمهورية»: «الليونة التي تبديها اسرائيل حالياً حيال التسوية السياسية، هي ليونة وهمية وخادعة، خبرنا مثلها في بدايات حربها على غزة، حيث كانت توهم الجميع بسلوكها مسار التسوية وتسريع صفقة التبادل، الّا انّها سرعان ما كانت تنقلب على كل الجهود، وتواصل حربها التدميرية. والآن اعتقد انّ اسرائيل تمارس السياسة نفسها، لذلك لا يمكن الوثوق بأي إيجابيات خادعة تروّجها إسرائيل. ومن هنا فإنّ الأفق ما زال مسدوداً، والوضع لا يبعث على التفاؤل، الّا إذا كان هوكشتاين سيأتي لنا -إن كان سيحضر إلى بيروت – بشيء جدّي خارج سياق المماطلة والتسويف الاسرائيلي».
بري: القرار 1701
إلى ذلك، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري رداً على سؤال لـ«الجمهورية» حول ما تطرحه اسرائيل، حل بشروطها وتسوية لمصلحتها: «موقفنا واضح؛ وقف إطلاق نار وتطبيق القرار 1701. ثمّ هل من عاقل يعتقد أننا سنوافق على تسوية او حل يحقق مصلحة إسرائيل على حساب لبنان وسيادته؟».
ولفت بري إلى أنّه «في ايلول الماضي طرح الفرنسيون مبادرة مشى فيها الاميركيون ووقّعت عليها مجموعة كبيرة من الدول، وتمّ إطلاقها على شكل نداء لإنهاء الحرب، والجميع استجابوا لهذا النداء باستثناء اسرائيل التي وحدها لم تستجب لذلك ونسفت هذا المسعى. والآن هذا النداء أصبح وراءنا ولا عودة له، حيث أنّ المطلوب هو وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 بلا حرف زائد او حرف ناقص. وهذا ما اتفقنا عليه مع هوكشتاين».
ورداً على سؤال عن إعلان وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس بأنّ إسرائيل انتصرت على «حزب الله» قال بري: «عن أي انتصار يتحدثون، هل انتصروا في غزة، 13 شهراً من الحرب على القطاع، ولم يتمكنوا من إعادة الأسرى، ولم يتمكنوا من «حماس»، بالعكس فإنّ «حماس» ما زالت تقاتل وتقاوم بشراسة، والأسرى الاسرائيليون ما يزالون لديها. وفي لبنان قاموا باغتيالات لقيادات «حزب الله» ودمّروا البيوت وهدّموا الأبنية المدنية وقتلوا المدنيين، فهل هذا انتصار، وهل انتصروا على أرض الواقع، وهل مكّنتهم هذه الاغتيالات وكل هذا التدمير والقتل من الانتصار؟ لقد مضى ما يزيد عن 45 يوماً من الحرب على لبنان، ولم يتمكنوا بكل القوة التي استخدموها من ان يتقدّموا ويثبتوا في أي مكان في القرى اللبنانية المستهدفة، بالعكس يتسللون ومن ثم يهربون، والنتيجة انّهم لم يغيّروا في الميدان شيئاً، وهذا الميدان كما هو مؤكّد هو الذي يقول كلمته في نهاية المطاف».
ورداً على سؤال عمّا يُحكى عن قلق إسرائيل من صدور قرار ضدّها في مجلس الأمن الدولي، قال: «ومتى احترمت إسرائيل قرارات مجلس الامن، ومتى أقامت وزناً لها، ولو انّها تحترمها وتقلق منها لكانت طبّقت سلسلة القرارات التي صدرت، ولاسيما القرار 242 و338، ولكانت احترمت القرار 1701 الذي خرقته لما يزيد عن 30 الف مرة».
دعم إيراني لـ1701
وكان الرئيس بري قد تلقّى اتصالاً هاتفياً من رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، تداولا خلاله بتطورات الاوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة جراء مواصلة اسرائيل لعدوانها على لبنان. وأكّد قاليباف للرئيس بري وقوف الجمهورية الاسلامية الايرانية الى جانب لبنان ومؤازرته بتنفيذ القرار الأممي رقم 1701.