القصيفي في ذكرى طلال سلمان: كنت المدرسة والعلم والمنارة
أشار نقيب محرّري الصّحافة اللّبنانيّة جوزيف القصيفي، في الذّكرى الأولى لغياب مؤسّس جريدة “السّفير” وناشرها ورئيس تحريرها طلال سلمان، إلى أنّ “سنة مرّت على غياب أبي أحمد، وكأنّه اليوم في عمر الزّمن، فهو لم يبرح القلب والذّاكرة، لأنّه كان فعلًا صوت الّذين لا صوت لهم”.
ولفت في بيان، إلى أنّه “فجّر بقلمه المبدع، وأسلوبه الشيّق ثورةً على الظّلم والتّمييز واللامبالاة وثقافة المعليشيّة. وإلى التزامه الوطني والقومي وأتباعه سياسات لم ترق للعديد ممّن كانوا لا يقاسمونه القناعات والخيارات نفسها، فإنّه قدّس الحرّيّة واعتنق الدّيمقراطيّة واعترف بحقّ الاختلاف، وضرورة الحوار مع الآخر والاحتكام إلى الكلمة لا العنف، والحوار بديلًا من المواجهة والمكاسرة العبثيّة”.
وركّز القصيفي على أنّهم “ردّوا على طلقات يراعه المذخّر بالكلمات، بإرهاب بلغ حدّ التّفجير، وحمل أثر شهادته الحيّة وسامًا على وجهه، وكان أثمن وأرفع من كلّ الأوسمة الّتي تزيّن الصّدور”، مبيّنًا أنّ “طلال سلمان مضى، وفي القلب غصّة على إغلاقه “السّفير” مرغَمًا، فيما لبنان والعالم العربي في مسيس الحاجة إلى استمرار صدورها علامةً مميّزةً في هذا الزّمن البائس”.
وأكّد أنّه “كان مرتاح الضّمير لأمرَين: الأوّل أنّه خلف مدرسةً ضمّت عشرات، بل مئات المريدين الّذين يتحلّقون يوميًّا في الطّابق السّفلي من مبنى الجريدة، الّذي تحوّل إلى منتدى يحمل اسمها. والثّاني أنّه لم يستكن ولم يهدأ له بال، إلّا بعد أن سدّد للعاملين في الصّحيفة من صحافيّين وموظّفين وتقنيّين وعمّال، كامل تعويضاتهم ومستحقّاتهم حتى آخر “بارة” و”حبّة مسك”.
كما شدّد على أنّ “هذا السّلوك ليس غريبًا على ابن شمسطار الآتي من جوار مدينة الشمس أعزلًا إلّا من طموحه، وإرادته الواضحة في ألّا يكون صفرًا على شمال الحياة”، مضيفًا: “كان عصاميًّا حتّى العظم، نخيًّا ومجتهدًا، فلم يقوَ الفقر ولا ضيق ذات اليد في مرحلة البدايات على الثّبات في وجه تصميمه على المغامرة، الّتي أثمرت مؤسّسةً إعلاميّةً رائدة”.
وذكر القصيفي أنّه “تمكّن من تحقيق أحلامه بعد مشقّة ومعاناة”، معلنًا “أنّني أغبط نفسي لعملي مع قامات كبيرة في الصّحافة، وأنت في مقدّمهم. كنّا من خندقَين سياسيَّين متباعدَين، لكنّنا كنّا متقاربَين في الانحياز للحرّيّة والإنسان وكرامته، والانتصار لأبناء المهنة دون تفرقة، وقد حفظت لك الودّ والعرفان قبل عملي في “السّفير” وخلاله، وأثر مغادرتي الصّحيفة بعد عقدين من الزّمن”.
وأشار إلى أنّ “الذّكريات والمعاناة والأيّام الجميلة الّتي ظللتنا لا تزال تحفر عميقا في الذّاكرة. وإذا أردنا أن نؤرّخ للصّحافة اللّبنانيّة والعربيّة في العصر الحديث، فإنّنا لا نخدش الحقيقة إذا قلنا أنّك كنت فتاها الاغر، المجدّد، والرّؤيوي و”صوت لبنان في العالم العربي، وصوت العالم العربي في لبنان”، وأنّك كنت المدرسة والعلم والمنارة؛ في زمن أغلقت فيه المدارس وتمزّقت الأعلام وتهاوت المنائر. رحمك الله وليكن ذكرك مخلدًا”.