خيار الردّ المتوازن بين استجرار الحرب والنزول على الشروط
حدثان بارزان ومهمّان حصلا مساء الثلاثاء وفجر الأربعاء يمكن أن يجرّا المنطقة كلّها إلى حرب واسعة مفتوحة بل ربما إقليمية. الأول غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية أدّت لاغتيال أحد أبرز كوادر حزب الله العسكريين، فؤاد شكر، المعروف بـ “الحاج محسن”، وحادثة الاغتيال جريمة مركّبة، فهي اغتيال لأحد الكوادر، وفي الوقت ذاته خرق لقواعد الاشتباك المعمول بها عند طرفي الحدود، حيث تُعتبر هذه الحادثة هي المرّة الثانية لاستهداف عمق الضاحية الجنوبية لبيروت بعد اغتيال القيادي في حماس صالح العاروري قبل نحو بضعة أشهر في الضاحية. والحدث الثاني هو اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنيّة، فجر يوم الأربعاء في العاصمة الإيرانية طهران خلال مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وهذا الاغتيال لم تعترف به إسرائيل بشكل صريح وإن كانت بعض الشخصيات القيادية الإسرائيلية أشارت إلى ذلك تلميحاً.
خطورة الحدثين أنّهما قد يجرّان المنطقة برمّتها إلى حرب واسعة ومفتوحة لطالما سعى لها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. في حادثة اغتيال أحد قياديي حزب الله في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت بات الحزب أمام تحدّي الردّ على هذه الحادثة، وهذه المرّة التحدّي مضاعف لأنّ الشخصية المستهدفة شخصية عسكرية ورفيعة المستوى. لا يملك حزب الله خياراً آخر أمام هذا التحدّي، فالاستهداف جرى لأحد شخصياته القيادية، وعلى أرضه بل في عمقها، وبالتالي فإنّه مطالب بالردّ من أجل إعادة الاعتبار أولاً، وإعادة الردع ثانياً، وإعادة الثقة لجمهوره ومعظم اللبنانيين ثالثاً، وحتى لا تتحوّل الحادثة إلى قاعدة جديدة من قواعد الاشتباك لا يريدها الحزب. وإذا ما صمت حيالها فإنّ قياداته ستصير عرضة للاغتيال في أيّة منطقة وفي أيّة لحظة؛ وإذا ما ردّ بشكل غير محسوب فإنّ ذلك قد يشكّل فرصة حقيقية وذريعة لرئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يبحث عن ذريعة وسبب لتوسيع الحرب والنزول عن الشجرة التي صعد إليها في غزة ولا يعرف كيف ينزل عنها بعد فشل جيشه في تحقيق أيّ من الأهداف التي وضعها لنفسه في حربه على القطاع.
وأمّا بالنسبة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنيّة، في طهران، وإن لم يعترف الإسرائيلي بشكل صريح وواضح بمسؤوليته عن الاغتيال، غير أنّ الجميع يدرك أنّه يقف خلف العملية وربما بمساعدة من دول أخرى في المنطقة أو خارجها. لقد أعلنت إسرائيل نصف اعتراف بالمسؤولية عن حادثة الاغتيال لاعتبارات عديدة، لكنّها وضعت إيران أمام تحدّ لا يقلّ أهمية وخطورة عن التحدّي الذي وضعت حزب الله أمامه. الاغتيال جرى على أراضٍ إيرانية، والشهيد ضيف الجمهورية الاستثنائي، والعملية اعتداء صريح وواضح على سيادة الدولة تفوق عملية قصف القنصلية الإيرانية بدمشق قبل بضعة أشهر، وإيران تتزعّم المحور الذي ينادي بدعم المقاومة الفلسطينية، بل تعتبر نفسها صخرة هذا المحور، وبالتالي فإنّ حادثة الاغتيال تعني أنّ إيران ملزمة باتخاذ موقف من الحادثة. فهي إمّا أن تردّ عليها كما فعلت في منتصف شهر إبريل/ نيسان الماضي عندما ردّت على قصف القنصلية واستعادت بذلك مسألة الردع، وإمّا أن تصمت وتكتفي بالإدانة والاحتفاظ بحقّ الردّ وبالتالي فإنّ ذلك سيسمح لنتنياهو بمزيد من الأعمال الإجرامية التي سيلجأ إليها لإجبار الجميع على النزول على شروطه لوقف إطلاق النار واستعادة الأسرى، بل لرسم سياسة ومستقبل المنطقة كلّها من جديد.
لا يمكن للحزب ولا لإيران الصمت على هذين الحدثين أو الحادثتين حتى لو كان الثمن من خلف ذلك الذهاب إلى حرب واسعة ومفتوحة. صحيح أنّهما لا يريدانها، ولكنّها قد تتحوّل إلى مطلب وحاجّة فيما لو شعرا أنّهما سيخسران كلّ شيء، وسيتحوّلان إلى مؤثّرين ثانويين في المرحلة المقبلة بينما تكون إسرائيل المقرّر الأساسي في المنطقة. غير أنّ الذهاب إلى ردّ غير مدروس وموزون سيعني تدخّل دول أخرى بالمنطقة وهو ما سيكون على حساب النفوذ الذي تتمتّع به إيران حالياً وتريد الاحتفاظ به وتثميره، وبالتالي فإنّهما سيعملان على صياغة ردّ مدروس وموزون يستعيد هيبة الردع ويحافظ على قواعد الاشتباك ويمنع المنطقة من الإنزلاق إلى الحرب الشاملة، وبذلك يمكن أن يقطعا على نتنياهو مشروعه وخططه التي يرى أنّها الوحيدة لإنقاذ نفسه وكيانه من خلال توريط دول كبرى وعالمية في حرب المنطقة.
من الواضح أنّ نتنياهو استفاد من زيارته إلى واشنطن وأخذ الضوء الأخصر لشنّ عدوانه على المنطقة ربما بهدف تغيير قواعد الاشتباك، فضَرَبَ هاتين الضربتين بهدف إخضاع المنطقة لشروطه أو الذهاب بها نحو المجهول، ووضع الكرة في ملعب الطرف الآخر الذي بات أمام خيارات كلّها مُرّة ولا بدّ له من اختيار أحدها.