
بدءاً من آخر أيلول، أو مطلع تشرين، ستكون أجهزة السكانر الحديثة قد بدأت العمل في المرفأ، ولن يمر أي مستوعب من دون أن يخضع للمسح والمعاينة، في وقت سيكون قد بدأ أيضًا العمل على برنامج المعلوماتية الجديد، بالإضافة إلى احتمال المباشرة في برنامج الاطلاع على مضمون الشحنات الواردة إلى لبنان من المصدر. كل ذلك يشي بمشهدية جديدة في إدارة الجمارك، قد تؤدّي إلى وضع حد نهائي لما يعرف بالتهرّب والتهريب.
عندما أوقف مجلس شورى الدولة في تموز الماضي، قرار الحكومة فرض رسم إضافي على المحروقات من أجل تمويل المنحة التي قررتها الحكومة للعسكريين، برز سؤال مقلق: هل سيتم تجميد دفع المنحة الشهرية، بسبب تجميد مصدر تمويلها؟ وجاء الجواب سريعًا من وزارة المالية، أن المنحة ستُدفع بانتظار معالجة مسألة التمويل. وهذا ما حصل حتى الآن. إذ تقاضى العسكريون المنحة بدءًا من تموز، وسيستمر دفعها شهريًا.
هذا التأكيد بالدفع، يقود إلى سؤال آخر: كيف سيتمّ تمويل المنحة في هذه الحالة؟ وهل سيُسمح بحصول عجز في الموازنة، يؤدي إلى الاقتراض مجددًا؟
الجواب، كما يجزم وزير المالية ياسين جابر، سيكون عبر تأمين التمويل، وليس من خلال زيادة العجز. ويبدو الوزير متفائلًا جدًا بأن المراجعة التي تمّ التقدّم بها إلى مجلس شورى الدولة عبر هيئة القضايا، سوف تؤدي مجددًا إلى إقرار الرسم الإضافي على المحروقات، لأن الملف الذي تم تقديمه متماسك، ويستند إلى واقع لا يمكن دحضه، وهو حق السلطة التنفيذية في التشريع الجمركي، إذ لا يحتاج الأمر إلى مشروع قانون يُرسل إلى مجلس النواب. وانطلاقًا من هذا الواقع القانوني، يعتبر جابر أن القرار سيصدر لمصلحة إعادة العمل في الرسوم. وبالتالي، ستُحل مشكلة تمويل المنحة.
في الموازاة، تعمل وزارة المالية، كما يقول جابر لـ “نداء الوطن”، على مجموعة من الإجراءات بدأ تنفيذها تباعًا، يفترض أن تؤدي في نهاية المطاف، إلى وقف الهدر في قطاع الجمارك، وتحسين وتجويد الرقابة، لمنع التهرّب والتهريب، وزيادة إيرادات الخزينة.
من ضمن الإجراءات، يندرج موضوع استقدام جهازي سكانر متطورين لاستبدال السكانر شبه المعطّل الموجود حاليًا. ويكشف جابر أن السكانر الجديد موجود في البحر في طريقه إلى لبنان، وأنه تم تشكيل لجان مشتركة مع شركة CMA-CGM للبدء في تدريب العناصر على استخدام هذه الآلات التي تعمل وفق الذكاء الاصطناعي، وهي أجهزة متطورة جدًا. في حين أن السكانر الحالي قديم مصنوع في العام 2008. وعندما لا يكون معطّلًا ويعمل، يستطيع أن يراقب 40 مستوعبًا فقط كل 24 ساعة. في حين أن الأجهزة التي نستقدمها قادرة على مسح ومراقبة بين 40 و50 مستوعبًا في الساعة. وبالتالي سيصبح إلزاميًا أن تمر كل المستوعبات للمراقبة بالسكانر، على عكس ما يجري حاليًا، حيث تتم المراقبة انتقائيًا، لتحاشي عرقلة العمل، وهذه واحدة من الثغرات الأساسية التي تؤدي إلى التجاوزات التي تحصل. كما تتمتع هذه الأجهزة بذاكرة لتسجيل المعلومات والصور حول كل المستوعبات التي تمر عبرها. وبالتالي، ستكون المعلومات موثقة، ويمكن الاطلاع عليها مجددًا في حال وجود شكوك بأي مخالفة.
ويشرح جابر أنه تم تلزيم ملف المعلوماتية في الجمارك، من خلال منحة مالية من الاتحاد الأوروبي عبر البنك الدولي.
وسينجز المشروع في خلال شهرين. كما إننا نتفاوض مع جهات دولية من أجل تأمين الرقابة المسبقة على شحن البضائع، بحيث أن المعلومات حول البضائع المشحونة ستتوفر مسبقًا، بحيث عندما يصل أي مستوعب تكون المعلومات حول محتوياته متوفرة لدى الجهاز الجمركي. بالإضافة إلى البرامج (software) التي سيتم استخدامها، والتي تندرج في الإطار نفسه. وبالتالي، من الآن وحتى تشرين المقبل ستكون الجمارك في وضعية جديدة مختلفة تمامًا عن وضعيتها الحالية، وسنكون قادرين على القول إننا طوّقنا مشكلة التهرّب والتهريب في المرفأ من كل الجهات، وانتقلنا إلى مرحلة جديدة ينتظرها اللبنانيون منذ سنوات طويلة.
ولا تتوقف عملية ضبط الهدر عند حدود المرفأ والجمارك، بل تتعداه إلى إجراءات لضبط الهدر في الدوائر العقارية، وفي تسديد الضرائب. ويكشف جابر عن منحة أوروبية ستسمح بإجراء نقلة نوعية، بحيث ستصبح المعاملات العقارية ومعاملات المساحة والقيمة التأجيرية، أون لاين. كما تم تركيب برامج حديثة في وزارة المالية، بحيث سيصبح تسديد الضرائب أون لاين أيضًا. وعلى سبيل المثال، وصل إلى وزارة المالية حتى الآن حوالى مليون تصريح ضريبي أون لاين. وسوف ترسل الوزارة التنبيهات حول أي تأخير في تسديد الضرائب أون لاين أيضًا. كما أرسلت الوزارة في الأسبوع الماضي إلى حوالى 150 الف مكلف تنبيهات أون لاين لأنهم تأخروا في تسديد الضرائب المتوجبة عليهم. وقريبًا سيصبح الدفع أون لاين أيضًا، عبر بطاقات الدفع المصرفية. وهذا الأمر، بالإضافة إلى خفض الفساد والهدر، سيساعدنا في عملية الخروج من اللائحة الرمادية، لأن واحدًا من الأمور الأساسية المطلوبة من قبل (FATF)، هو خفض التعامل بالكاش. وهذا ما نعمل عليه، ونأمل بإنجازه بالكامل بعد الانتهاء من قانون الفجوة المالية، لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، والانتهاء من أزمة الاقتصاد النقدي.
ويلفت جابر إلى أن مسائل مهمة جدًا تم إقرارها في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، من ضمنها التسوية التي أنجزت مع المقاولين لإنهاء هذه المشكلة العالقة منذ الانهيار. وقد تم إقرار دفع المبالغ المستحقة على أساس سعر الدولار الحالي (89.500 ليرة)، لكنها مقسمة على عشر سنوات، وبالتالي لن تكون هناك مشكلة في أي تضخم قد يصيب الكتلة النقدية بالليرة ويؤثر على سعر الصرف. وفي المقابل، ستسمح هذه التسوية بزيادة مدروسة لحجم الكتلة النقدية، لأن السوق يحتاج حاليًا إلى زيادة حجم السيولة بالليرة بسبب الشح القائم، والذي أدّى إلى ارتفاع الفوائد على الليرة بين المصارف. كما أن هذه التسوية ستُعيد تحريك وإنجاز المشاريع التي كانت مُجمّدة.