أخيراً استقرت الشعلة الأولمبية في باريس بعدما جابت العالم، إيذاناً باستضافة العاصمة الفرنسية لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية من 26 تموز الحالي حتى 11 آب المقبل. تحدياتٌ كثيرة تنتظر فرنسا المصرّة على تقديم الكثير من الجديد رغم كل الأزمات التي تعصف بها
العديد من العناوين يمكن وضعها لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية – باريس 2024، أوّلها «المساواة»، فهي أول دورة ألعاب أولمبية وبارالمبية متساوية بين الجنسين.الواضح أن باريس أرادت تقديم الجديد وترك أثرٍ في الحركة الأولمبية بعد 100 عام على استضافتها للمرة الأخيرة للأولمبياد، فكان الإصرار على تسجيل عددٍ من النساء مساوٍ لعدد الرجال المسجّلين، في إشارةٍ أيضاً إلى دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في باريس عام 1900، وهي الأولى في تاريخ الحركة الأولمبية التي تمت دعوة النساء للمشاركة فيها حيث حضرت 22 سيّدة من أصل 997 مشاركاً عامذاك.
أما العنوان الثاني فهو ما يمكن تسميته بـ «الحياة الثانية» من خلال تنظيم حدثٍ عالمي ببيئة نظيفة، حيث تسعى فرنسا إلى تحقيق أهداف اتفاق باريس 2016 ومعالجة القضايا البيئية في هذا العصر.
هنا سيكون تطبيق الاستدامة حاضراً في البنى التحتية المؤقتة، القرية الأولمبية والبارالمبية التي ستضع أسس مدينة الغد: صفر نفايات وصفر بلاستيك، وذلك عبر استخدام مواد صناعية لمرةٍ واحدة خلال الحدث.
الواضح أن باريس تضع الألعاب في عصرٍ جديد مع التركيز على المشاركة والشمول والتنمية المستدامة.
أكثر من مليار لتنظيف السين
هي مسائل وشعارات يأمل الفرنسيون أن تعيد تشكيل المدينة لسنوات مقبلة من خلال الألعاب، تماماً كما حصل في لندن عام 2012. فمنذ عام 2017، عندما فازت باريس باستضافة الألعاب الأولمبية والبارالمبية، ساد شعور الانتصار في المدينة التي حاولت استضافة الألعاب ثلاث مرات على مدار 25 عاماً، لكنها فشلت في تلك المحاولات.
من هنا، وفي أعقاب الهجمات الإرهابية عام 2015، لم يكن الفوز بالاستضافة بمثابة انتصار للبلاد فحسب، بل كان بمثابة تجديد الوحدة ومواجهة التحديات وإطلاق خطة تطوير عام ترتبط بالبنى التحتية، والنقل، والفنادق، والتدابير البيئية…
مرت 7 سنوات سريعاً، تكبّدت خلالها باريس مبالغ طائلة، بينها 1.4 مليار يورو من أجل تنظيف نهر السين، إضافةً إلى العمل الحثيث من أجل دمج فرنسا كلّها في العملية من خلال إشراك مدن عدة في استضافة الفعاليات، فألعاب 2024 لن تقام في العاصمة الفرنسية فقط، إذ ستحلّ بطولة كرة القدم مثلاً ضيفةً على بوردو، نانت، ليون، سانت إتيان، نيس ومرسيليا، كما ستقام منافسات القوارب الشراعية في مرسيليا، وستحتضن مدينة ليل بعض الرياضات الجماعية. واللافت كان إشراك إقليم تاهيتي الفرنسي حتى في الاستضافة، حيث ستقام منافسة ركوب الأمواج على موجة تيهوبو الأسطورية لجزيرة المحيط الهادئ، والتي تقع على بعد حوالي 15000كلم من باريس.
قلق حول الوضع الأمني
كل هذا لأن الألعاب تعني لفرنسا تاريخياً، إذ إن فرنسياً هو بيار دو كوبرتان كان المؤسّس للجنة الأولمبية الدولية، التي ترأّسها من عام 1896 حتى عام 1925. وبعد ألعاب أثينا التي كانت الأولى عام 1896 انتقلت الشعلة إلى باريس، وهذا يكفي ليعني الأولمبياد الكثير لفرنسا التي تعتبر نفسها في مكانٍ ما «أمّ الألعاب» ومساهمةً أساسية في ولادتها الحديثة.
ولهذه الأسباب مجتمعة تضع فرنسا كل جهودها من أجل إبهار العالم، وتضع ضمن المسائل الأساسية الجانب الأمني الذي لحظه الفرنسيون بشكلٍ كبير ودقيق، فاستعانوا حتى بقواتٍ أمنية من بلدانٍ عربية مثل الإمارات وقطر التي اختبرت استضافة حداثٍ كبيرة أخيراً، أمثال نهائيات كأس العالم 2022 ونهائيات كأس آسيا مطلع السنة الحالية.
التحدي الأمني سيكون حاضراً منذ اليوم الأول، إذ للمرة الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية الصيفية، سيقام حفل الافتتاح خارج أسوار الملعب، بحيث قررت باريس وضع الرياضة في قلب المدينة وتحديداً على طول شريانها أي نهر السين.
الفكرة تتمحور حول إتاحة المشهد الأجمل أمام أكبر جمهور ممكن، في تحدٍّ ذاتي للجنة التنظيمية، ومجالس المدينة، والحكومة الفرنسية، واللجنة الأولمبية الدولية، واللجنة الأولمبية الوطنية.
أما الهدف بحسب المعطيات المتوفّرة فهو تقديم مراسم افتتاح تتّسم بالجرأة والإبداع والأفكار الجديدة، لينضم إلى أكثر اللحظات الخالدة في تاريخ الألعاب.