الدروز بين السلطة والنظام.. المرجع الروحي الشيخ أمين الصايغ أشار فأنار – بقلم مفيد سرحال
لست مشدودا بالغريزة العصبية المقفلة لمنهج التقفيص الطائفي…وبالتأكيد لست طائفيا متزمتا وأمقت في الوقت عينه النزق الطائفي المعلن والمستبطن
لكني في الوقت عينه اعتز بالمعروفيين اهلي وعشيرتي ، العرب اﻻقحاح ، وافخر بتاريخهم وقادتهم وفرسانهم وابطالهم الغر الميامين ، ومجدهم المكتوب بغضبة السيف،ودرء الحيف ،وصهيل الحرف وصليل العز والمرؤة والشرف…
لقد استوقفني ما جاء على لسان المرجع الروحي لطائفة الموحدين الدروز العلامة الشيخ أبو يوسف امين الصايغ في كلمته للموحدين الدروز لمناسبة عيد الأضحى المبارك عندما تطرق إلى مسألة حساسة ودقيقة تتعلق بموقع الدروز في الوطن ونظامه السياسي، كما رفضه العزلة والانعزال.. وما قاله حرفيا : ((لن يكون تقدم نحو المستقبل الا اذا عرفنا حقيقة الجذور وكيف وصلنا إلى ما نحن عليه.فحقيقة جذورنا هوية صاغها السلف بأسمى القيم التوحيدية والإنسانية.وهي هوية منفتحة على الهويات الأخرى المكونة للوطن،وليست منعزلة او متباينة .واذا أردنا ان نحسن من موقعنا في الوطن وفي نظامه (وهذا حقكم) فإن هويتنا تقول ان ذلك يتحقق عن طريق الاندماج في الاجتماع الوطني العام والاجتماع العربي العام وليس عبر المشاريع الخاصة والتمايز عن ابناء الوطن ))
ولأن الدروز صاغوا فكرة هذا اللبنان القلب مُجسَّدا بالجبل عبر معادلة السَّد والصَّد لثغر وغازٍ دفاعا عن الداخل العربي فاعطي لهم مجد الريادة والقيادة على تلك الربوع التي احتضنت بذرة وفكرة اﻻستقلال والتي استكملت بتجميع اﻻطراف وكان لبنان على ماهو عليه لوحة انسانية متكاملة.
وﻻن الجغرافيا ﻻتستشير احدا ويضفي التاريخ عليها طيف الماضي وتتسع في مدى الحاضر هيبة ووقارا ومكانة تُستولد فكرة (الذات القلب) دون قلبٍ للمعادﻻت او تسخيف للكرامات وتحجيم وتقزيم للدور في النظام السائد..
وﻻن الديمغرافيا تتواءم والجغرافيا وتأخذ شكلها سواء ضمرت او تقلصت فيبقى الدور جزءا من معادلة ثابتة غير خاضعة للاختزال في السياسة والرياسة..
لذا فان فرضية التمشيخ على مجلس طائفي تبقى تفصيلا ﻻ يعبأ له الدروز في نظام طائفي مختل معتل،نظام العلل والملل ،واكبر مطامح الدروز دولة مدنية ديمقراطية تقوم على القانون وحق المواطن ﻻ الجماعة وهذا لعمري ماقصده المرجع الصايغ الذي صاغ رؤية وطنية لا طائفية للمستقبل تجعل من الدروز الى جانب دورهم التأسيسي للكيان شركاء حقيقيين في النظام السياسي الذي جار عليهم من خلال منطوق الطائف وحشرهم في مجلس شيوخ على قارعة الاصلاحات غير مضمون في النصوص وتتربصه النفوس!!؟؟ وبالتالي ان غرق الدروز في السلطة ووزاراتها الغير سيادية في تصنيف أقرب إلى التمييز العنصري وهجر النظام لا بل تهجيرهم من مرتكزات النظام بصورة تعسفية لا تخلو من القسر والقهر أسهم عمليا بتقليص دورهم في سلطة فقدوا لتاريخه من حصصهم العديد من الوظائف المفصلية على ذمة احصائيات اعدتها نخب درزية متابعة ومتتبعة لهذا النكوص السلطوي المتناسل والحبل للأسف على الجرار وهذه الحقوق شكلت لعقود رصيدا متراكما لحضورهم في قلب النظام ووزاراته السيادية قبل أن يبدد الطائف الكثير من حقوق الدروز بقوة النص والاجراءت التنفيذية ومعادلات موازين القوى المستجدة .
بالطبع لن يطوف الدروز حول الطائف بكاء وسخطا وقدحا وذما فالطائف محطة ارتضاها اللبنانيون والدروز من بينهم لوقف لغة المدفع والطائف صار دستورا يحكم حياتنا السياسية والدستورية وبالطبع ليس منزلا او مقدسا لكن بالحد الأدنى وانسجاما مع مندرجاته ينتظر الإصلاحات المرجوة.
تلك الإصلاحات التي يتعاطى معها اقطاب السياسة من منظور المحامي بمعنى تحقيق المكتسبات وتسجيل نقاط الربح،والاصلاحات تعني العدل السياسي والحقوقي والكفاءة التي تُشَرِّف المكونات بحيث تقدم خيرة نخبها للمراكز والمناصب فترتقي ويرتقي معها الوطن والدروز بهذا المعنى كالدر المكنون يختزنون مهارات عالية الكفاءة والمكانة العلمية في شتى المجالات .
ان اكثر ما يريح الدروز عروبة تتجلى فكرا وسلوكا في وطن نهائي تسقط فيه المفاضلات والتمايزات بكل اشكالها ..
الدروز بهذا المعنى درة التاج الوطني..ليسوا عددا ونموذجا طائفيا مقفلا متكورا على الذات…
الدروز مدد وسند وعضد وساعد مفتول دفاعا عن لبنان السيد العربي الحر العزيز المستقل..
الدروز شيوخ المجالس التي تشع فضائل وقيم روحية وانسانية ومواريث ادبية واخلاقية تنبذ كل شوائب الحياة الدنيا المغمورة بلوثة اﻻنا والبغض والتعصب ونبذ اﻻخر والجشع والسيطرة والتعدي..
بالتالي مجلس الشيوخ لم يكن هاجسا يؤرق الدروز ولن يكون ..
مبتغى ومشتهى ومطمح الدروز كما كل العائلات الروحية قيام وطن العدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص … اما إنقاص وزن الدروز المعنوي ووسمهم بنقيصة العدد المتناقص ليس اﻻ قنصا للطائف قبل غيره الذي قام على فلسفة وقف العد. وعلى النخب الدرزية في كل المواقع ومن كل الاتجاهات والمشارب السياسية رفض فكرة التقفيص العددي والاستجابة المتسرعة لمنطق النأي بالنفس هجرة وتهجيرا والنفور والانكفاء الطوعي والقنوط من سائد عقيم تحت أي ظرف وعنوان ليلاقيهم اخوانهم في الوطن من كل العائلات الروحية باسقاط هذا الفرز الرقمي المقيت الذي يستهدف الجميع عبر تعزيز حاد ونافرللخصوصيات فيما طموحنا جميعا العدد واحد اي لبنان واحد موحد ﻻ لبنانات وفيدراليات وتقسيمات وتسوده بالطبع المساواة في الحقوق والواجبات اي المواطنة بكل تجلياتها ….
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.