أعطى محافظ بيروت القاضي مروان عبود موافقةً لمقهيَين في بدارو والجميزة على التمدّد من الأرصفة إلى جوانب الطريق العام وتثبيت طاولات للزبائن عليها، ما يفتح باباً جديداً للمخالفات، والرشى للتغطية عليها، كما في ملف إشغال الأرصفة
«بيع الزفت» هو آخر «الأفكار الخلّاقة» التي تشرعن استباحة الملك العام بغطاء من «المؤتمنين» عليه. «الخدمة» الجديدة تتيحها بلدية بيروت وبدأ تنفيذها بالفعل، وتستكمل استباحة المقاهي وأصحاب المحال التجارية والبسطات للأرصفة وتحويلها إلى «ملكيات خاصة»، عبر إتاحة الفرصة لهؤلاء للتمدد من الأرصفة إلى جوانب الطرقات نفسها، من دون أدنى اعتبار لسلامة المشاة الذين بات عليهم إما تعلّم «الطيران» وإما التنقّل بمركبات فضائية أو أن «يهجّوا» بعيداً! حماسة شديدة للمشروع يبديها محافظ بيروت القاضي مروان عبود الذي أعطى أخيراً موافقتين لمطعمين في منطقتي بدارو والجميزة لتثبيت طاولات على جانب الطريق العام، رغم اعتراضات أهالي المنطقتين الذين يشكون أساساً من استحالة تأمين أماكن لسياراتهم بعدما استولى معظم أصحاب المقاهي على جوانب الطرقات عبر تثبيت أحواضٍ بلاستيكيّة أو بواسطة «جيش» الـ«فاليه باركينغ»، ما يضطرّ سكان هذه المناطق إلى ركن سياراتهم على بعد مئات الأمتار من بيوتهم وتعريضها للسرقة.
عبود: الفكرة قابلة للحياة
يبدو المحافظ مُقتنعاً تماماً بفكرة إشغال جوانب الطرقات بعدما رُفع إليه الطلبان من دائرة الهندسة في البلديّة، مشيراً إلى أنّ «لهذا الإشغال مردوداً كبيراً على صندوق البلديّة في ظلّ العجز المالي وارتفاع نفقاتها مقارنةً بمداخيلها، وخصوصاً بعد تراجع أعمال البناء التي كانت رخصها تدرّ عائدات ضخمة». ويدافع عبود عن فكرة تثبيت الطاولات على جوانب الطرقات في بعض المناطق «إذا كانت لا تؤثر على شروط السلامة العامّة التي نتمسّك بها مع إعطاء الأولويّة للمشاة». ولفت المحافظ إلى أنّ الفكرة «معمول بها في كثير من المناطق السياحيّة في عدد من الدول الأوروبيّة»، مؤكداً في المقابل تفهّمه للاعتراضات عليها. لذلك، يقول لـ«الأخبار»، إن «الفكرة لا تزال قيْد التجربة ولن تُعمّم إلا بعد التأكّد من كلّ جوانبها وإمكانيّة تعديلها أو إدخال بعض الضوابط عليها». وأوضح أنه في صدد الطلب من دائرة الهندسة إعادة تقييمها ورفع دراسة جديدة كي «نحقّق التوازن بين الحفاظ على الحركة التجاريّة وتحسين الاقتصاد، وفي الوقت عينه مصلحة السكّان وسلامتهم».
في المقابل، يردّ سكان في المنطقتين على «التجربة الأوروبية» التي يسوّق لها عبود بأن «الفكرة لا يُعمل بها في أوروبا في المناطق السكنية حيث تؤمّن البلديات مواقف للسكان بأسعار رمزية، وتمنع أساساً إقامة الملاهي والمطاعم والمقاهي داخل مثل هذه المناطق».
فعلياً، لم تنل «الخدمة» موافقة المجلس البلدي باعتبار أنّ الموافقات والسلطة التنفيذية بيد المحافظ. ويلفت أعضاء بلديون إلى كتاب وجّهه المجلس إلى المحافظ فور تسلّم رئيس البلديّة عبد الله درويش مهماته السنة الماضية، طالبوا فيه بضرورة «التزام كلّ طالبي إشغال الأملاك العامّة (الأرصفة) بترك ممرّ بعرض 80 سنتمتراً للمشاة والذي يُحتسب من شعيرة الرصيف»، وبـ«عدم السماح لهؤلاء بوضع حوض متحرّك ضمن المساحة المرخّص بإشغالها»، و«عدم تجديد التراخيص الممنوحة بإشغال أملاك عامّة لمن يُخالف الشروط المفروضة، ولا سيّما تلك المتعلّقة بترك الممرّ الإلزامي للمشاة أو إشغال مساحة تتجاوز تلك المسموح له بها بموجب الترخيص واتخاذ كل الإجراءات القانونيّة بهذا الخصوص بما فيها تغريم المخالفين».
مروان عبّود: إشغال جوانب الطرق يدرّ عائدات على خزينة البلدية في ظلّ العجز الذي تمرّ به
ما الذي حدث بعد توجيه الكتاب؟ «لا شيء» يقول أحد الأعضاء، مشيراً إلى استمرار المخالفات على ما هي عليه وتلكّؤ حرس البلديّة في قمعها، مشيراً إلى أن الكتاب «نام نومة أهل الكهف» في الأدراج، واختبأ المسؤولون عن مراقبة هذه المخالفات وراء مقولة «خلّي العالم تسترزق»، بعيداً عن مفاهيم الأملاك العامّة والمصلحة العامّة، قبل أن تأتي «الفكرة» الأخيرة تحت شعار «زيادة عائدات البلدية». وهنا، يلفت أكثر من عضو بلدي إلى الفساد المُستشري في البلديّة والذي يُضيّع الكثير من المداخيل على صناديقها ويعرّضها للعجز المالي، «كتقاضي مراقبين وبعض عناصر الحرس رشى شهريّة لتسهيل إنشاء المخالفات والتستّر على المخالفين بدل رفد ماليّة البلديّة بتغريمهم». ويستغرب هؤلاء كيف أن المسؤولين، «العاجزين عن إقفال مزاريب الهدر هذه بسبب الحمايات الممنوحة للمخالفين من مرجعياتهم السياسية، يفتحون مزراباً جديداً»، إذ إنّ إعطاء موافقات لأصحاب المقاهي والحانات للإشغال سيكون باباً جديداً للرشى والهدر عبر التغطية على المُخالفات والعشوائيّة في إعطاء الموافقات، تماماً كما يحصل بموضوع إشغال الأرصفة»! وهو ما لا ينكره محافظ بيروت على أية حال، مقرّاً بوجود «جيوب» من الفساد في البلديّة وتستّر على المخالفات، ومؤكّداً أنّه يُحاول قمع هذا الفساد بـ«التشدّد الإداري، لكن لا يُمكنني أن أنزل بنفسي إلى الشوارع لقمع المخالفات».