اقتصادالرئيسية

وزير المال يتفرّج على تراكم أرباح الشركات المستوردة للنفط

ماهر سلامة - الاخبار

تطرأ تغيّرات واسعة على استهلاك المشتقات النفطية في السنوات الخمس الأخيرة. حجم الاستهلاك قبل الأزمة يكاد يكون موازياً لما بعدها. ففي عام 2019 استورد لبنان 4.16 ملايين طن من المشتقات، وفي عام 2023 استورد نحو 4.12 ملايين طن. الفروقات قد تظهر في التمييز بين فئات الاستهلاك، أي ارتفاع استهلاك المازوت مقابل تراجع في استهلاك البنزين والغاز وكاز الطيران.سبب ذلك يعود إلى انحرافات في عادات الاستهلاك وفي حدّة الحاجة الفعلية، ناتجة من مفاعيل الأزمة. إذ إنه في ظل تدنّي التغذية بالكهرباء من مؤسّسة كهرباء لبنان، ازداد الاعتماد على مولّدات الأحياء التي تدور بواسطة المازوت، بينما انخفض الطلب على البنزين للتنقّل بسبب التدهور الحاد في القوّة الشرائية. اللافت في كل ذلك، أن الشركات قرّرت تصعيد خطواتها نحو الامتناع عن تسليم الكميات في السوق، يوم فرض عليها مجلس النواب تسديد ضريبة إضافية كونها مستفيدة من مبيعات مدعومة الكلفة. لا ترى هذه الشركات مانعاً في أن تحقّق الأرباح على ظهر الدعم، بينما كان يجب أن تنخفض مبيعاتها انسجاماً مع مفاعيل الأزمة، إذ إنها تحظى بحماية واسعة النطاق من أبرزها أن وزير المال يوسف الخليل يماطل في اتجاه إصدار مذكرة تطبيقية لقانون الموازنة الذي يفرض على الشركات تسديد ضريبة إضافية.

أظهر استهلاك المشتقات النفطية في السوق المحلية مرونة ضعيفة خلال سنوات الأزمة. يعود ذلك، أساساً، إلى دعم استيراد هذه المشتقات من خلال تمويلها بدولارات مصرف لبنان وفق سعر صرف يبلغ 1507.5 ليرة مقابل الدولار الواحد. ففي 30 أيلول 2019، أي في بداية انهيار النقد اللبناني الذي كان مثبتاً تجاه الدولار منذ 1998، أصدر مصرف لبنان تعميماً بتعلق بـ«الاعتمادات المستندية»، كان بمثابة الإشارة الأولى عن هذا الانهيار، كونه يضمن تمويل استيراد سلّة من السلع التي تعدّ أساسية بدولارات منه يدفع ثمنها وفق سعر صرف يبلغ 1507.5 ليرة مقابل الدولار. كانت المشتقات النفطية أساسية في هذا التعميم الذي أبقى أسعارها بعيدة نسبياً عن تقلّبات سعر الصرف. وانعكس هذا القرار استقراراً في حجم الاستيراد، ولا سيما في الفترة الأولى على تطبيقه. لكن تطبيق سياسة الدعم المباشر لأسعار السلع في ظل فوضى الرقابة، وتعدّد قنوات التوزيع، والفروقات الكبيرة في سعر المبيع بين لبنان وسوريا، خلق بيئة مؤاتية لأمرين: التخزين والتهريب عبر الحدود. وقد ظهر هذا الأمر بوضوح في زيادة حجم الاستيراد في 2021 إلى 4.68 ملايين طن. ثم زادت حدّة الأمر مع الارتفاع شبه اليومي في سعر الدولار مقابل الليرة بما أدّى إلى زيادة في أرباح التخزين والتهريب إلى الخارج، وهو الأمر الذي زاد من الطلب على المحروقات ورفع حجم استيرادها.

 

كان مصرف لبنان يقنّن الاستيراد بطرق ملتوية، كونه تورّط في عملية التمويل بسعر صرف أدنى من سعر السوق بكثير، وبات صعباً الخروج منها من دون أضرار سياسية واجتماعية ستصيب الحاكم رياض سلامة وفريقه وكل مسؤول في السلطة السياسية، ولا سيما أنه في ذلك الوقت كانت تداعيات حراك 17 تشرين الأولى ما زالت حاضرة في الشارع، وكان المصرف المركزي وأركان السلطة محطّ انتقادات وهجومات شعبية متقطعة. أيّ خطوة في اتجاه رفع الدعم بالتوازي مع ارتفاع سعر الصرف، كانت تعدّ بمثابة انتحار سياسي.
استمرّ هذا الأمر لغاية صيف عام 2021. عمد سلامة إلى تقنين الاستيراد حتى بات الحصول على البنزين أو المازوت مهمة يومية وشاقة. والحاجة إلى هذه المواد كانت ضرورية من أجل التنقل ومن أجل الكهرباء. هكذا جرى التمهيد لرفع الدعم عن المحروقات. وهو ما أسهم في ارتفاع أسعار المحروقات بشكل كبير بالعملة المحلية من جهة، وفي ارتفاع سعر الصرف من جهة ثانية بسبب الضغط الزائد على الكتلة النقدية بالدولار المتاحة في السوق، بعدما توقف مصرف لبنان عن تزويد مستوردي المحروقات بالدولارات لاستيرادها. هذا الارتفاع أسهم في توقّف حركة التهريب، التي رفعت حجم الطلب سابقاً، وذلك بسبب اختفاء الفوارق بين أسعار المحروقات في الداخل وأسعارها في الدول المجاورة، كما انخفض الطلب الفردي على المحروقات بسبب ارتفاع سعره مقارنة بالقدرة الشرائية المتراجعة للأسر اللبنانية. وهذا الأمر أسهم في انخفاض حجم استيراد المحروقات في السنوات التالية، حيث استقرّ في عام 2021 و2022 على نحو 4.3 ملايين طن في السنتين. حتى إنه في عام 2023 انخفض حجم الاستيراد إلى نحو 4.1 ملايين طن.

خلال سنوات الدعم، كان لافتاً التغيّر في الحصص السوقية. بعض الشركات، ولا سيما الأجنبية قرّرت أن تخفّف مخاطرها في السوق المحلية مثل «توتال» التي قلّصت الاستيراد الذي يعتمد على رأس المال. فالشحنات المستوردة تتطلّب تسديد الثمن، أو ضمانة الثمن، قبل وصول الشحنة إلى المرفأ وتفريغها وتوزيع الكميات. في المقابل، زادت الحصص السوقية لشركات أخرى مثل شركة مجموعة «كورال – ليكويغاز» التي تصدّرت المبيعات، وفق ما تظهر أرقام وزارة الطاقة والمياه. وفي المحصّلة، تغيّرت هيكلية مستوردي المحروقات في لبنان، إذ أصبحت أكثر تركّزاً عند كبار الشركات، فيما كان دور الدولة يختفي في الاستيراد، وهو ما كانت تقوم به منشآت النفط في لبنان. ففي عام 2019، كان أكبر مستورد للمحروقات هو شركة «يونيترمينلز» التي استحوذت على 18% من سوق مبيعات المشتقات النفطية. وفي تلك الفترة، كانت شركتا «كورال» و«ليكويغاز» هما في المركز الثاني بحصّة سوقية مجتمعة بلغت 15%، وبعدهما مجموعة «كوجيكو» التي بلغت حصتها 14%. وقد بلغ حجم استيراد منشآت النفط نحو 14% من السوق، وهي حصّة منافسة للقطاع الخاص. لكن خلال الأزمة، استحوذت شركتا كورال وليكويغاز على حصّة أكبر في السوق، حيث أصبحتا أكبر مستورد للمحروقات بنحو 26% من السوق، وأصبحت شركة «يونيترمينلز» في المركز الثاني بحصة سوقية بلغت نحو 16%، فيما بقيت مجموعة «كوجيكو» في المركز الثالث بحصة سوقية بلغت 12%. أما منشآت النفط، فانخفض حجم حصتها بشكل كبير جداً حتى بلغت نحو 3% وهو ما أضعف دور الدولة في هذا السوق.

وزير المال يتفرّج على تراكم الأرباح؟
دارت معركة كبيرة حول المادة 94 من قانون موازنة 2024 التي أقرّت بعنوان «إخضاع المبالغ الناتجة من سياسة الدعم التي اعتمدها مصرف لبنان لضريبة استثنائية»، إذ تنصّ هذه المادة على أنه «خلافاً لأي نصّ آخر، تخضع المؤسسات والشركات التي استفادت من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان لتغطية فروقات سعر صرف الدولار، لضريبة استثنائية إضافية مقدارها 10% على المبلغ الذي يفوق العشرة آلاف دولار، وتحدّد دقائق تطبيقها بقرار يصدر عن وزير المالية».

اللافت، أن مجلس شورى الدولة لم يلغ هذه المادة التي قدّمت فيها كتلة «القوات» النيابية طعناً، وبالتالي بات لزاماً على وزير المال يوسف الخليل أن يصدر قرار التطبيق ويحدّد آلياته من أجل استيفاء الـ 10% التي نصّ عليها القانون، وهو ما يثير تساؤلاً عن مدى التواطؤ مع الشركات المستوردة التي هدّدت في وقت سابق بالامتناع عن توزيع الكميات في السوق. وهذه الشركات هي عبارة عن كارتيل يتحكّم بالاستيراد، وقد استفاد على مدى 30 سنة مضت من أرباح مضمونة بثبات سعر الصرف وبربح رسمي نسبته 5% يأتي بعد احتساب سعر الاستيراد وكل الرسوم والضرائب بما فيها القيمة المضافة وسائر الأكلاف.
وفي سنوات الأزمة، أي حين كانت أسعار المشتقات النفطية مدعومة، وحين تحرّرت بالدولار الأميركي النقدي، يقدّر أن قيمة واردات المشتقات النفطية التي استوردها أعضاء الكارتيل بلغت 12.4 مليار دولار، عليها أرباح تفوق 600 مليون دولار، وفق تقديرات متحفّظة، علماً أن هذا الرقم لا يشمل أرباح الشركات من ملكياتهم في شركات التوزيع ومن مبيعات محطات المحروقات التي يملكون أكثر من 60% منها، ولا يشمل أيضاً عمليات التلاعب التي تتعلق بالفروقات في تسعير النفط يوم التحميل والشحن والتفريغ وغير ذلك من الثغرات في جدول تركيب الأسعار التي تتيح لهم تهريب الأرباح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى