مجتمع ومنوعات

القضاء على ظاهرة الخيانة يبدأ من الإعتراف بوجودها

ختمت المقال السابق بالتوجه بالسؤال إلى الأصدقاء والمتابعين الذين أتشرف بصداقتهم وأنهل من علومهم وثقافتهم الزاخرة .. حيث كان سؤال ” الطالب المستفيد ” ووصلتني ردوداً كثيرة خصوصاً على برنامج الواتساب حيث كانت الردود تؤكد لي المؤكد ، وكانت عامة طروحاتهم تحمل غاية مقدسة هي التكاتف والتساند والترابط مع كل من يجاهد أعداء الله والوطن من الخونة العملاء المأجورين المرتزقة وحيث كان سؤالي ما يلي : ” لماذا يخون البعض أوطانهم ؟!..”
وبعد البحث والتمحيص وضمن قراءتي المتواضعة والتي أقول فيها دائماً انني مقتدي بأبقراط الحكيم الذي قال مقولته المشهورة : ” ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم” ..
قد تكون هناك إجابات متعددة منها : أن حالة الإستعمار التي مرت بها بعض المجتمعات العربية وخصوصاً الوطن سورية خلفت وراءها أتباعاً ومرتزقة وعملاء جعلت من ولاءاتهم خارجية ؛ أو أن حالة الضعف الفكري الذي تعيشه المجتمعات جعلت البعض يتأثر بالأفكار والإيديولوجيات الأجنبية التي أثرت بتوجهاتهم وقادت ولاءاتهم السياسية ليكونوا تبعاً للخارج ، أو أن حالة الوهن في بعض المجتمعات جعلت البعض يتطلع لنماذج خارجية أكثر تقدماً وتطوراً مما أثر بولاءاتهم السياسية ليكونوا تبعاً للخارج ، أو أن حالة الانقسام السياسي والمذهبي والاجتماعي الطائفي المقيت جعلت البعض يتطلع للدعم الخارجي بهدف الحصول على مزيد من المكاسب في الداخل مما قادهم لتكون ولاءاتهم للخارج …
“وهذا السبب الأهم والرئيسي أعتبره الذي كانت نتائجه الحرب الإرهابية على وطننا الغالي سورية .. ” واستغلت ذلك المخابرات المعادية واخترقت المجتمع السوري بالأفكار الدينية والطائفية وجعلت غالب الطوائف وبعض من المجتمع الذي يظن نفسه أنه قومية يبحثون عن مصالحهم الذاتية .. وزرعت بهم إحساس المظلومية وإنهم محرومين من حقوقهم ، وأنها مستهدفين خصوصاً دون سواهم من كامل محيطهم المجتمعي و و و ..
وقد تكون هناك أسباب ومسببات أخرى ، ولكن يبدو أن كل تلك الأسباب ليس من بينها السبب الرئيسي والأهم لظاهرة الخيانة لأنه في كل تلك الأسباب يسهل انكشاف أصحابها ، ويقل عدد أتباعها ، وتختفي مع الزمن باختفاء تلك النماذج التي تؤثر في التوجه والولاء.
ومع أهمية ووجاهة البحث في تلك الأسباب ، فإنه يبدو أن السبب الرئيسي والأهم لظاهرة الخيانة لدى البعض يتمثل في تساهل النظام السياسي أمنياً مع أصحاب التوجهات الفكرية المنحرفة والمُضللة ، وتقريبها لذوي الطروحات الأيديولوجية الاقصائية ، وتصدير الجهلاء من أصحاب الخطابات العاطفية والشعارات الدينية للعامة ، والصمت عن دعاة الإعجاب بالنماذج والقيادات الأجنبية المعادية ، وتسخير وسائل إعلامها لظهور السطحيين من المتلبسين بلباس الدين ، حتى أصبح هؤلاء جميعهم يشعرون أنهم أهم فئة من فئات المجتمع ، وأنهم سبب بقاء واستقرار النظام السياسي ، وبأنهم أهل للسلطة وأولى من غيرهم.
ولأنهم آمنوا بكل ذلك وبأنهم الأفضل ، أصبحوا يتطلعون للوصول للسلطة بأي طريقة وشكل ، ومنها الاستعانة بالخارج في خيانة مباشرة للوطن والمجتمع.

وفي الختام : من الأهمية القول إن القضاء على ظاهرة الخيانة في الوطن يتطلب عملاً جباراً من النظام السياسي يبدأ من الإعتراف بوجودها ، وينتهي بمعالجة الأسباب المؤدية لوجودها كظاهرة في الوطن دون غيره من الأوطان والمجتمعات ؛ وكل ذلك سهل وممكن إن تمت الاستعانة حقيقةً بأصحاب التخصصات العلمية والفكر البناء والخبرة العملية كل في مجاله ، وهم كثر على امتداد الوطن.
فالخيانة سلوك خطير جداً يفتت المجتمع ويزعزع الاستقرار وكل ذلك قد يبدأ بكلمة ، أو نشر إشاعة مُضللة ، أو تسريب معلومة سياسية أو أمنية ، أو إخفاء حقائق ومعلومات عن الجهات الرسمية ، أو التقليل من شأن الوطن ومنجزاته ومكانته ، أو الإساءة لرموز المجتمع والوطن ، أو تسويق لنماذج معادية ، أو تعاطف مع الجماعات والأنظمة والدول المعادية ، أو تعاون مع جهات تستهدف وحدة المجتمع واستقرار الوطن …
وعلى رجال الدين وخصوصاً قادة الرأي منهم ، والوجهاء الأجتماعيين أن يقولوا ويسيروا كما سار بعض علماء الدين حيث قال “لقد ضحيت حتى بآخرتي في سبيل تحقيق سلامة إيمان المجتمع ، فليس في قلبي رغب في الجنة ولا رهب من جهنم ، فليكن سعيد بل ألف سعيد قرباناً ليس في سبيل إيمان المجتمع البالغ عشرون مليونا بل في سبيل إيمان المجتمعات عامة البالغ مئات الملايين .. ولئن ظل قرآننا أو إنجيلنا دون جماعة تحمل رايته على سطح الأرض فلا أرغب حتى في الجنة إذ ستكون هي أيضاً سجناً لي ، وإن رأيت إيمان أمتنا في خير وسلام فإنني أرضى أن أُحرق في لهيب جهنم إذ بينما يحترق جسدي يرفل قلبي في سعادة وسرور.

الفقير لله مجدي نعيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى