لم يجدّد مصرف لبنان مفاعيل التعميم 151 ولم يُصدر أي قرار بشأنه بعد ان انتهى مفعوله في نهاية العام أي منذ أيام قليلة. وليس صدفة أن يترك مصرف لبنان مسألة تسعير الدولار المصرفي من دون تحديد في غياب أي تعميم ناظم له إنما هو قرار متعمّد. فما البديل اليوم عن التعميم 151؟ وعلى أي سعر صرف سيتم إجراء السحوبات المالية من المصارف؟
دولار الـ15000 مستمر
أسئلة عديدة ترافقها تكهّنات من هنا وتوقعات من هناك تتردد على ألسنة المودعين العالقين في زواريب تعاميم مصرف لبنان التي اقتطعت من الودائع ما أمكنها منذ سنوات وحتى اليوم لاسيما منها التعميم 151. ولكن ثمة آمالاً ترتبط بوقف العمل بالتعميم المذكور وإعفاء الودائع من الإقتطاعات المفروضة عليها بموجبه.
مصرف لبنان لم يجدّد التعميم 151 ولم يمدّده، لكن ذلك لا يعني أن عملية سحب الدولارات وفق سعر صرف 15 ألف ليرة قد توقفّت. فالمصارف لا تزال تسعّر دولارات الودائع حتى اللحظة بـ15 ألف ليرة والسبب يعود إلى كون مصرف لبنان والمصارف سيستمرون باعتماد هذا السعر باعتباره السعر الرسمي للدولار بموجب قانون موازنة العام 2023 الذي تم فيه اعتماد سعر رسمي للصرف عند 15 الف ليرة.
وبحسب مصدر مصرفي مطلع فإنه في حال تنفيذ مصرف لبنان أو المصارف اي عملية سحب او إجراء عمليات مالية فانها ستتم بناء على سعر الصرف الرسمي المحدّد من الدولة اللبنانية أي 15 الف ليرة. من هنا يكون مصرف لبنان قد أبرأ ذمته من التمديد أو التجديد لتعميم يتم من خلاله تذويب الودائع ودفع بالمسؤولية الى جانب الدولة اللبنانية الممثلة بالحكومة التي اعتمدت السعر الرسمي في صلب الموازنة العامة.
بالنتيجة تستمر الودائع المصرفية بالتعرّض لعمليات الإقتطاع او ما يبدو هيركات مقنّع، بحكم الأمر الواقع وبصرف النظر عما إذا كان التعميم 151 معلّقاً أم فاعلاً. فالهيركات قائم إلى حين تعديل سعر الصرف الرسمي المعمول به في القطاع المصرفي.
ماذا بعد 151؟
لا نيّة على المدى المنظور لدى مصرف لبنان بإصدار تعميم جديد يتعلّق بسعر صرف الدولار المصرفي، على ما يؤكد مصدر مصرفي مطلع، فـ”المركزي” قام بما عليه فعله في إطار العمل على توحيد أسعار الصرف كمرحلة أولى ورفع معدّل سعر الصرف المعتمد في منصة صيرفة من 85500 ليرة الى 89500 ليرة ليوازي بذلك سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وعليه يكون مصرف لبنان قد بدأ بتقريب اسعار الصرف من بعضها في ظل تأخر إطلاق منصة بلومبرغ. علماً ان إطلاق هذه المنصة لن يتم قبل اكتمال اصدار القوانين المرافقة لها والمسهّلة لعملها الهادف إلى ضبط ايقاع السوق وحُسن استجابته لتوحيد أسعار صرف الدولار وتداولاته.
أما سعر صرف الدولار المصرفي المحدّد عند 15 الف ليرة فلن يطرأ عليه تغيير قبل أن تبادر الدولة بتهيئة الارضية لاعتماد سعر صرف موحد للدولار أو أقله لاعتماد سعر الصرف الجديد للدولار في الموازنة العامة، حينها يُعمل بسعر الصرف المعتمد في قانون الموازنة والذي يفترض أن يكون منسجماً مع سعر الصرف المعتمد حالياً في منصة صيرفة ولاحقاً في منصة بلومبرغ.
وبحسب المصدر فإن مصرف لبنان لن يرفع سعر الصرف ولن يتدّخل بهذا الأمر بعد اليوم لاسيما في حال اصدرت الدولة القوانين اللازمة لاسيما منها قانون الموازنة العامة وقانون الكابيتال كونترول الذي من شأنه تنظيم آلية السحوبات وقانون اعادة هيكلة المصارف، حينها فقط يكون العمل قد انتظم وعليه تجدد الدولة معدل سعر الصرف الجديد للدولار الذي يفترض العمل به. وعليه يتم اطلاق منصة بلومبرغ التي ستدير عملية التسعير المتحرك، إذ من الممكن ان تقرر الدولة تحديد سعر الصرف عند 89000 ليرة أو غيره فان مصرف لبنان لن يتدخل بقرار التسعير من جديد ولن يتحمل مسؤوليته وقد ترك الامر للدولة.
أما في حالة السيناريو الثاني، أي ما لم تصدر الدولة قانون الموازنة العامة والقوانين الأخرى والتمهيد لتوحيد أسعار الصرف، حينها سيرتبط الموضوع بسعر السوق السوداء وقدرته على الاستقرار، لكن حينها قد لا يتمكن مصرف لبنان من اللحاق به فوراً في حال ارتفاعه. باختصار فإن مصرف لبنان ينتظر تحرك الدولة وهو سيحاول قدر المستطاع الحفاظ على السعر الحالي لكن في حال تحرك صعوداً فإنه من الصعب عليه تغطية الفارق وتحمل الخسارة من احتياطاته بل سيعمد الى اللحاق به.
بالنتيجة، وبصرف النظر عن انتهاء مفاعيل التعميم 151، يستمر المودعون بتكبّد الجزء الأكبر من اموالهم بموجب سعر الصرف المحدد عند 15 الف ليرة. مع الإشارة إلى ان التعميم 151 كان قد صدر في 21 نيسان 2020، حين كان سعر صرف السحوبات 3900 ليرة مقابل الدولار، ثم تم تمديد العمل به مع تغيير سعر الصرف الى ان وصل في شباط من العام 2023 الى سعر 15000 ليرة مقابل الدولار. وتستمر عملية الإقتطاع حالياً من الودائع بنسبة تفوق 85 في المئة على الرغم من طي صفحة التعميم 151.