فكرة الانتحار راودت 16 في المئة من التلامذة في لبنان!
ينتحر في لبنان شخص كل ثلاثة أيام تقريباً ويحاول أحدهم القيام بذلك كل ست ساعات
تقاربت في الآونة الأخيرة حوادث الانتحار في لبنان زمنياً، وقد تجسدت بسقوط متشابه إلى حد ما عن الأسطح والشرفات، واعتبر ذلك محض صدفة أو «قضاء وقدر»، ورصدت في الوقت عينه حالات أخرى اعتبرت انتحاراً إرادياً اختار فيها الشخص المعني الاستسلام لمعاناته عوضاً عن مواجهتها.
وبالتزامن، شهد البلد حوادث انتحار لأشخاص في ريعان شبابهم نجمت في الأغلب عن تعلق أصحابها بتطبيقات في هواتفهم الذكية تحضهم بعد الإدمان عليها على الانتحار، ويعتبر تطبيق «الحوت الأزرق» من أشهرها وقد حصد في مختلف دول العالم، عشرات الضحايا حتى الآن، غالبيتهم من المراهقين، ولن يكون آخرهم ليث الأشرم (١٦ عاماً) الذي يرقد في سريره في مستشفى عين وزين في الشوف بعد أن رمى بنفسه من الطابق الرابع في مبنى يقطنه في منطقة رأس النبع. وفي الفترة عينها لقيت باقة أخرى من الشابات حتفهن لأسباب مختلفة وفي مواقع مختلفة في بيروت والمناطق.
تفيد إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن ما يقارب ٣٠٠ مليون شخص يعانون من الاكتئاب وبالتالي فإنهم يجدون صعوبة في متابعة أعمالهم وواجباتهم اليومية الروتينية بينما يعاني نحو ٢٦٠ مليوناً من التوتر، وهو ما يكلف الاقتصاد العالمي، بحسب المنظمة، نحو تريليون دولار نتيجة لضعف الانتاجية.
وفي لبنان وبحسب منظمة امبرايس للصحة النفسية، فإن نسبة الانتحار من إجمالي عدد السكان تقارب المسجل عالمياً، إلا أن العامل الأكثر إثارة للقلق في الموضوع هو وقوع الشباب في براثن الإحباط واستسلامهم في حين يجهل الأهل والمحيط هذه المعاناة فيكونون في واد آخر بانتظار فرحة الشهادة أو الزواج.
قصة ليث
ما زال ليث يرقد في المستشفى وبقربه أم منهارة يزداد وجعها كلما شاهدت ولدها يتألم. فبعد أن ابتعدت عنه لسنوات نتيجة طلاقها من والده في سوريا وزواجها في لبنان، قرر ليث منذ أشهر معدودة اللحاق بوالدته للعيش معها. زوج والدته احمد نجم سائق تاكسي ورب عائلة، يعمل ليل نهار للحصول على القليل لسد حاجات العائلة، ووضع العائلة المادي لا يسمح بتسديد فواتير الطبابة، علماً أن ليث هو لاجىء سوري في لبنان وقد حصل من الأمم المتحدة على مساعدة قيمتها ١٧ الف دولار للاستشفاء سددت جزءاً من المستحقات، وليث ما زال بحاجة إلى عمليات أخرى.
تقول والدته غادة «وضع ابني الصحي لم يتراجع إلا أنه يحتاج إلى عمليات جديدة في الرأس ناهيك عن الكسور في كافة أنحاء جسده، وكانت مستشفى عين وزين الوحيدة التي استقبلته قبل توافر المبلغ المادي اللازم. ولكن المصاريف تتلاحق وأخشى أن يتأثر علاجه إذا ما عجزنا عن توفير المزيد للعمليات المقبلة».
وتؤكد الوالدة بأنها لم تكن على دراية بالتطبيق الذي استدرج ابنها، إذ أخبرها صديقه بعد وقوع الحادث، ولكنها تنبهت في الأيام الأخيرة إلى تصرفاته المقلقة كالتدلي عن حافة الشرفة وشعوره بالخوف الدائم من البقاء وحيداً، وجنوحه للاستماع الدائم لموسيقى صاخبة كي لا يشعر بالوحدة، وقبل كل هذا كان ليث شاباً لطيفاً وهادئاً ومحبوباً من الجميع ولكنه تحول إلى انسان قلق وعصبي بعد أن وقع تحت سيطرة التطبيق الخطير. وتمنت والدة ليث نشر رقمها الخلوي لمن بإمكانه مساعدتها في دفع تكاليف علاج ابنها الشاب (71523854).
توعية
ميا عطوي معالجة نفسية وأحد مؤسسي جمعية امبرايس للصحة النفسية، تؤكد حساسية الموضوع وأن للعائلة والمحيط والإعلام دوراً مهماً ينبغي القيام به لمساعدة المواطنين عامة والشباب بشكل خاص لحب الحياة والتفاعل بشكل ايجابي مع كل ما يحيط بهم من ضغوط.
وتضيف «خصصنا في الحلة الجديدة لموقع الجمعية الالكتروني نصائح تخص المحيطين بالشخص الذي يبدي رغبة بالانتحار وذلك لمساعدته في تخطي مشاكله، وأطلقنا على الخط الساخن اسم خط الحياة (١٥٦٤) وهناك دورات تدريبية مستمرة للعاملين فيه كي يتمكنوا من تقديم المساعدة للمتصلين، كما نقوم بالتخطيط لدورات خاصة للإعلاميين لمعرفة أصول التداول بموضوع حساس كالانتحار.
نحن هنا لنسمعك
ينتحر في لبنان شخص كل ثلاثة أيام تقريباً، ويحاول أحدهم القيام بذلك كل ست ساعات وبحسب موقع امبرايس فإن ١٦ في المئة من التلامذة في لبنان بين الثانية عشر والرابعة عشر فكروا في لحظة ما من حياتهم بالانتحار، مع الإشارة إلى أن نسبة الذكور هي مرتين أكثر من الإناث.
والموقع الالكتروني مدعوم من البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة وهو يقدم نصائح حول كيفية مساعدة الشخص للتخفيف من معاناته. وعلى الموقع فقرات لعرض تجارب أشخاص نجحوا في مواجهة مشكلاتهم وتخطيها حيث يعمل الخط الساخن (١٥٦٩) على التواصل معهم من خلال الرد من قبل مجموعة من الأشخاص المتدربين لتقديم المساعدة.
ويقدم الموقع نصائح تساعد المتصلين، وبحسب عطوي” المشكلات النفسية باتت اليوم كالمشكلات الصحية قابلة للعلاج، والشخص اليائس يمكن أن يشفى ويتحول إلى شخص آخر مفعم بالحياة. ولكن يبقى ثمة ملامح يمكن رصدها من قبل المحيطين للمساعدة على طرد الأفكار القاتلة وترجيح لغة العقل والرجوع إلى السكينة والأمل، مع التركيز على أهمية اللقاءات الاجتماعية وتوطيد العلاقات الأسرية والتقرب المتواصل بين الأهل وأطفالهم وبخاصة المراهقين».
وختاماً تشدد عطوي على دور العائلة والمدرسة والإعلام لمنع التنمر ونشر مفهوم الصداقة والتواصل الايجابي ومحاربة الانعزال والتقوقع للإفادة من الحياة بحلوها والتعلم من الدروس الصعبة التي قد نمر بها.
كلوديا أبو ضرغم – المستقبل