خاص / حصة رئيس الجمهورية ترجمة فعلية لمقولة “الرئيس القوي”
مداولات الطائف أكدت ضرورة تطمين المسيحيّين بحصّة وزارية وازنة لرئيس الجمهورية تعويضاً عن الصلاحيات
رمزي عبد الخالق
قيل الكثير عن محاضر اجتماعات النواب اللبنانيين في مدينة الطائف السعودية عام 1989، قبل التوصل إلى وثيقة الوفاق الوطني التي تمّ على أساسها إنهاء الحرب الداخلية اللبنانية، والتي تحوّلت في جزء كبير منها إلى بنود دستورية، إلا أنّ معظم الأفرقاء السياسيين يستعيدون ما ورد في تلك المحاضر، وأحياناً يقوّلونها ما لا تقوله، فقط لكي يثبتوا وجهة نظرهم، أو يبرّروا مطالبتهم بهذا المكسب أو ذاك.
الكلمة الفصل في هذا المجال يملكها الرئيس حسين الحسيني، الذي كان رئيساً للمجلس النيابي بين عامي 1984 و 1992، وترأس الجلسات النيابية في الطائف، وكان شريكاً وشاهداً على كلّ المداولات الجانبية، وهو بالتالي يرفض نشر المحاضر لأسباب مجهولة معلومة في آنٍ معاً، حتى أنّ البعض وصل إلى حدّ التشكيك بوجود هذه المحاضر أصلاً!؟
مناسبة هذا الكلام أننا في لبنان اليوم في صدد تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية التي أنتجت موازين قوى جديدة في المشهد السياسي اللبناني، وأعادت الأمور إلى حدّ كبير إلى مرحلة ما قبل العام 2005، حتى لو كانت أوراق التحالفات الداخلية قد اختلطت بعضها بالبعض الآخر، إلا أنّ خيطاً استراتيجياً يعيد عند الحاجة تظهير هذه التحالفات على اصطفافاتها السابقة، أقله لناحية فريق 8 آذار الذي يبقى أكثر تماسكاً خصوصاً أنه ينتمي إلى الخط الرابح والمنتصر على مستوى المنطقة كلها.
بالعودة إلى موضوع الطائف هناك من يقول إنّ المحاضر تتضمّن كلاماً عن ضرورة إعطاء حقيبة المالية للطائفة الشيعية كي يكون لها توقيعها على كلّ المراسيم مثلها مثل الطائفتين المارونية والسنية الممثلتين في رئاستي الجمهورية والحكومة واللتين لكلّ منهما بطبيعة الحال توقيعها على كلّ المراسيم.
وإذا كان هناك مَن ينفي وجود مثل هذا الكلام عن حقيبة المالية في المحاضر، فإنّ موضوعاً آخر على قدر كبير من الأهمية يُقال إنه ورد في المحاضر، هو موضوع الثلث المعطل في الحكومة الذي يجب أن يُعطى لرئيس الجمهورية كبديل عن الصلاحيات الكبيرة والواسعة التي أخذت منه لمصلحة مجلسي النواب والوزراء.
ففي حين كان الدستور السابق ينص على أنّ رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويختار من بينهم رئيساً، أيّ أنّ رئيس الجمهورية كان يتمتع في هذا المجال بـ”صلاحيات ملكية” كما كان يُقال في تلك المرحلة، أما الدستور الجديد المنبثق عن الطائف فقد أخذ من الرئيس هذه الصلاحية وأعطى جزءاً كبيراً منها لمجلس النواب لجهة الاستشارات الإلزامية التي يجب على رئيس الجمهورية الأخذ بنتائجها لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، وأعطى الجزء الآخر لمجلس الوزراء الذي أصبح مجتمعاً يمثل السلطة التنفيذية
وفي هذا السياق يجزم أكثر من نائب ممّن شاركوا في اجتماعات الطائف أنّ المداولات تطرّقت إلى ضمانات يجب أن تُعطى للمسيحيين مقابل موافقتهم على التخلي عن الجزء الأكبر والأهمّ من صلاحيات رئيس الجمهورية، وأبرز هذه الضمانات هو أن يكون لرئيس الجمهورية بشكل دائم ثلث أعضاء مجلس الوزراء زائداً واحداً (أيّ بتعابير هذه الأيام الثلث المعطل أو الضامن)، حتى لا يتحوّل إلى “ملك يملك ولا يحكم” على غرار النظام الملكي الحالي في بريطانيا…
ويقول أحد نواب الطائف لـ “دايلي ليبانون” إنّ هذا الأمر كاد أن يصبح جزءاً من الدستور بناء على مطلب إجماعي من النواب المسيحيين المشاركين، إلا أنّ ضغوطاً من هنا وهناك حالت دون ذلك في حينه، ثمّ أتى التطبيق المنتقص لاتفاق الطائف في مرحلة التسعينات من القرن الماضي، في أكثر من بند دستوري، ليجعل هذا الاتفاق عرضة للتشكيك إلى درجة أنّ البعض لا يتورّع عن القول إنّ اتفاق الطائف لا يمكن تطبيقه من دون وصاية.
إزاء ما تقدّم يمكن القول إنّ حصة رئيس الجمهورية في الحكومة هي حصة شبه دستورية، خاصة إذا كان للرئيس كتلة نيابية وازنة كما هي الحال مع الرئيس ميشال عون الذي يمكنه إذا أضيفت حصته من الوزراء إلى حصة “تكتل لبنان القوي” أن يمتلك الثلث الضامن بكلّ يسر وسهولة، وهذه هي الترجمة الفعلية والعملية لمقولة “الرئيس القوي”.