لا شكّ أن مصرف لبنان نجح في الإختبارات التي واجهها بالمحافظة على الثبات النقدي. واليوم يواجه هذا المصرف ثلاثة تحدّيات تتمثلّ بإرتفاع أسعار الفوائد العالمية، إرتفاع أسعار النفط والعقوبات على حزب الله. فما هي الطرق التي سيستخدمها لتخطّي هذه التحديات؟
صرّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد لقائه رئيس الجمهورية بتاريخ 17 أيار 2018 أن «الليرة اللبنانية مستقرّة ونبحث في السبل الأفضل لمعالجة ارتفاع أسعار الفوائد العالمية وأسعار النفط». هذا التصريح المُقتضب يحوي على كمّ من المعلومات والتحديات التي يواجهها مصرف لبنان في مهمته.
أسعار الفوائد
يعتبر نمو الودائع في المصارف اللبنانية مؤشّرا أساسيا على نجاح السياسة النقدية المُتبعة من قبل مصرف لبنان. وأحد عوامل نجاح إستمرار نمو الودائع في المصارف اللبنانية بقاء سياسة الفائدة التي يتبعها مصرف لبنان والتي تُعتبر أعلى من نظيراتها الأميركية والأوربية ولكنّها أدنى من نظيراتها في الدول التي تتمتّع بنفس التصنيف الإئتماني للبنان.
نظريًا إرتفاع أسعار الفائدة عالميًا يطرح مُشكلة من ناحية أن أي رفع للفوائد في لبنان قد يؤدّي إلى لجم الإستثمارات. إلا أن الحقيقة على الأرض مُختلفة على صعيدين:
أولاً: الإستثمارات ضعيفة في لبنان حتى حين كانت أسعار الفائدة أقلّ من الأن.
ثانياً: إن رفع الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية والتي تُعتبر المحرّك الأساسي للفوائد في العالم نظرًا إلى أنها المركز المالي الأول، لن يتخطّى الواحد إلى الواحد ونصف بالمئة في الأعوام القادمة بحكم أن الإقتصاد الأميركي لم يُظهر عافيته الكاملة حتى الساعة. كما أن إرتفاع أسعار النفط سيُشكّل بدون أدنى شكّ عامل لجم لنمو الإقتصاد الأميركي، وبالتالي فإن مصرف لبنان سيجد نفسه أمام عملية «دوزنة» لأسعار الفائدة ولن يكون هناك ضرورة إلى هزّ الإقتصاد من خلال رفع كبير للفائدة. وتبقى الصعوبة في إيجاد المستوى المناسب.
إرتفاع أسعار النفط
المعروف بالإقتصاد أن إرتفاع أسعار النفط يؤدّي إلى رفع الأسعار وهذا الإرتفاع إذا أصبح مُزمنًا يؤدّي حتمًا إلى رفع التضخمّ. هذا التضخم له مفعولان على الإقتصاد اللبناني في حالته الحالية:
أولاً: هناك حاجة لبعض التضخم من ناحية أنه لا يُمكن الحصول على نمو إقتصادي بدون مستوى تضخم مناسب. وبالنظر إلى التضخم اليوم، نرى أن مستوياته تتحمّل المزيد من التضخم نظرًا إلى أن المستوى الحالي يبقى في حدود الـ 2.5%. وهذا يعني أن نسبة تضخم في حدود الـ 3% هي نسبة مؤاتية للنمو الإقتصادي.
ثانياً: التضخم سيؤدّي إلى ضغوطات على سعر صرف الليرة اللبنانية وهذا يعني أن على مصرف لبنان التدخّل لإمتصاص هذه الضغوطات. إلا أن عملية دوزنة لأسعار الفائدة في لبنان، طبقًا لما ورد أعلاه، ستكون كافية لإمتصاص هذه الضغوطات وبالتالي يبقى على مصرف لبنان إيجاد المستوى الملائم لأسعار الفائدة بشكل يسمح بإمتصاص تأثير رفع الفائدة عالميًا وتأثير إرتفاع أسعار النفط.
العقوبات على «حزب الله»
العقوبات الإقتصادية على حزب الله هي عقوبات سياسية قبل كل شيء وما دام مصرف لبنان مُلتزم تطبيق هذه العقوبات، فلن يكون هناك من تداعيات إقتصادية ومالية. المُشكلة تبقى في عملية التطبيق التي ستؤثر حكمًا على فترة إنجاز العمليات الإقتصادية والمالية كما وعلى تنفيذ مشاريع سيدر 1.
إلا أن الأخطر يبقى في إدخال أسماء جديدة لها وزن إقتصادي ومالي على لائحة العقوبات وهذا الأمر ستكون له تداعيات إقتصادية ومالية حقيقية خصوصًا على صعيد تحاويل المُغتربين ولكن أيضًا التبادل التجاري بين لبنان والعالم.
وهنا يُطرح السؤال عن مدى قدرة مصرف لبنان على مواجهة تداعيات هذه العقوبات؟
إن إلتزام مصرف لبنان تطبيق هذه العقوبات يحمي القطاع المصرفي من دون أدنى شكّ. لكن هذا الأمر غير كاف، ففتح الإعتمادات في المصارف بهدف التجارة الدولية سيكون عرضة لتدقيق كبير من قبل الولايات المُتحدة الأميركية، إلا إذا أخذ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على عاتقه هذه المُهمّة نظرًا إلى ثقة المجتمع الدولي به. أيضًا هناك تدقيق على التحاويل من الخارج إلى لبنان، وهذا الأمر سيطال تحاويل المُغتربين. وهنا قد يكون لمصرف لبنان دورّ على هذا الصعيد من ناحية تسهيل هذه التحاويل.
لذا وبإعتقادنا بإستطاعة مصرف لبنان إمتصاص مفاعيل آلية التطبيق الأميركية ولكنّها تتطلّب آلية واضحة من قبل مصرف لبنان ويُلزم بها المصارف التجارية.
إن التحدّيات الآنفة الذكر هي تحدّيات لا تخصّ مصرف لبنان وحده بل أيضًا تخصّ الحكومة اللبنانية، لذا على هذه الأخيرة أن تعمد إلى تنفيذ إجرائين أساسيين:
أولاً: مساعدة مصرف لبنان في الشق الإقتصادي من خلال البدء بالإصلاحات الإقتصادية والمالية والتي ستُساعد مصرف لبنان في سياسته النقدية التي تخدم الإقتصاد اللبناني.
ثانياً: إعفاء مصرف لبنان من الشق السياسي للعقوبات على حزب الله من خلال أخذ هذا الشق على عاتق الحكومة نظرًا إلى أن مصرف لبنان هو قبل كل شيء مؤسسة تجارية وليس مؤسسة سياسية.
بروفسور جاسم عجاقة – الجمهورية