اخبار محليةالرئيسية

سعد الحريري 2018: “انقلاب” أم “إعادة تموضع”؟!

"الانقلاب الحريري" غير وارد في المرحلة الحالية والرجل على أعتاب إعادة تكليفه رئاسة الحكومة

مفاجئة لكثيرين أتت خطوات رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ المتسارعة خلال الأيام الماضية، ليس فقط لكونها أتت تحت عنوان “المحاسبة” على “الخلل” الذي حصل في ​الانتخابات النيابية​، قبل أن يجفّ حبر “إعلان النصر” فيها من الحريري شخصياً، ولكن قبل ذلك لكونها بدت في مكانٍ ما مبالَغاً بها، على اعتبار أنّ الجميع كان يدرك منذ لحظة إقرار قانون الانتخاب بأنه سيؤدي تلقائياً إلى تراجع حجم “كتلة المستقبل”.

وإذا كان الحريري اكتفى في معرض التعليق على “النظريات والتكهنات” التي دارت في الأيام الماضية بالقول إن “سعد الحريري 2018 مختلف”، تُطرَح علامات استفهام كثيرة عن المنحى الذي ستذهب إليه الأمور في القادم من الأيام، وما إذا كنّا أمام “انقلابٍ” حقيقي أدّى إلى إخراج مستشاره ​نادر الحريري​ من دائرة القرار، طوعاً أو قسراً، أم “إعادة تموضع”، ترجمت أخيراً بحصول اللقاء الذي كاد يصبح “مستحيلاً” مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع…

مبالغاتٌ واضحة

بعد أقلّ من أسبوع على الانتخابات النيابية التي أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري “انتصار” تيار “المستقبل” فيها على الرغم من تراجع عدد أعضاء كتلته النيابية من 33 إلى 21، بدأت خطوات “المحاسبة” على ما حصل بشكلٍ واضحٍ وجليّ. من حلّ الهيئة المعنية بشؤون الانتخابات داخل التيار “الأزرق”، إلى إعفاء الكثير من المسؤولين المعنيّين بالشأن الانتخابيّ، مروراً بالاستقالة “الملتبسة” لمستشار الحريري ويده اليمنى، نادر الحريري، بدا أنّ هناك “قطبة مخفيّة” خلف كلّ ما حصل، جعلت المحلّلين والمراقبين لا يربطون الأمر بالانتخابات حصراً، بل بـ”حسابات قديمة” تعود إلى الرابع من تشرين الثاني الماضي، تاريخ استقالة الحريري الشهيرة وما ولّدته من ردود فعل.

ولعلّ ما عزّز مثل هذه التفسيرات والتحليلات حقيقة أنّ خطوات المحاسبة التي أقدم عليها الحريري خلال الأيام الماضية تنطوي على مبالغاتٍ أكثر من واضحة، خصوصاً أنّ من غير المنطقيّ تحميل شخصٍ بعينه أو حتى مجموعة محدّدة مسؤولية الخسارة التي مني بها التيار “الأزرق” في الانتخابات، لأنّ هذه الخسارة كانت بكلّ بساطة متوقَّعة منذ لحظة إقرار القانون الانتخابي، وقد فُنّدت مراراً وتكراراً في المرحلة السابقة للانتخابات، حتى أن كثيرين ذهبوا إلى اعتبار الحريري “الخاسر الأكبر” سلفاً في الانتخابات. على العكس من ذلك، يرى كثيرون إنّ “المستقبل” خرج من الانتخابات متفوّقاً على نفسه، بعدما أسقط مثلاً “خصمه المشاكس” اللواء أشرف ريفي، علماً أنّ من غير المنطقي القول أنّ الحريري لم يكن في “هذا الجوّ” أو أنّ المحيطين به كانوا يخفون عنه هذه الحقائق، لأنّه بنفسه تطرّق إلى ما يُتداوَل في خطابه الانتخابي الأول في الرابع عشر من شباط الماضي، في ذكرى اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.

وإذا كان من المنطقيّ لأيّ حزبٍ أن يعالج أيّ “خللٍ” يحصل في داخله، بالمسار الذي يرتئيه، ولو أنّ “المستقبل” ذهب إلى “العلاج” قبل الاعتراف بوجود “الخلل” أصلاً، فإنّ ما هو غير منطقيّ أن تصدر قراراتٌ من نوع الإقالة والإعفاء من الخدمات، وصولاً إلى التلويح بشطب العضويات، بظرف أقلّ من أسبوع، ومن دون المرور بأيّ لجانٍ تحكيمية أو تأديبية أو ما شابه، تلجأ إليها الأحزاب عادةً لمثل هذه الحالات. كلّها عوامل أوحت وكأنّ موضوع الانتخابات هو غطاءٌ لما هو أكبر وأعمق في التيار “الأزرق”، أمرٌ عزّزته استقالة نادر الحريري، الذي كان يوصف بـ”الرجل الظلّ” لرئيس الحكومة، والذي لا يمكن اعتباره مسؤولاً مباشرةً عن النتائج التي حققها التيار في الانتخابات، بقدر ما يمكن تحميله مسؤولية الخيارات التي ذهب إليها الحريري في الآونة الأخيرة، خصوصاً على صعيد التحالفات السياسية التي يُقال إنّها كرّست عوامل قوته اليوم، ولكنّها أبعدته عن حلفائه الإقليميين التاريخيين.

تموضع جديد

صحيحٌ أنّ الوقت لا يزال مبكراً لقراءة أبعاد ما يحصل داخل “​تيار المستقبل​”، في ظلّ اعتقاد كثيرين أنّ الثلج لم يذب بالكامل بعد حتى يظهر المرج، مع التلويح بالمزيد من الخطوات التي قد تطال المزيد من رؤوس التيار “الأزرق”، إلا أنّ الحديث عن “تموضع جديد” للرجل، بالتوازي مع إعادة هيكلة تيّاره، بات متداولاً بقوة، أمرٌ عزّزه حصول اللقاء المُنتظر بين الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بالتوازي مع الخطوات المستجدّة.

 

وعلى الرغم من أنّ جعجع كرّر بعد اللقاء ثابتة أنّ “ما يجمع القوات اللبنانية بتيار المستقبل أكثر بكثير ممّا يفرّقهما”، فإنّ مجرّد عدم حصول اللقاء منذ الرابع من تشرين الثاني الماضي حتى اليوم، سوى بعد تنحّي نادر الحريري من المشهد، وهو الذي يُقال إنّه كان يقود بشكلٍ أو بآخر “المعسكر” المقابل لجعجع في تلك المرحلة، وعلى الرغم من اللقاءات الماراتونية التي جمعت وزيري الاعلام ملحم الرياشي والثقافة غطاس خوري قبل الانتخابات من دون أن تثمر، أمرٌ ينطوي على مفارقات ودلالات لا يمكن القفز فوقها أو تجاهلها بأيّ شكلٍ من الأشكال.

ولأنّ نادر الحريري إضافة إلى كلّ ما سبق، كان عرّاب التسوية الرئاسية الشهيرة التي أوصلت العماد ​ميشال عون​ إلى رئاسة الجمهورية توازياً مع تكليف الحريري تشكيل الحكومة، فإنّ شكوكاً كثيرة بدأت ترتسم بالنسبة لكثيرين أيضاً عمّا إذا كنّا سنشهد إعادة تموضع “حريريّة” حقيقيّة بدأت معالمها بالظهور، قد تأتي على حساب “التيار الوطني الحر”، ولو بقي الحريري مصرّاً على الحفاظ على علاقته بـ”العهد”، حتى إشعارٍ آخر، خصوصاً أنّ اللقاء بين الحريري وجعجع جاء في وقتٍ كان الكثيرون يترحّمون فيه على “تفاهم معراب”، بعدما توترت العلاقات على خط “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” بشكلٍ غير مسبوق، وسط تراشقٍ للاتهامات من العيار الثقيل وما فوق.

زمن “8 و14 آذار”

“سعد الحريري 2018 غير”… قالها سعد الحريري نفسه في معرض الرد على “النظريات والتكهنات”، مطلقاً العنان للمزيد من “النظريات والتكهنات” التي لا يُعتقَد أنّها ستصل لنهايتها قريباً.

الأكيد أنّ “الانقلاب الحريري” غير وارد في المرحلة الحالية، والرجل على أعتاب إعادة تكليفه رئاسة الحكومة، بتوافقٍ ضمنيّ بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي ​نبيه بري​، ومن خلفهما معظم الكتل السياسية والنيابية، ولو ارتأى بعضها تضييع الوقت ببعض “المناورات” التي تخدم “الزكزكة السياسية”.

أما “إعادة التموضع” فتبدو أكثر من واردة، لأكثر من سبب، بينها بطبيعة الحال ما يُحكى عن ضغوطٍ داخلية وخارجية من هنا وهنالك، ولكن أيضاً أنّ الانتخابات ولّت، وذهبت معها مقتضياتها ومصالحها إن جاز التعبير، لتبدأ مرحلة جديدة تتطلب مقاربات من نوعٍ آخر، خصوصاً في ضوء التطورات الإقليمية الساخنة، التي تستدعي تحالفاتٍ منسجمة، ولو تطلّب الأمر العودة إلى زمن “8 و14 آذار”!

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى