طلاق” الحريري وجعجع وجنبلاط يتكرّس انتخابياً… وسياسياً؟
لم يلتق الحريري لا جعجع ولا جنبلاط ولا مؤشرات على أن أياً من اللقاءين يمكن أن يحدث
قبل أيام، وتحديداً بعد عيد الفصح، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري أنّ علاقته برئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ممتازة، وأنّه اتصل به مهنئاً بالأعياد وسيلتقيه قريباً. وفي التصريح نفسه، تطرّق “الشيخ سعد” إلى علاقته برئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب وليد جنبلاط، فأغدق على الأخير الكلام الإيجابي بعيداً عن “اليوميات”، وأكد أن لا مانع من لقائه أيضاً.
مرّت الأيام، ولم يلتق الحريري لا جعجع ولا جنبلاط، ولا مؤشرات على أن أياً من اللقاءين يمكن أن يحدث في الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المنتظرة مبدئياً خلال أقلّمن ثلاثة أسابيع. على العكس من ذلك، يمكن القول إنّ “الطلاق” السياسي، وليس الانتخابي فحسب بين الحريري من جهة وحليفيه السابقين من جهة ثانية، بدأ يتكرّس شيئاً فشيئاً على أرض الواقع، على أن تكون الترجمة العمليّة بعد الانتخابات.
“البدائل” جاهزة!
صحيحٌ أنّ تراجع مستوى العلاقة بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس الحكومة سعد الحريري وصل إلى ذروته مع استقالة الأخير التي لم تُكشَف ملابساتها الكاملة حتى اليوم، خصوصاً في ضوء الجدل الكبير الذي أحدثته مواقف “الحكيم” يومها، والتي أدّت لوضعه في “قفص الاتهام” بالنسبة للكثير من “المستقبليّين”، حتى أنّ الرجل وُضِع في رأي هؤلاء في الخانة نفسها مع من وصفهم الحريري بـ”الخونة وكتبة التقارير”، وتوعّدهم بـ”بحصة” قبل أن يصرف النظر عن “بقّها”. إلا أنّ الصحيح أيضاً أنّ أكثر ما يستفزّ جعجع، وسط كلّ هذه المعمعة، ليس سوى إدراكه أنّ الحريري “استبدله” عملياً برئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل، بعدما وجد في الأخير “شريكاً” قادراً على تأمين مصلحته أكثر من “الحكيم” وغيره، خصوصاً في ظلّ ما بات يصطلح على تسميته بـ”العهد القوي”، ولو كان “الحكيم” سبق “الشيخ” في الانفتاح على “التيار الوطني الحر”، معتقداً أنّه سيؤمّن مصلحته على المدى البعيد، فإذا به يجد نفسه مُبعَداً عن القرار ومراكزه، وهو ما يحمّل مسؤوليته لباسيل شخصياً.
وعلى الرغم من أنّ العلاقة بين الحريري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط لا تشبه تلك التي تجمعه بجعجع، هي التي بقيت محافظة على صمودها ومتانتها في أصعب الظروف وأحلكها، حتى عندما وجّه “البيك” الضربة القاضية لتحالف الرابع عشر من آذار بانسحابه منه، ما جعلها موضع “حسد” بالنسبة لكثيرين ممّن اعتبروها “محصّنة”، فإنّ اللافت أنّها بدورها تتعرّض للاهتزاز هذه الأيام، وهو ما بدأ يظهر بوضوح مع “الأزمة” التي خلفها “استبدال” الحريري لمرشح جنبلاط في البقاع الغربي النائب أنطوان سعد بمرشح آخر في ربع الساعة الأخير، ما أخرج “البيك” عن طوره. ولعلّ “المفارقة” المثيرة للاهتمام على هذا الصعيد أن الحريري لجأ مع جنبلاط أيضاً لتكتيك “البديل”، من خلال الانفتاح “المفاجئ” على رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” وزير الدولة لشؤون المهجّرين طلال أرسلان، في عزّ التباين بين الأخير وجنبلاط، الذي قد يكون الأكبر منذ سنوات طويلة، وإن ارتبط بالاستحقاق الانتخابي المنتظر، ضارباً بذلك أكثر من عصفور بحجر. وليس خافياً على أحد أنّ هذا الانفتاح لم ينزل لا برداً ولا سلاماً على جنبلاط، بدءاً من حديث الحريري المتكرّر وغير البريء عن علاقة أبعد من الانتخابات ستجمعه بأرسلان، وصولاً إلى الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة والتي نسّق كامل تفاصيلها مع “المير”، ما اعتبره جنبلاط بطبيعة الحال تخطياً وتجاوزاً له.
فتش عن السبب…
عموماً، يمكن القول إنّ الحريري لم يقطع “شعرة معاوية” مع جعجع وجنبلاط، وهو لا يسعى إلى قطعها أصلاً، ولو أرجأ لقاءهما إلى ما بعد الانتخابات بالحدّ الأدنى، وما تجاوبه مع كلّ “مساعي الصلح” التي تُبذَل من هنا وهناك سوى الدليل الواضح على ذلك. فالرجل لم “يبقّ البحصة” التي قيل إنها تستهدف جعجع من جملة من تستهدفهم، ولن يفعل، بل على العكس من ذلك، هو مرّر الرسائل الإيجابية التي تلقفها “الحكيم”، بدءاً من حديثه عن العلاقة الممتازة معه، وصولاً إلى كلامه عن الاتفاق الاستراتيجي معه، وعدم الحاجة لأيّ حوار مشترك. وفي المقابل، وعلى الرغم من أنّ العلاقة مع جنبلاط تمرّ بقطوع قد يكون الأكبر منذ استلام الحريري زعامة “تيار المستقبل”، فإنّ الرجل يحرص على ترك قنوات الاتصال معه مفتوحة، ولو كان ممتعضاً ممّا يسمّيه بعض “المستقبليين” “دلعاً جنبلاطياً”، يتجلى في أكثر من محطة ومناسبة. إلا أنه مع ذلك يحرص على طمأنة “البيك” بأنّ موقعه “محفوظ”، علماً أنّ الجانبين متحالفان انتخابياً في معظم الدوائر، رغم الخلافات على بعض التفاصيل.
لكن، وبعيداً عن “الحساسيات الانتخابية” هنا وهنالك، ثمّة من يتحدّث عن “خطة بعيدة المدى” باشر رئيس الحكومة تنفيذها، وهو لذلك كما يتمسّك بعلاقته مع جعجع وجنبلاط، يتشبّث بعلاقاته المستجدّة مع معظم الفرقاء، من الرئيس ميشال عون، إلى الوزيرين باسيل وأرسلان، ورئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية، مروراً برئيس المجلس النيابي نبيه بري، ومن خلفه حتى “حزب الله” بشكل غير مباشر. أما الهدف الذي “يطمح” الحريري إلى تحقيقه، ولذلك يقوم بتوسيع مروحة تحالفاته وصداقاته إلى هذا الحد، ولعلّ خلفه يكمن السرّ الأكبر في “الاستفزاز” الذي يشعر به جنبلاط، فهو بكلّ بساطة “الاستيلاء” على موقع “بيضة القبان” الذي لطالما كان بيد جنبلاط، خصوصاً أنّه مقتنع بأنّ الانتخابات في ظلّ القانون النسبي ستفرض معادلات جديدة تتطلب مقاربة مختلفة، ولعلّ مثل هذا الموقع بالتحديد يجعل الحريري مرتاحاً على الرغم من التراجع المتوقع في حجم كتلته النيابية.
استراتيجية “ذكية”؟!
يوحي “الظاهر” بأنّ “طلاق” الحريري وحليفيه السابقين، المتقاربين اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، أي جعجع وجنبلاط، يتكرّس من بوابة الانتخابات، رغم التحالف في عدد من الدوائر، ليتخطاها إلى السياسة، في ظلّ “البدائل” الجاهزة، والتي يرمي الحريري بأوراقها في الساحة السياسية.
إلا أنّ الواقع يخالف مثل هذا الاستنتاج، فالحريري يتمسّك بعلاقته مع جعجع والحريري، توازياً مع انفتاحه على الآخرين، في استراتيجية وحدها الانتخابات ستحدّد مدى “ذكائها”، وإن كان مسلّماً به أنّ ما بعد الانتخابات لن يكون كما قبلها على غير صعيد…
حسين عاصي – النشرة