امتحانات الثانوية العامة عرضة للطعن!
بالنظر إلى العثرات التي رافقت العام الدراسي والأوضاع النفسية والتربوية للطلاب الممتحنين وغياب الفرص المتساوية للتعليم وتقليص المنهج إلى الربع، لماذا تجرى الامتحانات الرسمية وما الجدوى منها؟ فيما رأى التفتيش التربوي في قرار تقسيم المواد إلى إلزامية واختيارية «خرقاً لتكافؤ الفرص ومسّاً بعدالة الامتحانات»، ما يجعلها عرضة للطعن
أحد الحلول التي ابتدعتها وزارة التربية لتدارك عثرات العام الدراسي وضمان السير في امتحانات الثانوية العامة بفروعها الأربعة، بعد تقليص المنهج إلى الربع، هو تقسيم المواد إلى إلزامية واختيارية، وهو ما أدرجه التفتيش التربوي في خانة «خرق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، ومس بعدالة الامتحانات وجعلها عرضة للطعن من أي متضرر، ذلك أن الامتحانات العادلة تضع جميع الممتحنين في ظروف موحدة بكل شروطها وعناصرها».
وفي بيان رأي رفعته إلى الوزارة، أوضحت المفتشية العامة التربوية أن «التقسيم المعتمد في قرار الامتحانات 112 /م/2021 يضعنا أمام معدلين للنجاح في شهادات العلوم العامة وعلوم الحياة والاجتماع والاقتصاد، وثلاثة معدلات للنجاح في الآداب والإنسانيات، تبعاً للمادة التي يختارها المرشح من بين المواد الاختيارية».
التفتيش توقف أيضاً عند إعطاء الوزير نفسه حق «تثقيل» المواد الخطية استثنائياً لهذا العام، في مخالفة للمادة 5 من الفصل الرابع من مرسوم الامتحانات نفسه، باعتبار أن المادة لا تولي الوزير هذا الحق، سواء كانت المواد إلزامية أو اختيارية، و«بالتالي فإن أي تعديل يجب أن يتم بموجب مرسوم عملاً بمبدأ موازاة الصيغ والأشكال»، بحسب ما جاء في بيان الرأي.
و«التثقيل» يعني إعطاء قيمة أكبر للمادة من مجموع العلامات، وبالتالي من معدل النجاح بالمقارنة مع المواد الأخرى، كأن تكون مادة علوم الحياة في شهادة علوم الحياة على 100 أي مضروبة بـ 5 في حين أن مادة التربية على 30 أي مضروبة بـ 1 ونصف.
ومن الثغر القانونية في القرار أنه استند إلى المادة 3 من الفصل الأول من المرسوم 5698 بتاريخ 15/6/2001 وإلى المادة 5 من الفصل الرابع من المرسوم نفسه، باعتباره يجيز تعديل أو تعليق العمل ببعض المواد الخطية أو الإجرائية. إلا أن الفصل الأول، كما قال بيان التفتيش، هو عبارة عن أحكام عامة ولا يتضمن سوى مادة وحيدة لا تتعلق بهذا المجال.
وفي تعليق على رأي التفتيش التربوي، أشارت مصادر تربوية إلى أن البيان «ذهب بعيداً في الحديث عن المخالفات القانونية للقرار، وكأن ليست هناك ظروف استثنائية في البلد. إلا أن المصادر لفتت إلى أن التفتيش محق في الحديث عن المعدلات المختلفة، وكان يجب أن يدرس الأمر أكثر بين المركز التربوي للبحوث والإنماء ووزارة التربية لضمان تكافؤ الفرص». وهنا سألت: «هل كان قرار الامتحانات تشاركياً فعلاً، وهل وقفت الوزارة عند آراء الأجهزة المعنية، ولا سيما المسؤولين في المركز التربوي والهيئات النقابية ومعلمي المواد؟ وهل جرى تبيان الأسباب والنتائج، أم طبخ القرار داخل الحلقة الضيقة القريبة من الوزير؟
ورغم أن رئيس المركز التربوي جورج نهرا لم يجب عن الاتصالات المتكررة لـ«الأخبار»، تفيد المعلومات بأن القرار 112 صدر بعد اطّلاع المركز وموافقته عليه. إلا أنه لا يزال هناك خلاف بين المركز التربوي ومديرية الإرشاد والتوجيه حول آلية تثقيل المواد، علماً بأن الأمر يحتاج إلى مرسوم في مجلس الوزراء لكونه صادراً في مرسوم المناهج، فلا المركز ولا المديرية يقرران ذلك.
الأزمة في التقسيم المستحدث، بحسب المصادر التربوية، أن تكون مواد الاجتماعيات (تاريخ، جغرافيا، تربية) مواد اختيارية في كل الفروع، ما يضعها في وضعية أدنى من مواد أخرى، في بلد كل شيء فيه معرّض للتصنيف والدرجات، كما في التعليم الأكاديمي الذي يعدّ أعلى درجة من التعليم المهني وهكذا.
الامتحانات نفسها، وليس تقسيم المواد فحسب، احتلت على مدى الأسابيع الماضية نقاشات المعلمين والتربويين. وطرحت أسئلة محورية حول سبب إجراء الامتحانات للشهادة المتوسطة (البريفيه) والثانوية العامة؟ وكيف؟ وما هي أهمية هذا الاستحقاق اليوم؟ وألم يكن ممكناً ابتداع سيناريوات أخرى لحفظ ماء الوجه؟ وهل هذا الإصرار مرتبط فعلاً بالتعويضات لأعضاء اللجان الفاحصة أم من السطحية بمكان أن تُقصر الجدوى من الامتحانات على هذا التحليل؟
المعلمون صوّبوا هواجسهم على الظروف القاسية للتحضير للامتحانات في ظل تقنين الكهرباء وصعوبة وصول الأساتذة والطلاب إلى مراكز الامتحانات في ظل عدم توفر البنزين وزحمة السير الخانقة التي تتسبب بها طوابير السيارات على محطات الوقود. ولم تغب عن تحليلاتهم الكلفة العامة «المريبة» للامتحانات والتي تبلغ نحو 14 مليار ليرة، وإن لم تعد، بعد انهيار سعر صرف الليرة، خيالية كما كانت في السابق، إذ إن التعويضات التي يتقاضاها رئيس اللجان الفاحصة المدير العام للتربية تبلغ 89 مليوناً ورئيس دائرة الامتحانات 82 مليوناً، و16 مليوناً لكل من مدير التعليم الثانوي ومدير التعليم الابتدائي ورئيسة المصلحة الثقافية في الوزارة، فيما تتراوح تعويضات رؤساء المناطق التربوية بين 20 مليوناً (عكار) و28 مليوناً (جبل لبنان)، ويبلغ أعلى تعويض لرؤساء الدوائر في المناطق التربوية 16 مليوناً وأدناها 10 ملايين.
الامتحانات تربطنا بالحياة
لكن ثمة من لديه قراءة تربوية مختلفة للاستحقاق، إذ تعتقد التربوية سهام أنطون أن إصرار وزير التربية على إجراء الامتحانات «كان في محله»، فهي «ستعيد ربطنا بوتيرة الحياة الطبيعية وسط الانحلال الحاصل في كل شيء وانعكاساته التربوية على مستوى التفاوت الصارخ في التحصيل المدرسي وغياب العدالة بين الطلاب». فالعودة الحضورية ولو لأسابيع قليلة، «حفزت الطلاب على التفكير والبحث والتحضير للامتحانات وأعادتهم إلى الحياة». بحسب أنطون، «مخز أن يقتصر الحديث عن جدوى الامتحانات على تحليل ربطها بالتعويضات والبنزين وعدم محاولة المعلمين مواجهة التحديات عند أول معترك، في حين أن البلد قادم على أزمات متلاحقة، فماذا سنفعل إن اشتدت أكثر؟». وقالت إن الواقع الحالي يتطلب ابتداع حلول عملانية يفترض أن تكون حاضنة للطلاب وداعمة لنجاحهم، لافتة إلى أن دول العالم لم تتخلّ عن الامتحانات الرسمية، ففي فرنسا جرى الإبقاء على الامتحان الشفهي، وقدمت تسهيلات للامتحانات الخطية لجهة مراعاة نفسية الطالب وإعطائه الخيار في أن يختار المعدل الأعلى للمادة بين الامتحانات المدرسية والرسمية.
رئيسة الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، سوزان أبو رجيلي، وافقت على أن العودة إلى الصفوف كسرت شيئاً من العزلة وقلة التركيز التي سببها المكوث في المنزل وطرق التعليم عند أكثرية الأساتذة والتي كانت غير ملائمة لمستلزمات التعليم عن بعد، فيما كانت الإمكانات محدودة لدى البعض ومعدومة لدى البعض الآخر. وسألت في المقابل: «ألا يوسّع التفاوت في التحصيل، وبالتالي في نتائج الامتحانات الفجوة والتباين بين المدارس ويلحق بهؤلاء الطلاب ظلماً كبيراً؟». ولفتت الى أنه «إذا كانت الامتحانات الرسمية فرصة للتقييم على قاعدة إنو الطلاب بيشدّوا حالهم، فإن تداعياتها النفسية ستكون كبيرة عليهم، إذ سيشعرون بأنهم سيحاسبون وكأنه لم يحدث شيء خلال العام الدراسي». لذلك «لا مهرب من خطة علاجية لمدة شهرين أو ثلاثة في بداية العام الدراسي المقبل لتعويض المكتسبات غير المحققة».
فاتن الحاج – الاخبار