أعلن المشاركون في المؤتمر الوطني الأول لمكافحة التجارة غير المشروعة الذي نظمته إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية الريجي في مجمع «سيسايد فرونت» – بيروت، أنّ المؤتمر يهدف إلى «وضع حجر أساس لإطلاق مبادرة جامعة من كل الجهات المعنية بموضوع مكافحة التهريب»، واتفقوا على اعتبار 28 آذار «يوماً وطنياً لمكافحة التجارة غير المشروعة واعتماد لجنة لمكافحة التهريب تمثل الجهات المذكورة للسعي الى تحويل التوصيات واقعاً ملموساً على مدى السنوات الخمس المقبلة».
وأوصى المشاركون من النيابة العامة وقوى الأمن الداخلي ووزارة الاقتصاد ومديرية الجمارك، فضلاً عن إدارة حصر التبغ والتنباك وجمعية الصناعيين، بـ«السعي مع الأجهزة القضائية والتشريعية إلى تحديث القوانين والتشريعات اللازمة لمكافحة التهريب والتشدّد في تطبيق الأحكام القضائية وصولاً إلى العقوبات الجزائية، وبتفعيل دور الجهات المعنية بضبط الحدود لمنع التهريب وتعزيز قدراتها لمراقبة المعابر غير الشرعية».
ودعوا إلى «ربط الداتا ما بين الأجهزة المعنية بمكافحة التهريب عبر تكنولوجيات حديثة واعتماد الشباك الموحد لتبسيط الاجراءات في المعابر الحدودية الشرعية، وتبسيط الاجراءات الجمركية وتقليص زمن الافراج عن البضائع».
وشدّدوا على ضرورة «الاسراع في إصدار الأحكام القضائية لإرغام المخالفين على إنهاء قضاياهم ودفع الغرامات التي فرضت عليهم، وعلى أهمية تعزيز التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والقضائية وصولا الى تشكيل لجنة مشتركة مع الأجهزة المختفلة لتعزيز الاستقصاء والاستخبار والملاحقة»، مؤكدين وجوب «تعزيز الشراكة والتعاون المستمر بين الوكالات المحلية والدولية والممثلين الشرعيين لصناعة المنتجات التبغية».
ودعوا إلى «التأسيس لقاعدة بيانات وطنية مشتركة لتبادل المعلومات من خلال اعتماد تكنولوجيات حديثة وتنفيذ نظام متطور للتتبع والتعقب».
وفي مجال السياسات الضريبية، اتفق المشاركون على «السعي مع الدول الشقيقة المجاورة الى مواءمة سياسات توحيد الأسعار ومعدلات الضرائب لضبط اختلال التوازن في أسعار السجائر عبر الحدود، وخصوصا في ظل تدني اسعار المنتجات التبغية في بعض الدول المجاورة عن أسعارها في لبنان».
وأكد المشاركون وجوب «توعية المواطنين على مخاطر البضائع المهربة واثرها السلبي على صحتهم وعلى الاقتصاد اللبناني، وزيادة الوعي عند المستهلك من خلال حملات التوعية ونشر المعلومات حول المخاطر الصحية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بتجارة التبغ غير المشروعة».
وشدّدوا على أهمية «تطوير الموارد البشرية ومواصلة تفعيل اداء الموظفين من خلال دورات تدريبية تهدف الى بناء قدراتهم، أهمها عقد دورات تنظمها شركات استشارية متخصصة في هذا المجال، وتدريب الموظفين الميدانيين لمكافحة التهريب».
وطالبوا بـ«تمكين الصناعة اللبنانية من إنتاج سلع متنوعة تتمتع بجودة ومواصفات عالية وتخفيض كلفة إنتاجها لتنافس السلع المهربة سعرا ونوعية، ووضع برنامج تحفيزي لتطوير القطاع الصناعي وحمايته ضمن الإتفاقات المعقودة».
الجلسة الختامية
وكانت حلقة الحوار الأخيرة من المؤتمر التي أدارتها رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لمياء المبيض بساط، حملت عنوان «مكافحة التهريب بين الحد من العرض والطلب»، وشارك فيها النائب ياسين جابر، وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود، مدير المالية العام الدكتور آلان بيفاني، المديرة العامة لوزارة الإقتصاد والتجارة عليا عباس ورئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين الدكتور فادي الجميل.
جابر
ولاحظ النائب ياسين جابر أنّ للتهريب «تأثيراً مالياً كبيراً على مؤسسة مهمة تؤمن دخلاً كبيراً للخزينة اللبنانية»، مشيراً إلى أنّ «هذه الآفة تسير يداً بيد مع الفساد». وقال: «قانون الجمارك اللبناني جيد ولكن هل نطبقه؟ فالمجلس شرع ولكن التطبيق يحتاج إلى أدوات تنفيذية».
أضاف: «ثمة الكثير من القوانين التي أقرها المجلس النيابي تنام في الدرج ولا يتم تطبيقها، مما حدا برئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تأليف لجنة متابعة تنفيذ القوانين».
وإذ ذكر بأنّ المجلس «أقر عام 2015 قانوناً مهماً جداً هو قانون مكافحة تبييض الأموال يساعد فعلاً في مكافحة الفساد»، رأى أنّ هذا القانون «يمكن أن يكون اليوم أداة مهمة جداً في يد القضاء». وشدّد على وجوب أن يكون «ثمة تنسيق بين الأجهزة الأمنية والجهات المعنية كلها لضبط الحدود ومكافحة التهريب»، مشيرا إلى أن هذا التهريب «لم يعد يحصل بكميات صغيرة إنما بشاحنات».
وقال: «هذا الموضوع يجب أن يكون أولوية مطلقة، وأن يتحرك القضاء ويكون أكثر حزماً، إذ ثمة قانون فاعل جداً. إنّ القانون يضع مسؤولية الإبلاغ على عاتق القيمين على الجهاز المصرفي وعلى المحامين ومدققي الحسابات وعلى الكتاب العدل. والهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الأموال تستطيع أن ترفع السرية المصرفية عن أي حساب مشكوك فيه. وإذا حاسبنا اليوم مسؤولا لأنه لا يطبق القانون أو لأنه يسيء استخدام وظيفته، تخرب الدنيا إذا كان من مجتمع أو طائفة معينة».
أضاف: «إننا عند مفترق طرق مهم، فنحن في مأزق مالي في لبنان، والدولة في سباق وعلينا أن نعتمد سياسة الاعتراف بالمشكلة والسعي إلى المعالجة، ويمكن أن يكون مؤتمر سيدر فرصة لها، وأن يشكل بداية مسار يختلف عن المسار الذي نسير فيه حتى اليوم. ونأمل أن نستفيد من هذه الفرصة ونبدأ بمعالجة الأمور بجدية وبطريقة مختلفة عما فعلنا حتى اليوم ومن أهمها التهريب والتجارة غير المشروعة والفساد الذي ينخر البلد».
بارود
بدوره، شدّد الوزير السابق زياد بارود على «خطورة إقرار قوانين وعدم تطبيقها». وقال: «المطلوب أن نحمي السلعة القانونية، ليس من باب الاحتكار الذي لدى الريجي، إنما من باب أن ثمة قوانين يجب أن تطبق ولأن التهريب هو جرم جزائي».
وأوضح أنّ «التجارة غير المشروعة شكل من أشكال الفساد الموجود في القطاع الخاص والقطاع العام»، لافتاً إلى أنّ «العدد الكبير من المعابر غير الشرعية ساهم في مفاقمة مشكلة التجارة غير المشروعة». وأكد أنّ «القوة الحدودية المشتركة المؤلفة من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام حاولت ضبط حركة المعابر غير الشرعية التي يجري معظم التهريب عبرها»، مشيراً إلى أنّ «هذا التهريب بات يتم بشاحنات بوقاحة كبيرة»، مشدّداً على أنّ «معظم المهربين يتمتعون بحمايات مختلفة».
وقال: «إنّ الإطار القانوني لمكافحة التهريب قائم وموجود، والمعابر غير الشرعية وأحيانا الحمايات لبعض المهربين والنقص الحاد في عديد الأجهزة المولجة ضبط التهريب تشكل أهم المعوقات في هذا المجال».
ورأى أنّ «عديد مصلحة المكافحة في الريجي متدن جدا نسبة للمهام المطلوبة منه، ويجب تاليا تحديد الكادر البشري الذي يستطيع تلبية المهام المطلوبة منهم بكفاية وفاعلية».
واقترح «استحداث ما يشبه غرفة عمليات مشتركة بين الريجي والجمارك ووزارة الاقتصاد وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، أو على الأقل وسيلة أو أداة أو منصة لتبادل المعلومات، توخيا لفاعلية أكبر في قمع التهريب»، مؤكدا ضرورة «تشديد العقوبة على التهريب لأن الجنحة لا تكفي وخصوصا في حال التكرار».
بيفاني
أما المدير العام لوزارة المالية ألان بيفاني فأوضح أنّ «التهريب يحرم الخزينة من ريع الضرائب والإيرادات التي يمكن جبايتها عند الاستيراد من البضائع المهربة مثل: رسوم جمركية ورسوم استهلاك وضريبة على القيمة المضافة، ويؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة المحلية بسبب زيادة الطلب على العملات الأجنبية بهدف شراء البضائع من الخارج وتهريبها إلى الداخل، وإلى الإضرار بالصناعة والمنتجات الوطنية الخاضعة للحماية نتيجة للمنافسة غير المتكافئة جراء دخول السلع الأجنبية دون دفع أية رسوم مما يجعل أسعارها متدنية أمام المستهلك المحلي الذي يتجنب شراء المنتجات المحلية. وكذلك انخفاض الإنتاج المحلي».
ولفت إلى أنّ «المؤسسات الناجحة ملزمة بالتنافس مع المؤسسات التي تهرب، علماً أنّ هذه المؤسسات النزيهة غير قادرة على التنافس ضمن هذه الأوضاع مما يضرب القدرة التنافسية في الاقتصاد اللبناني».
وتناول «مبادرات الدولة اللبنانية لمكافحة التهريب وهي تقوم على أربع وسائل هي ضرائب ورسوم معتدلة، وجهاز كفي ونزيه، وتشريعات واضحة وإجراءات شفافة، وعقوبات شديدة».
عباس
وتناولت المديرة العامة لوزارة الاقتصاد مسألة الآثار السلبية للتهريب، ومنها تلك التي تطال المستهلك، لجهة «عدم التأكد من مطابقة السلع للمواصفات بسبب عدم إمكان فحصها والتعامل معها كونها تعبر إلى الداخل اللبناني عبر المعابر غير الشرعية».
وعن تطوير الإجراءات المتخذة في مرفأ بيروت لمكافحة التهريب والتقليد، أشارت إلى أنه «تمّ تشكيل لجنة بهدف تبسيط الإجراءات في المرفأ، وقد توصلت إلى تطوير آلية العمل على المعابر الحدودية، فتم اعتماد إجراءات موحدة وموثقة، وتبسيط الإجراءات عبر إزالة الخطوات غير الضرورية ودمج خطوات، وتسريع المعاملات عبر رفع عدد المعاملات المنجزة في اليوم الواحد، وإنجاز المعاملات بشفافية عبر خفض إمكان التدخل في سير العمل والتأثير على نتيجة الكشف، وإنجاز المعاملات بفاعلية بناء على تحليل المخاطر وحسن إدارة الموارد».
وفي مسألة محاربة التقليد «تمّ التعاون مع جهات رسمية وخاصة لمحاربة التزوير والتقليد، ولا سيما لجهة التنسيق مع إدارة الجمارك، وتوقيع اتفاقية تعاون مع جمعية حماية المنتجات والعلامات التجارية ـ لبنان BPG بهدف تدريب المراقبين في وزارة الاقتصاد والاجهزة المعنية حول التقليد والغش في المنتجات، والمساعدة في الكشف والتعرف على المنتجات المقلدة في الأسواق».
الجميّل
وتحدث رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل عن تأثير التهريب على الفرد والمجتمع والاقتصاد، ملاحظاً أنه «يؤدي إلى خلق طبقات مستفيدة تشكل مافيات تسبب تأثيراً سلبياً على البيئة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، فالذين يمارسون عمليات التهريب ويجنون من ورائها الأموال الطائلة، يقومون بغسل هذه الأموال لإدخالها في الدورة الاقتصادية دون الاهتمام بالجدوى الاقتصادية لاستثمار هذه الأموال، إنما يكون هدفهم توظيف هذه الأموال وإعادة تدويرها بما يتعارض مع القوانين والقواعد الاقتصادية والاتفاقات الدولية، ولو على حساب التنظيم الاقتصادي للمجتمع عامة وبما يحقق منافع فئة فاسدة».
ورأى أنّ مكافحة التهريب «تسمح بزيادة مداخيل الدولة من دون مزيد من الضرائب، وهذا الأمر يعني مزيداً من الخدمات للمواطنين من سكن، وطبابة وتعليم ونقل. وفي المحصلة فإنّ زيادة دخل الدولة يعني تخفيض العجز والدين العام».
وشدّد على ضرورة «ضبط المرافئ والمعابر بواسطة الجمارك، واستعمال التكنولوجيا الحديثة في عمليات رصد السلع إلكترونياً والكشف على البضائع RFID».