إعتادت الحكومات المتلاحقة على إيجاد حلول في ربع الساعة الاخير، فلا رؤية اقتصادية ولا خطط مستقبلية، وعلى هذه الخُطى تستكمل وزارة الطاقة عملها. أسبوعان يفصلان عن موعد انتهاء العقد مع شركة سونطراك الجزائرية لمدّ لبنان بالمحروقات، وحتى الساعة لا بديل منها، فكل شيء متروك الى الساعات الأخيرة. وفي ظل هذه الضبابية، طمأنَ أمس وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر أنه «لن تكون هناك «عَتمة» في لبنان، كاشفاً انّ هناك 4 حلول على الأقل لموضوع الفيول، يتم بحثها حالياً.
وبعدما جرى الحديث مؤخراً عن مفاوضات تجري مع الجانب العراقي لاستيراد النفط الخام والتعويل عليه كأحد الحلول للازمة، كثُرت التساؤلات عن جدوى هذا المقترَح وسُبل استفادة لبنان منه، خصوصاً انّ مصفاة تكرير النفط في طرابلس تحتاج الى صيانة، ونحن لا نملك ترف الوقت لانتظار انتهاء أعمال الصيانة.
وفي السياق، أكدت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» ان ليس للبنان القدرة على تكرير النفط الخام العراقي لأنّ المصافي غير مؤهلة للتشغيل اليوم، شارحةً انّ المقترح الذي يتم درسه هو نوع من «سواب» ينصّ على بيع العراق النفط الخام للبنان بأسعار تشجيعية وإعطائه مهلة عام قبل دفع ثمنه، او مبادلته بمنتجات لبنانية من تفاح وليمون وعنب… في المقابل يعمد لبنان، إمّا الى مبادلة النفط الخام مع شركات عالمية ضخمة بفيول ومازوت، أو تسليم النفط الخام مباشرة الى هذه الشركات على أن تقوم بتسليمه إلى لبنان بعد تكريره مقابل دفع رسوم معينة.
ورداً على سؤال، أكدت المصادر انّ الاتفاق مع الجانب العراقي هو خطوة جيدة ومهمة للبنان، خصوصاً في الشق المتعلق بالتسهيلات المالية وإمكانية المبادلة، لافتة الى ان لا مشكلة في تسليمنا النفط الخام، فمن جهة نحن لدينا مواصفات معينة للفيول والمازوت، ومن جهة اخرى لا يملك العراق القدرة على تكرير كل النفط الذي يستخرجه، وهو يستورد أحياناً نفطاً مكرراً.
وعمّا اذا كانت هذه الاتفاقية تتعارض مع مصالح الشركات المستوردة للنفط، قالت المصادر: لا يفترض بهذه الخطوة أن تضرّ بالقطاع الخاص، عدا عن انّ ذلك ليس لمصلحة الدولة، فمنشأتها غير كافية لتغطية حاجة السوق اللبنانية، وبالتالي هي في حاجة الى مساندة الشركات الخاصة كما انه من غير المعلوم بعد حجم الكمية التي سيؤمّنها الجانب العراقي للبنان. ربما تسعى الدولة الى تأمين حاجة القطاع العام فقط وبالتالي، هناك حاجة للشركات المستوردة للنفط ان تستكمل الاستيراد لتأمين كفاية حاجة السوق، فالواقع انّ الدولة اليوم تؤمّن نصف حاجة السوق المحلي والشركات تؤمّن النصف الثاني.
ترشيد دعم المحروقات
الى ذلك، لم يتّضِح بعد الشكل الذي سيتخذه ترشيد الدعم، وعلى ما يبدو انّ هذا الملف لم يجهز بعد ولا تصور نهائياً له، لكن الطريقة التي يتم التعامل بها مع هذا الموضوع تؤكّد، وفق أكثر من مصدر مطلع، انه لن يتم رفع الدعم عن المحروقات، وانّ أحداً لا يمكنه تحمّل مسؤولية هكذا قرار وترك اللبنانيين يموتون من الفقر والجوع. لذا، لا مفرّ من المَس بالاحتياطي الالزامي حتى لو تمّ ترشيد الدعم.
وفي السياق، يقول نقيب أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس: مَرّت سنة ونحن في الحديث نفسه ولم يتغير شيء، فماذا يمكن ان يتحقق اليوم في ظل تراجع احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة؟! وقال: بدأ تحركنا منذ ان كان لدينا احتياطي بأكثر من ملياري دولار، وطالبنا بتشكيل لجنة يقع على عاتقها وضع تصوّر للأزمة كي لا نصل الى ما نحن عليه اليوم، وطروحات لكيفية تطويل أمد الدعم ومكافحة التهريب. الّا انّ مطالبنا لم تلق آذاناً صاغية، فكيف يمكن ترشيد الاستيراد والأموال المتبقية تتراوح ما بين 500 الى 600 مليون دولار؟ ورغم هذه النَخوة لدرس موضوع الدعم، الّا انّ رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب يرفض ان يحمل عبء رفع الدعم وتداعياته، خصوصاً ان لا حكومة جديدة بعد، ما يعني اننا ندور في حلقة مفرغة نضيّع معها المزيد من الوقت.
وأكد البراكس انّ ترشيد الدعم لن يؤتي بثمار اذا لم ينطلق من مبدأ علمي وواقعي يعتمد أولاً على وضع حد للتهريب الذي استنزَف مخزوننا من العملات الصعبة، ولا يزال «ماشي وفي أوجِّه».
وقال: خلال لقائنا الأخير مع رئيس الحكومة وفي حضور وزيرة الدفاع والوزراء المعنيين، فتحنا ملف التهريب، وطالبنا بمكافحت،ه لكننا فوجئنا بردة فعلهم فقد اكتفوا بـ»هَزّ الرأس» من دون أي تجاوب مع الموضوع.
أضاف: الأموال المتبقية من الدعم تكاد تكفي حتى نهاية شهر كانون الثاني، وبالتالي انّ الحل المنشود والقاضي بترشيد الدعم لم يعد كافياً، والاجتماعات التي نقيمها لهذا الهدف تساعد في إطالة مدة استعمال الأموال لأسبوعين او ثلاثة على أبعد تقدير، يبقى أنّ الحل الوحيد اليوم يتمثّل في إدخال أموال جديدة الى لبنان.
وردا على سؤال، أكد البراكس انه حتى الآن لم يتم البت في أي حل مطروح، أكان اعتماد دعم المحروقات على سعر المنصة 3900 ليرة، أو رفع الدعم جزئياً او كلياً. وإذا استكملت اللامبالاة في التعاطي مع هذا الموضوع، فإنّ السيناريو المتوقّع هو نفاد المحروقات من السوق. وقد بدأت بعض المحطات تعاني هذا النقص بسبب التأخّر في فتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان، فاليوم هناك نقص في البنزين والمازوت والغاز بحيث انّ الكميات المتوفرة قليلة جداً. وبالتالي، فإننا سنعاني يومّياً صعوبات في إيجاد البضائع في الأسواق.
وقال: اذا انتهى العام من دون اتخاذ أي خطوة جدية وانتهت الأموال المخصصة للدعم في مصرف لبنان، فأمامنا خياران: في الأول يعلن مصرف لبنان نفاده من العملات الصعبة المخصصة للدعم وعدم قدرته على فتح الاعتمادات، عندها لن تكون مشكلة المحروقات محصورة برفع الدعم وارتفاع سعر صفيحة البنزين الى 100 ألف ليرة إنما، وبسبب عدم توفّر الدولارات، ستشهد الأسواق انقطاعاً حاداً في المحروقات. وبسبب زيادة الطلب على الدولار، يتوقّع ان يرتفع سعره مقابل الليرة من 8000 ليرة الى 15 ألف او 20 ألفاً، وبالتالي انّ المشكلة ليست في السعر المتوقع لسعر الصفيحة إنما الانقطاع في المحروقات الذي سيصيب هيكل الاقتصاد.
أما الخيار الثاني: فهو المسّ بالإحتياطي الالزامي. فنحن نملك 17 مليار دولار احتياطي إلزامي. ويتم التوافق على الاستعانة تباعاً بهذه الأموال، ريثما تتشكّل حكومة جديدة يقع على عاتقها اتخاذ قرارات جريئة للانقاذ.