اقتصادالرئيسية

خاص/ وليد أبو سليمان: التحدّي الأوّل هو تصحيح الخلل البنيوي في الموازنة العامة

تستطيع الحكومة مفاوضة الدائنين من موقع قوّة لخفض نسبة الفوائد وكلّ تخفيض بقيمة 1% يعني 800 مليون دولار سنوياً

أشار الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان إلى “أنّ الحكومة في لبنان تعمل دائماً تحت الضغط عندما تصبح الاستحقاقات داهمة، لذلك تعمد إلى سلق مشاريع القوانين وتصديقها”، وذكر “على سبيل المثال وليس الحصر، سلسلة الرتب والرواتب، حيث صُدّقت من بعد نقمة وتظاهرات شعبية وما إلى هنالك، الأمر الذي كانت له انعكسات سلبية على النفقات في الموازنة، علماً أنّه كان يُقال إنّ الإيرادات قد تأمّنت، ليتبيّن لاحقاً عكس ذلك”.

وتطرّق أبو سليمان في حديث لموقعنا إلى موضوع الموازنة، مشيراً إلى “أنّنا اليوم، تخطّينا المهلة الدستورية بالنسبة إلى إقرار موازنة 2018، فاضطُّرت الحكومة مُرغمةً وتحت الضغط أن تقرّ أو ترسل مشروع قانون الموازنة 2018 إلى المجلس النيابي وذلك قبيل انعقاد مؤتمر “سيدر 1” أو “باريس 4″، ويمكن القول إننا تحت الضغط نسلق مشاريع قوانين مهمة جداً”.

 

لا إصلاحات جذرية في الموازنة

وقال: “في أول مقاربة لموازنة 2018، لم أرَ فيها إصلاحات جذريّة، بل هي نسخة طبق الأصل عن موازنة 2017، الأمر الذي بعث برسالة إلى المؤتمرات والمجتمع المدني تقضي بأننا نحترم المهل والمؤسّسات الدستورية، ولدينا وثيقة مهمة جداً هي الموازنة التي نستطيع أن نعتبر أنها أُقرّت لأنّ مجرّد إقرارها في الحكومة يعني أنها أُقرّت في المجلس النيابي على اعتبار أنّ الكتل النيابية الأساسية هي نفسها ممثلة في الحكومة”.

واعتبر أبو سليمان “أنّ التحدّي الكبير اليوم هو أن يتمكّن المجلس النيابي من دراسة هذه الموازنة بتمعُّن، وأن لا يقرّها تحت ضغط المهل الداهمة قبل المؤتمر، الذي سيُعقد في أوائل نيسان المقبل”.

أضاف أبو سليمان: “ما أريد توضيحه أننا لم نضع الإصبع على الجرح”، مشيراً إلى “أنّ الخلل البنيوي في النفقات في الموازنة، بالدرجة الأولى، هو تخمة التوظيف في الدولة، ونحن نعلم أنّ الإدارة العامة هي ربّ العمل الأول في لبنان، وهنا نخشى في هذا المرحلة أن تحصل توظيفات سياسية قبل الانتخابات النيابية، فثمة محسوبيّات وكما نعلم نحن اليوم على مشارف انتخابات نيابية، بالتالي ممثلو الأمة أغلبيتهم من المرشحين إلى دورة 2018، ومن غير الممكن، بطبيعة الحال، أنّ يجعلوا الشعب ينقم عليهم.

في الدرجة الثانية، يأتي “التنتيع” أو المناكفات السياسية، خصوصاً في موضوع مؤسسة كهرباء لبنان، حيث كلّفت الدولة عجزاً بلغ حتى الآن أكثر من 38 مليار دولار، وهذا دليل قاطع على وجود خلل بنيوي”.

وتابع أبو سليمان: “هم يدفعون كلّ عام سلفة، أو تغطية من الدولة، التي ستسجّل على أنّها دين وعجز على الدولة اللبنانية، لكنهم لطفوها من خلال بعض “المكياج”، إن صحّ التعبير، وهذا يذكّر باليونان، وهنا لا أشبّه لبنان باليونان، لكنني أقارب الموضوع فقط من ناحية عدم إدراج الأرقام بشفافية تامّة ما أنتج الأزمة الشهيرة”.

وتابع أبو سليمان “أنّ مشكلة الكهرباء اليوم ليست في البواخر والمعامل، فنحن إذا أردنا إنشاء معامل فإنها تحتاج على الأقلّ ما بين 6 إلى 8 أشهر أو أكثر، وما نحتاجه اليوم هو حلّ آني لا يرتّب على المواطن دفع فاتورتَي كهرباء، ويخفّف، في الوقت نفسه، هذه المصاريف على الخزينة وعن  كاهل الدولة”.

 

مافيات المولّدات

كما تطرق أبو سليمان إلى حديث رئيس الحكومة عن مافيات المولّدات، وقال: “نحن كتبنا عن هذا الموضوع في 2011 و 2012، وتكلّمنا عن هذا القطاع الذي كان يحقق ما بين المليار ونصف والملياري دولار، وتطرّقنا إلى انعدام العدالة الاجتماعية لأنّ أصحاب المولّدات لا يدفعون الضرائب مثل المؤسّسات، وليس لديهم موظفون مسجّلون في الضمان الاجتماعي وليس لهم أيّ إطار قانوني، لذلك يجب فرض ضريبة عليهم من دون قوننة أعمالهم، وإذا كنا نتكلم عن قطاع يفوق حجمه السنوي الملياري دولار، فعلى الأقلّ يمكننا أن ندخل إلى الخزينة العامة أكثر من 300 مليون دولار سنوياً إذا فرضنا ضريبة على هذا القطاع بنسبة 15%، وبالتالي نكون قد أضفنا إلى واردات الخزينة مبلغاً لا بأس به”.

أما على صعيد خدمة الدين، فرأى أبو سليمان “أنّ وضع الدولة اللبنانية هو كالشخص الذي يقترض من المرابي، أيّ أنه يدفع الفوائد من دون أن يكون قادراً على ردّ الأساس. ولذلك أصبح نحو 75% ثابتة من نفقاتنا ثابتاً، بين خدمة الدين العام والرواتب وعجز الكهرباء. ولكن نحن نستطيع التعاطي مع الدائنين من موقع قوّة ونفاوضهم على تخفيض فوائد الدين العام، وإذا اعتبرنا أن ديننا العام وصل إلى أكثر من 80 مليار دولار فإنّ كلّ تخفيض بنسبة 1% على الفوائد يعني أننا نخفض حجم هذه الفوائد أكثر من 800 مليون دولار سنوياً فكيف إذا استطعنا تخفيض الفوائد بنسبة 2 أو 3 في المئة؟

 

لخصخصة إدارة الكهرباء وليس القطاع

وبالعودة إلى ملف الكهرباء، رأى أبو سليمان أنّ الحلّ هو في “خصخصة الإدارة وليس القطاع، إذا كانت المشكلة في البواخر”. وقال: “اسمحوا للشركة الخارجية بأن تنشئ معامل، تماماً كشركتي الاتصالات “ألفا” و”تاتش”، وهذا نموذج ناجح في الدولة اللبنانية، وعلى الأقلّ يحقق مبالغ طائلة للخزينة العامة سنوياً. فلماذا لا نكرّر هذه التجربة في قطاع الكهرباء؟ كما لا بدّ من “وضع حدّ للتوظيف السياسي والحشو في إدارة الكهرباء، وتحسين الجباية”، موضحاً “أنّ أيّ شركة خاصة مبتغاها الأول هو الربح، فلا أحد ينشئ شركة كي يخسر إلّا اذا كانت هناك شبهات”!

أضاف: “أمّأ في موضوع التوظيف، فأعطوا أصحاب الحقّ حقّهم لكن حاسبوهم على الإنتاجية، فنحن، كشعب لبناني، لسنا قادرين على تحمُّل المزيد، فديون اليوم التي هي ضرائب الغد، ولا نحتمل تخمة في الوظائف، وأناساً تسجّل أنها حضرت إلى الدوام لكنها غير منتجة”.

ورداً على التذكير بما قام به الرئيس رفيق الحريري في مؤتمر “باريس 2″ حين أقنع المصارف بأن تكتتب بسندات الخزينة بقيمة أربعة مليارات دولار من دون فوائد، رأى أبو سليمان أنّ هذا الأمر من الممكن أن يتكرّر اليوم، لأنّ القطاع المصرفي هو من أعمدة الاقتصاد وركيزة أساسية، وهو إضافة إلى ذلك يحقّق أرباحاً، ولا بأس إذا ساهم، نوعاً ما، في تخفيف الأعباء عن كاهل الخزينة العامة”.

ورأى أبو سليمان في إقفال الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم “مؤشراً مخيفاً، والمعروف أنّ المؤشر الأول في الاقتصاد هو البطالة، والتحدّي يكمن في كيفية مواجهة مشكلة البطالة، لأننا اليوم مع إقفال هذه الشركات أصبحنا أمام مشكلة حقيقية”.

 

الضرائب تأسر الاقتصاد

أضاف: “إذا أرادوا اليوم الاستمرارية في فرض ضرائب غير مباشرة على المواطن اللبناني فهم يأسرون الاقتصاد لأنّ القدرة الشرائية سوف تنخفض كثيراً، الأمر الذي بدأ يتجلّى في تجميد القروض السكنيّة”.

وأشار أبو سليمان إلى “أنّ الوضع الاقنصادي كان في السابق مهملاً لكنه أصبح اليوم أولوية”، مذكّراً بما جاء على لسان وزير المالية علي حسن خليل قبيل إرسال مشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء بأنّ “وضعنا خطير”. وقال أبو سليمان: “إذاً لم تكن هناك إصلاحات لن تكون هناك قروض ميسّرة تنهض بالوضع الاقتصادي والمالي في البلاد”.

 

النفط والغاز

وختم أبو سليمان حديثه لموقعنا بالتشديد على “أنّ ملف النفط والغاز مهمّ جداً، خصوصاً أننا سنصبح دولة نفطية، إنما لا يمكن أن نعرف قبل سنتين أو ثلاث سنوات كم ستكون الأسعار العالمية للغاز والنفط، لأننا نعلم أنّه باتت هناك طاقة بديلة، وانخفضت أسعار النفط عالمياً، وبالتالي يجب معرفة كم سيكلّف استخراج النفط، بحسب ما أقرّينا في المراسيم، لذلك لا يجب أن يكون الاتكال على النفط  فقط، بل إنّ المسألة تحتاج إلى دعم قطاعات أخرى وتطويرها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى