بيروت: الصوت السنّي مُشتَّت… والثنائي الشيعي يتصدّى لحماية المناصفة
لينا فخر الدين - الاخبار

منذ أن حدّد وزير الدّاخلية والبلديّات، أحمد الحجّار، موعد الانتخابات البلديّة والاختياريّة، بدأت حملة التهويل خشية «تطيير» المُناصفة في بيروت. وقامت «فزعة مسيحيّة» على مواقع التّواصل الاجتماعي، ومثلها في الصّالونات السياسيّة بهدف «فرض» المناصفة عبر اللوائح المغلقة، قبل أن «تنصهر» جميع القوى السياسيّة في لائحة واحدة بعدما وضعت خلافاتها السياسيّة «on hold» بهدف حفظ عُرف المناصفة.
وعليه، لم يجد «حزب الله» حرجاً في حمل مندوبيه لوائح خطّ عليها اسم مرشّحي حزب «القوّات اللبنانيّة»، كما لم يجد النّائب نديم الجميّل حلاً لتبرير تحالفه مع «الثنائي» إلا على الطريقة «الميكافيليّة» بإشارته إلى أنّ «التحالفات في الانتخابات البلدية في بيروت لن تكون في النيابية، وهدفنا هو تأمين المناصفة والعمل من أجل بيروت». كلام الجميّل يظهر تقصّد حزبَي «القوات» و«الكتائب» عدم تواصلهما مع «حزب الله» من أجل ضمان تجيير أصوات قواعدهما الشعبية لصالح اللائحة الائتلافيّة.
هكذا اجتمع الخصوم تحت خيمة المناصفة، من دون أن يخرج المشهد العام في بيروت عن السياق الاعتيادي للعاصمة التي سجّلت نسبة اقتراعٍ مشابهة لما سجّلته في عام 2016 (20.14 %) مع فارق بسيط لم يتعدّ الـ1% هذه المرّة بوصول النسبة إلى نحو 21%.
نجحت الأحزاب المسيحية في
حشد قوّتها لصالح «بيروت بتجمعنا»
ومع ذلك لم تنجح الأحزاب المسيحيّة في جعل قضيّتها الأُم عنواناً جذاباً لدى جمهورها، بعدما أظهرت نسب الاقتراع أمس، تقاربها مع نسب الاقتراع في عام 2016 رغم تغيّر عنوان المرحلتين.
ولكن مع وجود اختلافين: الأوّل أنّ مزاج النّاخب المسيحي في الدّورة الماضية كان موجّهاً لصالح لائحة «بيروت مدينتي» التي حصدت نحو 60% من أصوات المقترعين ليختلف الوضع أمس مع قدرة الأحزاب المسيحيّة في توجيه البوصلة لصالح لائحة «بيروت بتجمعنا»، إذ أثبتت النتائج الأوليّة في العديد من مراكز الاقتراع «اكتساحها» للصناديق.
أمّا الاختلاف الثاني فهو ارتفاع عدد الناخبين الأرمن عمّا كان عليه في عام 2016، بوصول العدد إلى أكثر من 5 آلاف و500، فيما تردّد عن قدرة حزب «الطاشناق» في تجيير «البلوك الأرمني» لصالح «بيروت بتجمعنا»، وذلك من دون أن تكون للنائبة بولا يعقوبيان قدرة على الاستحواذ على الصوت الأرمني لصالح «بيروت مدينتي». يُذكر أن استنفار «الطاشناق» كان مرتبطاً بمعركة المخاتير بعد تحالف مع «جمعية المشاريع الخيريّة الإسلاميّة» ما انعكس إقبالاً على المعركة البلديّة.
«الثنائي» حماة المناصفة
في المقابل، تعامل الثنائي «حزب الله» و «أمل» على قاعدة أنّهما «حماة المناصفة» عبر «بلوك شيعي» بلغ مداه عند ساعات بعد الظّهر (وذلك بعدما تأكّد تشتت الصوت السنّي)، ليصل إلى نحو 19 ألف ناخب، صبّ بغالبيّته الساحقة في صالح «بيروت بتجمعنا». وبذلك، كان الثنائي يلعب دور الرئيس رفيق الحريري، لإثبات أنّه الوحيد القادر على حماية المسيحيين والأقليّات بعده.
«الثنائي» تعامل مع الاستحقاق من دون عمليّات استنفار عام، بل على طريقة الاكتفاء بـ«الحواضر» مركّزاً على الناخبين القاطنين قرب العاصمة بهدف الوصول إلى رقمٍ يضمن المناصفة من دون الضغط على ماكيناته الانتخابيّة واستنزافها مادياً ومعنوياً قبل عام من الاستحقاق النيابي. ومع ذلك، كانت ماكينة «حزب الله» الأكثر حضوراً على صعيد تأمين النقل من بيروت وخارجها عبر نقطتين في بشارة الخوري والبسطة.
ورغم الخشية من عمليّات تشطيب متبادلة بين الأحزاب المسيحيّة و«الثنائي»، إلا أن عمليّات الفرز الأوليّة داخل الأقلام التي يغلب عليها الناخبون الشيعة أو المسيحيون، دلّت على تقارب الأرقام بين المرشحين بما يثبت التزام الطرفين بكامل أعضاء اللائحة، وهو ما أدّى أن يحل المرشحون الشيعة في المراتب الثلاث الأولى داخل المراكز المسيحية، كما صبّ «البلوك الدرزي»، بإيعازٍ من «الحزب التقدمي الاشتراكي» في صالح لائحة «بيروت بتجمعنا».
الصوت السنّي لـ«بيروت بتحبك»
الجو الطاغي لصالح «بيروت بتجمعنا» في الأقلام المسيحيّة والشيعيّة، انقلب في الأقلام السنّية. وقد ساهم غياب القيادة السياسيّة المتمثّلة بالرئيس سعد الحريري، في تشتّت الصوت السنّي، وهو ما لم يحصل منذ عام 1998، حينما كان الرئيس رفيق الحريري، ومن بعده ابنه الرئيس سعد، قادريْن على «دوزنة» الشارع السنّي وضمان المناصفة من دون جهدٍ يُذكر.
هذا الغياب أدّى إلى ضياع في الشارع السنّي من خارج «البلوكات الحزبية» والذي كان بغالبيّته يعمد إلى تشكيل «لوائح منزليّة» تتضمّن أسماء من جميع اللوائح، وهو ما فعلته العديد من الجمعيّات الإسلاميّة، من دون أن ينسحب ذلك إلى ما كان يسوّق عن إمكانيّة اختيار الناخب السنّي لـ24 سنياً، وهو ما تبدّى لدى الجمعيات الإسلامية المتشدّدة التي احترمت المناصفة في «خليطها».
فيما تمكّنت لائحة «بيروت بتحبك» برئاسة العميد المتقاعد محمود الجمل مدعوماً من النائب نبيل بدر و«الجماعة الإسلاميّة» من «أكل» الجو السنّي، وهو ما تبدّى على الأرض وفي ارتفاع نسب الاقتراع في بعض الأقلام كما حصل في المزرعة، وفي الصناديق التي أشارت عمليّات الفرز الأولية فيها إلى تقدّم كبير لصالح لائحة «بيروت بتحبّك».
وذلك، بعدما تمكّنت اللائحة من ترشيح شخصيات لها حيثيتها الشعبية، إضافةً إلى قدرتها على استمالة المفاتيح الانتخابيّة التي كانت تدور في فلك «المستقبل»، وقدرتها على تسويق خطابها داخل الشارع السنّي. وعلى مدى الأيام الماضية، كانت لائحة «بيروت بتحبك» تتنقّل بين الأزقّة وتدخل إلى كلّ زاروب منسيّ منذ عهد رفيق الحريري. وأثبتت اللائحة قدرتها على استيعاب الشارع القريب من تيار «المستقبل»، وعمدت إلى استخدام خطابات الرئيس رفيق الحريري نفسه، من دون استفزاز الجمهور الأزرق بزعامةٍ مفتعلة – إلغائية، على طريقة النائب فؤاد مخزومي.
«المستقبل» خلف بدر؟
لكنّ المعركة لم تخلُ من حملات استهداف لائحة الجمل، بعد سلسلة شائعات وأخبار تفيد عن دعمٍ واضح نالته من قبل «المستقبل» وحيث عقد الأمين العام لـ«المستقبل» أحمد الحريري اجتماعات عدة للحث على انتخاب «بيروت بتحبّك»، وتشغيل ماكينة «المستقبل» في مقر التيار في محلة القنطاري، بإشراف صالح فروخ وخالد شهاب لشدّ العصب لصالح الجمل، إضافةً إلى وجود محسوبين على الحريري داخل مراكز الاقتراع.
«المستقبليون» ينفون تدخّلهم، وهم يشيرون إلى أنّ أحمد الحريري وصل إلى بيروت خلال السّاعات الماضية من دون أن يتدخّل في اللعبة الانتخابيّة، بينما تمكّن الجمل من استقطاب رموز «التيّار الأزرق» باعتباره كان منسّقاً عاماً للتيّار على مدى سنوات طويلة، وقربه من الشارع البيروتي وخدماته فيه.
وإلى الحيثيّة البيروتية التي يملكها الجمل وبدر، فإنّ «الجماعة الإسلاميّة» شغّلت أيضاً ماكينتها الانتخابية، وكانت من القلّة الذين ركّزوا على نقل الناخبين الموجودين خارج بيروت ووزّعت أرقام هواتف مندوبيها على الناخبين، علماً أنّ عدد المندوبين لم يكن كبيراً، إذ تمّ تعميم رقم هاتف شخص واحد مهمّته النقل في كلّ منطقة.
«المشاريع»: ماكينة لا تهدأ
على المقلب الآخر، طغت ماكينة «المشاريع» على جميع الماكينات؛ حضر مندوبوها في الأشرفية والمدور والرميل وعائشة بكّار وطريق الجديدة وفردان وزقاق البلاط والحمرا… شبّان وشابات يوزّعون لوائح «بيروت بتجمعنا» إلى جانب مندوبين لا يهدأون داخل مراكز الاقتراع وعند محطّات النقل التي تقلّ الناخبين، إضافةً إلى خلايا نحل داخل المكاتب تُحدّث الأرقام بالدقيقة والثانية.
الماكينة الانتخابية التي يُشرف عليها مسؤولها، القيادي أحمد دبّاغ، تأسّست بطريقة أشبه بـ«hand made» كي تراعي الواقع اللبناني وأزقته، بعدما تمّ تحديثها خلال السنوات السابقة والاستفادة من تجربة الانتخابات في طرابلس، وهو ما دفع لجنة القيد العليا إلى استخدام نموذج «المشاريع» للفرز، تماماً كما كانت ماكينتها مرجعاً لوزارة الدّاخلية في الانتخابات الماضية!
ويتردّد أنّ ماكينة «المشاريع» نجحت في تأمين البلوك الانتخابي التي وعدت به، بل تعدّته إلى رقمٍ يُمكّن «بيروت بتجمعنا» من تعديل الفارق داخل مراكز الاقتراع السنّية التي كانت تجنح نحو «بيروت بتحبّك»، وذلك رغم الحملات الممنهجة لتشطيب مرشحيها.
في المقابل، بدت ماكينة النائب فؤاد مخزومي عاجزة عن استقطاب الشارع السنّي من «يد» لائحة الجمل، كما ظهرت أشبه بماكينة قائمة على شبان وشابات من دون خبرة ويتحلّقون حول خيم حُمْر خُطّت عليها كلمة «حوار» من دون أن تتمكّن من تجيير بلوك فعلي لصالح «بيروت بتجمعنا»، ويتردّد أنّ الرقم الذي وعد به مخزومي حلفاءه على اللائحة لم يتمكّن من الوصول إليه، برغم أنه حرص على أن يكون حاضراً في المشهد الإعلامي عبر اتفاقات مع وسائل إعلام كبيرة، في محاولة لتجيير الإنجاز لمصلحته. وكما ماكينة مخزومي، كذلك كان حال ماكينة الوزير السابق محمّد شقير، والذي أدار مجموعة متخصّصة بتحديث الأرقام ليس إلا، من دون أن تتكبّد عناء الخروج من «sea side»!
المناصفة ليست بعيدة عن بيروت
بالوقائع الانتخابية الأولية، ستكون المناصفة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين محقّقة في المجلس البلدي للعاصمة. «مرّ القطوع» بتعبير الأحزاب المسيحية في بيروت. لكنّه بالوقائع أيضاً، كان من الصعب أن يتحقّق لولا رافعة الصوت الشيعي، أي القوة التجييرية للثنائي «حزب الله» و«حركة أمل»، التي صبّت في صالح لائحة ائتلاف الأحزاب، مع التزام شبه كامل بعدم التشطيب.
وتُرجم ذلك، حسب أرقام الفرز الأولية باقتراع أكثر من 19 ألف ناخب شيعي للائحة «بيروت بتجمعنا»، بنسبة اقتراع بلغت 23%، فيما بلغ عدد المقترعين المسيحيين مجتمعين (موارنة وأرمن وروم) 16400 صوت، بنسبة اقتراع 15%. أما الصوت السنّي الذي توزّع على أكثر من لائحة فسجّل اقتراع حوالي 65 ألف ناخب، أي ما نسبته 25%.
مع سقوط اقتراح تعديل قانون الانتخابات البلدية، لجهة اعتماد اللوائح المقفلة، كضمانة للمحافظة على المناصفة في بلدية بيروت، لجأت الأحزاب إلى ائتلاف واسع جمع الخصوم السياسيين، الذين لا يجمعهم شيء. وصار الضامن الحقيقي لما يسمّونه «وحدة العاصمة» هو التزام القوى المتخاصمة بالحشد، وبتوجيه ناخبيها بالالتزام الكامل بلائحة الائتلاف. ورغم أن القوى «السيادية»، ولا سيّما حزبي «القوات» و«الكتائب»، تقصّدت إظهار عدم تواصلها مع «حزب الله» من أجل ضمان تجيير أصوات قاعدته الشعبية لصالح اللائحة الجامعة. المفارقة، أنّ الناخب المسيحي، لم يشعر بالحاجة إلى بذل جهدٍ إضافي لخوض معركة جدّية، للحفاظ على ما يعتبره حقّه بالمناصفة في مقاعد بلدية بيروت، فأتت نسبة الاقتراع لديه هذا العام مشابهة لما كانت عليه في انتخابات عام 2016، دون زيادة تُذكر.
هذا السلوك الثابت للناخب المسيحي، رغم تبدّل الظرف، رأت فيه الأحزاب المسيحية من قوات وكتائب وتيار وطني حرّ وطاشناق، أنّه دلالة على عدم هلع المسيحيين، الذين طمأنهم التقاطع السياسي الواسع من جهة، وعدم اعتراضهم على هذا التحالف وإن كان مع خصوم سياسيين طالما أنّه رهان ناجح على ضمان التوازنات، بدلالة أن نسبة الاقتراع لم تتراجع.