حزب الله ومعادلة “صمت القوة”..وردعها
يوسف الصايغ - خاص دايلي ليبانون

بعد مرور ساعات على جريمة اغتيال القائد العسكري في حزب الله هيثم الطبطبائي ورفاقه سارع كيان الاحتلال للتسريب عبر الاعلام العبري ان “الذهاب نحو التصعيد في لبنان مرتبط بموقف حزب الله وحجم رده على عملية الاغتيال، وفي اليوم التالي افردت وسائل الاعلام الاميركية والعبرية صفحاتها للحديث عن خيارات الرد على عملية اغتيال القيادي الطبطبائي والتي تعتبر اول عمل أمني داخل بيروت بعد توقيع اتفاق 27 تشرين الثاني 2024.
وبالتوازي خرجت الاصوات والابواق المحلية السياسية والاعلامية لتواكب الحملة الاميركية – الاسرائيلية في تقدير حجم الرد من قبل حزب الله على اغتيال احد قادته العسكريين وللتهويل بأن أي رد سيجلب على لبنان الدمار والحرب ويشكل تهديدا للسيادة الوطنية.
والمفارقة وان هؤلاء لم يعتبروا ان الاستهداف الذي حصل في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت يشكل اعتداءً على السيادة الوطنية عبر تنفيذ جريمة اغتيال آثمة في قلب العاصمة بيروت، بل ان البعض وصلت به الأمور حد اعتبار ان ما يحصل هو مواجهة بين “اسرائيل” وحزب الله، في محاولة للايحاء بأن لا علاقة للبنان الدولة والوطن بما يجري على جزء من أرضه وضد فئة من شعبه، ما يشكل ذريعة بل “دعوة” صريحة وواضحة كي تواصل “اسرائيل” تنفيذ عمليات الاغتيال بعدما أكسبها بعض الداخل “مشروعية” لاستمرار عملياتها العدائية ضد المقاومة، خصوصا وان هناك من يراهن على “قوة اسرائيل” لانهاء المقاومة في لبنان وذلك من اجل ان “يعيشوا يومين حلوين” على حد قول احدهم بكل وقاحة ودون أدنى شعور بالخجل من اطلاق هكذا مواقف، وهي ابعد ما تكون عن مفهوم الوحدة تحت سقف وطن واحد.
وبالمقابل فإن جملة المواقف الصادرة عن قادة ومسؤولي حزب الله منذ الحظات الاولى لعملية اغتيال القائد الطبطبائي ورفاقه، اتسمت بالهدوء والعقلانية في مقاربة العدوان الذي حصل في قلب الضاحية والذي يندرج في سياق الصراع المفتوح مع “اسرائيل”، وكحلقة في مسلسل استهداف قادة المقاومة وكوادرها العسكريين والتي بدأت قبل نحو عام
مع اغتيال القيادي فؤاد شكر وما تلاها من تفجيرات لأجهزة البايجرز، وصولا الى جريمة اغتيال السيد حسن نصرالله ومن ثم اغتيال السيد هاشم صفي الدين وعدد من قادة فرقة الرضوان الى باقي القادة الذين تم استهدافهم وصولا الى جريمة اغتيال القائد الاعلامي محمد عفيف ورفاقه قبيل أيام من اعلان وقف اطلاق النار.
والواضح ان تصريحات ومواقف قادة ومسؤولي حزب الله والتي يمكن وصفها بـ”صمت القوة” اي عدم الكشف عن حجم أو شكل الرد من قبل المقاومة على الجرائم والخروقات التي يقوم بها كيان الاحتلال، ما يزيد من حجم القلق لدى دوائر القرار الاسرائيلي ويعقد مسألة الحصول على سيناريوهات الرد المتوقعة من قبل حزب الله، بالمقابل يؤكد الحزب على لسان مسؤوليه بأنه يتصرف من منطلق المصلحة الوطنية والذي يترجم من خلال التزام الحزب باتفاق 27 تشرين الثاني 2024 وعدم اطلاق رصاصة واحدة حتى الان، رغم آلاف الخروقات الاسرائيلية لإتفاق وقف اطلاق النار من جهة، ومئات عمليات الاغتيال لمواطنين لبنانيين في الجنوب وبيروت والبقاع من جهة ثانية.
ومن خلال هذا الموقف يبدو واضحا ان هناك معادلة جديدة نجح حزب الله في إرسائها بمواجهة اعتداءات اسرائيل وخروقاتها المتواصلة من خلال معادلة “صمت القوة” التي تضع “اسرائيل” في دائرة عدم اليقين وانتظار “الرد المجهول”، بينما حزب الله بات هو من يحدد إطار وحجم الرد الذي يراه متناسقاً ومتوافقا مع مقتضيات المصلحة الوطنية رغم انه لم يطلق رصاصة او صاروخا واحدا، وهذا ما يشكل جزءا من “ردع القوة” وفق المفهوم الاستراتيجي، بعيدا عن لغة التكهنات والنظريات التي تطلق من هنا وهناك دون أي أسس عملية، بل بهدف التشويش السياسي والتي تصب في خدمة سردية العدو ، علما ان اسرائيل اكتر المتيقنين من حجم وقدرة حزب الله على الرد على الاعتداءات، ولولا هذا اليقين لم تكن “اسرائيل” لتمارس عبر واشنطن و”حلفائها العرب” كل هذا الضغط على لبنان وجيشه، من اجل تنفيذ خطة “حصر السلاح” التي تريده شماعة لاستكمال مشروعها التوسعي في المنطقة، لا سيما بعد سقوط الدولة في سوريا وبدء السيطرة على الجنوب السوري ضمن ما تسميه تل أبيب بـ”الأمن السيادي”، والذي يتطلب إنشاء مناطق عازلة في الجنوبين اللبناني والسوري.




