
تعلّمنا من زمن السيد أنّ الترفّع عن النقاش حين يتحوّل إلى سجال عبثي قوة لا يمتلكها أصحاب الحجج الضعيفة، فهؤلاء يبرعون بالصراخ واختراع المعارك الوهمية بمنأى عن المنطق وآداب التخاطب.
حين نعتمد تجاهل الصراخ هذا لا يعني أننا بلا صوت وضعفاء إنما نحن أكبر من زواريب السياسة الضيقة والمواقف المعلّبة وفق توجيهات غرف الاستعمار السوداء التي توزع الأدوار على من تشغلهم وتلقنهم الكلام الذي بات ممجوجاً من كثرة تكراره.
أمس، أشعلت بيروت شمعة الذكرى 43 لعملية الويمبي ولم تزل زاوية الشارع شاهدة على صدى الطلقات التي أسّست لخروج المحتلّ من عاصمتنا، هذه العاصمة التي ينبت بين مفاصل حجارتها العزّ المقترن بالمقاومة، العاصمة التي لم ينل منها العدو ومَن يهلّل له ولم ينتظر أهلها بيانات الاستنكار والإدانة بل اتكّلوا على سواعدهم منذ الطلقة الأولى…
بيروت وبحرها وشوارعها وشرفات بيوتها العتيقة أكبر من جوقة المطبّلين الذين يريدون صبّ الزيت على نار الشرذمة، أجل انها أكبر من جوقة من حملتهم الصدف إلى موقع ما، فظنّوا أنهم يمثلون الناس فيما هم لا يملكون المقدرة على تمثيل أنفسهم. بيروت الناس والأهل والأحبة والشعب العنيد، شعب زياد الرحباني ورفقاء خالد علوان ونواطير المفاتيح في أغنيات فيروز ومن يعرف هؤلاء يدرك أنّ هناك أجيالاً حفظت التاريخ جيداً وتعرف كيف تصون الإنجازات وكيف تجاهر بالولاء للنهج المقاوم…
وبعد فإنّ بيروت بكلّ ما تختزنه من بأس وثبات قادرة على تطويع الزمن ليكون كما يجب أن يكون ولون الأزرق فيها ينتظر إشراقة الثغر الباسم حين تضاء الصخرة مساء اليوم بصورة حُفِرت في القلوب وما خفقات القلوب إلا محيط يبتلع الغلّ والحقد الذي يشبه الطحالب الضارّة وقد يرتدّ إلى نفوس من نطق بالكفر وهو يعلم ذلك ولأنه لا يستحق عناء الجدل ليبقى حيث اختار متعلقاً بالصدف، صارخاً، فيما قافلة الحق تسير على العهد حتى التحرير الكامل…