الرئيسيةمجتمع ومنوعات

مياه صرف صحي في آبار الضاحية الجنوبية

فؤاد بزي - الأخبار

يوماً بعد آخر، تتكشّف فداحة أضرار الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وآخر فصولها ظهور تلوّث مياه عدد من الآبار الجوفية في الضاحية الجنوبية بمياه الصرف الصحي. فقد أدّى القصف العنيف إلى خلخلة البنية التحتية في الشوارع والأبنية المتضررة، بما فيها مجاري مياه الصرف الصحي. وبسبب قربها من الآبار الجوفية، تسرّبت المياه الملوّثة من فتحات المضخات، فحوّلت بعض الآبار إلى ما يشبه «جوَر» الصرف الصحي.

لم يتحوّل تسرّب مياه الصرف الصحي إلى الآبار في الضاحية الجنوبية إلى ظاهرة شاملة بعد، إلا أنّ هذا النوع من الحوادث تكرّر في مناطق عدة تعرّضت لقصف مكثّف ومركّز دمّر البنية التحتية بالكامل. ففي المريجة، وحارة حريك، وحي الجامعة، أبلغ عدد من السكان عن ظهور حالات صحية استدعت تدخلاً طبياً، مثل الإسهال والأمراض الجلدية. وفي أحد الأبنية، تكرّرت حالات الإسهال لدى عدد كبير من الأطفال، ما دفع الأهالي إلى طلب إجراء فحوصات مخبرية على مياه البئر المخصّصة للخدمة المنزلية. وأظهرت التحاليل تلوّث المياه ووجود كميات من البكتيريا الموجودة في البراز، و «وجود هذا النوع من البكتيريا تأكيد على تسرّب لمياه الصرف الصحي إلى الآبار»، بحسب المتخصّصة في جودة ومعالجة المياه رنا شهاب.

والأمر لا يرتبط فقط بالحرب، إذ إن فيضان مياه المجارير في الشوارع يؤدي إلى اختلاط الماء الملوّث بمياه الاستخدام المنزلي، كما يتسبب غياب صيانة مجاري مياه الصرف الصحي بالمشكلة ذاتها. ولكن، وفقاً لدراسات شهاب الميدانية، تكرّرت هذه الحالة بعد الحرب، وارتبطت بالمناطق التي تعرّضت للقصف. وتضيف: «لا يمكن الإجابة عن سؤال تلوّث من عدمه إلا من خلال الفحوصات المخبرية لماء الآبار، إذ لا يفيد التفقّد بالنظر. على سبيل المثال، يحتمل تضرّر الحاجز الرملي تحت الأرض بين البئر ومجاري الصرف الصحي، وهذا لن يظهر عند المعاينة من فوق الأرض».

بيّنت الفحوصات أنّ مياه بعض الآبار ملوّثة وتحتوي على كميات من البكتيريا الموجودة في البراز

ومن خلال تحاليل المياه في عدد من الأبنية، لفتت شهاب إلى «تحوّل مياه آبار إلى ما يشبه جور صرف صحي لجهة نوعية الماء فيها، إذ أثبتت الفحوصات وجود تركيز عالٍ لبكتيريا القولونيات البرازية».

وبسبب تأخر عودة الأهالي إلى هذه المناطق المنكوبة إلى حين الانتهاء من أعمال الترميم الأساسية، لم تكتشف مشكلة تسرّب مياه الصرف الصحي إلى الآبار مبكراً. وهنا، تؤكّد شهاب أنّه «في بعض المناطق أعيد ترميم الطرقات، وأُصلحت المجاري المتضرّرة، إنّما في حال وقع الضرر على الأنابيب في الأبنية، ومع تخلخل الحواجز الرملية، يبقى خطر تسرّب مياه الصرف الصحي إلى الآبار موجوداً».

وللمعالجة، «قطعاً لا تُستخدم مركّبات الكلور وحدها»، تقول شهاب، إذ تحذّر من «الاستخدام العشوائي لهذه المواد الكيميائية، لأنّها تنتج مركّبات ثانوية بعد إضافتها إلى المياه، لا تقلّ خطراً عن البكتيريا الموجودة في الماء بفعل تسرّب الصرف الصحي». فتركيز الكلور في المياه، بحسب شهاب، «يجب أن لا يزيد عن 0.5 ملّيغرام في كلّ ليتر، والزيادة العشوائية تؤدي إلى تخطي هذه النسبة عادةً».

لذا، ترى شهاب الحلّ الأفضل في «تركيب أنظمة فلترة مركزية لمياه الخدمة المنزلية في الأبنية». وتقوم هذه الأنظمة بـ«عملية تنقية مركّبة للمياه عبر عدد من الفلاتر الرملية والكربونية». ومن ثمّ، يضاف الكلور، وبكميات مدروسة، على الماء المعالج لضمان عدم بقاء أي أثر للبكتيريا في المياه.

ولكن، تقارب تكلفة نظام الفلترة لبناء مؤلّف من 12 شقة حوالي 3 آلاف دولار، فضلاً عن تكلفة أعمال السباكة لتركيب شبكة مياه جديدة للمبنى. أما تكلفة النظام لمنزل واحد، فتصل إلى قرابة 600 دولار. وهنا، تشير شهاب إلى أنّه من الأجدى مادياً أن يتفق سكان المبنى على تركيب نظام مشترك للمبنى بأكمله، إذ يمكن حينها تقسيم التكلفة على كلّ الوحدات السكنية، ما يخفّف من العبء المادي، ولا تتخطى التكلفة المادية لكلّ منزل عتبة 250 دولاراً، تُدفع لمرّة واحدة. ومن ثمّ يدفع كلّ منزل 20 دولاراً سنوياً لصيانة النظام بأكمله.

لبنان على عتبة انتشار الأمراض المنقولة بالمياه
أكّد قطاع «WASH» المسؤول عن المياه والنظافة والتعقيم، والذي يضم عدداً من المنظمات الدولية مثل الـ«يونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية، أنّ «لبنان يقع في دائرة خطر انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا وفيروس الكبد الوبائي أ وفيروس الروتا». وأعاد القطاع السبب في وضع لبنان في دائرة الخطر إلى الجفاف الذي أدّى إلى «ضغوط غير مسبوقة على موارد المياه». إذ واصلت مستويات الخزانات والمياه الجوفية الانخفاض، وبسبب الاعتداءات الإسرائيلية تعطلت شبكات المياه العامة في المناطق المستهدفة، ما دفع الناس للاعتماد بشكل متزايد على مصادر مياه غير آمنة.
لذا، وضعت «WASH» خريطة للمناطق الأكثر تعرضاً لخطر انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، وتبيّن أنّ المناطق حيث الكثافة السكانية المرتفعة هي الأكثر عرضة، مثل الضاحية الجنوبية، صيدا، صور، طرابلس، وعكار. واعتبرت أنّ خريطتها المحدّثة لعام 2025، هي «أداة استشرافية للإنذار المبكر». ولا تقتصر على تحديد المناطق العالية الخطورة حالياً فحسب، بل تشمل أيضاً المواقع التي يحتمل أن تصبح عالية الخطورة في الأشهر المقبلة نتيجةً لانخفاض فرص الحصول على المياه الصالحة للشرب، وارتفاع تركيز الملوثات، وزيادة الاعتماد على المصادر غير الآمنة.
ولفتت إلى أنّ «انخفاض فرص الحصول على المياه الصالحة للشرب يجبر الناس على الاعتماد على مصادر غير آمنة، مثل الآبار والأنهار والمياه المنقولة بالشاحنات». بالتالي، يمكن أن تلوث أنظمة الصرف الصحي المثقلة مياه الشرب بالمياه غير المعالجة.

حاجز تكلفة الفحوصات المخبرية
خلال عملها الميداني، أشارت المتخصّصة في جودة ومعالجة المياه رنا شهاب إلى «عدم رغبة عدد من الأشخاص في إجراء الفحوصات المخبرية للماء بسبب ارتفاع التكلفة، وعدم رغبتهم في تحمّل النفقات وحدهم». وتختلف تكلفة الفحص البكتيري للمياه من مختبر لآخر، وتراوِح من 20 دولاراً في المختبرات الخاصة، وصولاً إلى 66 دولاراً في مختبرات الجامعة اللبنانية، وهو ما عدّته شهاب مستغرباً. أما تكلفة فحص التركيبة الكيميائية للمياه، فلا تتجاوز 10 دولارات لاختبار «المواد الصلبة الذائبة، المعروف بـTDS»، وتزيد التكلفة بزيادة عدد المواد المطلوب معرفة تركيزها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى