
من يراقب تصريحات موظف الأوقاف المدعو حسن مرعب، يكاد يظن أنّ الرجل اكتشف للتو رسالة جديدة نزلت عليه، وأنّه مفوَّض عن الله تعالى بفرز العباد وتصنيفهم درجات في الإيمان! كلّما فتح فمه، انطلقت من بين أسنانه سهام التحريض ضد طائفة الموحدين الدروز ورموزها، حتى كاد يظن نفسه وصياً على مصائر الناس، ناسياً أو متناسياً أنّ القرآن الكريم – الذي يفترض أنّه يعلّمه – كان أوضح من أن يُلتفّ عليه: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، و*﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾* [الحج: 17]. أي أن مهمّة الفصل والحكم مؤجلة عند ربّ العالمين، لا عند موظفٍ يظن أنّه يجلس على كرسي القضاء السماوي مع براءة اختراع خاصة بالتحريض.
لكنّ مرعب لا يكتفي، بل يتفنّن في إثارة النعرات، وكأنّ البلاد ينقصها وقود فتنة جديدة. يفتح فمه فتخرج كلمات كأنها فتاوى سريعة التحضير من ورشة “كيف تزرع الفتنة في دقيقة واحدة”. فهل يليق بموظف منسوب إلى دار الفتوى أن يكون لسانه سيفاً يشهره في وجه مكوّن وطني عريق؟ ألا يعلم أنّ السكوت عن مثل هذا الخطاب يرقى إلى مقام الموافقة الضمنية، بل يضع دار الفتوى في موقع من يرى ولا ينكر؟ أليس الأولى أن تُسمع كلمات القرآن التي تحض على العدل والإنصاف: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8]؟
الطريف المبكي أنّ مرعب يتحدّث عن العقيدة وكأنّه يملك مفاتيح السماء، بينما لا يملك حتى مفاتيح لسانه الذي يجرّه إلى مهاوي التحريض. بدل أن ينشغل بخدمة الناس وتثقيفهم على قيم الرحمة، نراه يبدع في إشعال نار العصبيات وكأنّه يشارك في مسابقة “أفضل خطاب يثير الفوضى”. وربما يظن أنّ كل كلمة يلفظها تُحسب له حسنات، فيما الحقيقة أنّها أقرب إلى السيئات، إذ قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].
إنّ المجتمع لا يحتاج إلى واعظين من ورق يقتاتون على خطاب الكراهية، بل إلى رجال دين يقتدون بآيات التسامح: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]. فإمّا أن تُعلن دار الفتوى موقفها الواضح وتقول: هذا ليس لسانها، أو لتتحمّل وزر صمتها الذي لا يُفسَّر إلا كرضى ضمني عمّا يقترفه مرعب. والساكت عن الحقّ – كما نعلم جميعاً – ليس إلا شيطاناً أخرس.
والأخطر أنّ التمادي في هذا الخطاب التحريضي لا يقف عند حدود الكلام، بل يفتح الباب واسعاً أمام شرور الفتنة التي لا تُبقي ولا تذر، وقد حذّرنا الله تعالى بقوله: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: 25]. فالكلمة قد تتحوّل إلى شرارة، والشرارة قد تجرّ إلى حريقٍ لا يملك أحدٌ إطفاءه. فليُدرك مرعب ومن يغضّ النظر عن خطابه أنّ اللعب بالنار في زمن هشّ كهذا ليس بطولة، بل حماقة تودي بالجميع. ولعلّه آن الأوان أن يُعاد درس في “كيف لا تصبح ناطقًا رسميًا للفتنة” قبل أن يتحوّل الكلام إلى مادة لتمثيلية سوداء على مسرح الواقع.