اخبار عربية ودوليةالرئيسيةخاص دايلي ليبانون

د. هشام الأعور / اتفاق الجنوب السوري: نحو كونفدرالية الأمر الواقع وتداعيات محتملة على لبنان والمنطقة

تشير التسريبات المتداولة حول اتفاق ثلاثي غير معلن بين الولايات المتحدة وإسرائيل وسوريا إلى تحولات جذرية في جنوب سوريا، لا سيما في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، ومحافظة درعا المجاورة. ينص الاتفاق، بحسب المصادر، على منح السويداء وضعاً خاصاً أقرب إلى الكونفدرالية، بحيث تُمنع مؤسسات الدولة السورية، سواء المدنية أو العسكرية، من دخول المحافظة. ويترافق ذلك مع نزع السلاح الثقيل بشكل كامل من محافظة درعا، في خطوة قد تُعد بداية لتقسيم عملي أو إعادة تشكيل للواقع الجغرافي-السياسي في الجنوب السوري.

هذا الوضع المستجد دفع مكونات محلية في السويداء، خصوصاً من المجتمع الدرزي، إلى التحرك باتجاه الحكومة الإسرائيلية للمطالبة بفتح ممر يربط بين السويداء ومجدل شمس عبر درعا المنزوعة السلاح. ويعكس هذا التحرك حجم التغيير في المزاج السياسي المحلي، ووجود رغبة واضحة في فك الارتباط مع المركز في دمشق، سواء لأسباب أمنية أو سياسية، أو كرد فعل على سنوات من التهميش وعدم الاستجابة لمطالب الأهالي، وخصوصاً بعد الأحداث الدامية التي شهدتها السويداء مؤخراً.

في درعا، هناك أطراف محلية تتابع ما يجري في السويداء عن كثب وتبدي اهتماماً بهذا النموذج، وترى فيه مدخلاً محتملاً للخروج من حالة الفوضى والانقسام والتبعية التي تعيشها المحافظة منذ سنوات. ورغم أن هذه الفكرة لا تزال غير مكتملة من وجهة النظر الإسرائيلية، إلا أن إشارات الترحيب المحلي توحي بإمكانية توسع هذا النموذج، ما يشير إلى احتمال ولادة نظام سياسي-إداري جديد في الجنوب السوري، يختلف جذرياً عن المركزية التي حكمت البلاد لعقود.

إسرائيل من جانبها، تبدو أكثر حماسة من الأطراف الأخرى في تنفيذ هذا الاتفاق، وهي، بحسب المعلومات، مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لضمان تطبيقه، مدفوعة بعاملين أساسيين. الأول هو الضغط المتنامي من قبل الدروز في السويداء، وامتداده إلى دروز الجولان، من أجل تحقيق صيغة تضمن الحماية الذاتية والمشاركة السياسية الفاعلة بعيداً عن هيمنة النظام السوري. أما العامل الثاني فهو أن الاتفاق يحقق لإسرائيل هدفها الاستراتيجي القديم بنزع السلاح الثقيل من جنوب سوريا، وهو مطلب رفعته منذ سنوات، وتحديداً قبل مجزرة السويداء التي شكّلت نقطة تحول حاسمة في مقاربة الوضع هناك.

انعكاسات هذا الاتفاق المحتمل لا تقتصر على الداخل السوري فقط، بل تمتد إلى الساحة اللبنانية أيضاً، التي لطالما كانت متصلة عضوياً بما يجري في سوريا، خصوصاً في المناطق الحدودية ذات الامتدادات العائلية والطائفية المشتركة. وإذا ما نجح هذا النموذج في السويداء ودرعا، فقد يغري أطرافاً لبنانية بطرح صيغ مشابهة، لاسيما في ظل التآكل المستمر في مؤسسات الدولة اللبنانية، وتصاعد الدعوات الفيدرالية بشكل غير مسبوق. كما أن أي تغيير في ميزان القوى في الجنوب السوري سيؤثر حتماً على ميزان الردع بين حزب الله وإسرائيل، ويعيد خلط الأوراق العسكرية والأمنية في المنطقة الممتدة من البقاع الغربي إلى جبل الشيخ.

من حق الشعب السوري أن يعرف تفاصيل ما جرى في هذا الاتفاق، وما إذا كانت الحكومة السورية طرفاً فعلياً فيه أم مجرد جهة خضعت لإملاءات الأمر الواقع. فالتعتيم الرسمي وغياب الشفافية يزيدان من حالة الغموض، ويطرحان أسئلة كبيرة حول مستقبل الجنوب السوري ووحدة البلاد، وإذا ما كان هذا النموذج مقدمة لتكراره في أقاليم سورية أخرى ذات تركيبة اجتماعية وطائفية مميزة. إن ما يحدث اليوم في السويداء ودرعا قد لا يكون سوى بداية لمسار طويل من إعادة هيكلة الدولة السورية على أسس جديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى