المدرسة الرسميّة على شفير الانفجار.. إضرابات الأسبوع المقبل بعد تجاهال الحكومة لمطلب الرواتب
ندى عبد الرزاق - الديار

تشير التطورات الأخيرة في القطاع التعليمي الرسمي في لبنان إلى تعمّق أزمة الثقة بين الوزارات المعنية والقطاع التربوي الرسمي والقطاع العام. فالاجتماعات الرسمية، مثل تلك التي جمعت وزيري المال والتربية مع روابط التعليم، تُقدّم في الظاهر وعوداً بدراسة تعديل الرواتب، لكنها في الواقع تؤكد استبعاد أي زيادة فعلية خارج مشروع مجلس الخدمة المدنية، ما يعكس مقاربة حكومية تميل إلى الفصل بين الفئات وتفرض شروطاً قاسية على المكتسبات التاريخية للموظفين، مثل خفض نسبة التقاعد وإعادة النظر في أساسيات نظامه. هذا النهج، الذي وُلد تحت إشراف جهات دولية، لم تطّلع عليه النقابات المعنية، ما يزيد شعور الموظفين بالتهميش وعدم المساواة. في هذا السياق، قررت روابط التعليم وغيرها من نقابات القطاع العام تصعيد تحركاتها المطلبية، بدءاً من إضرابات محددة ووصولاً إلى تحركات أشد تصاعداً، في محاولة للضغط على الحكومة لضمان حقوقهم.
نقطة الصفر بدأت… تصعيد غير مسبوق!
ومن هذا المنطلق، يقول رئيس رابطة التعليم الثانوي في لبنان، جمال عمر، لـ “الديار”: “في ما يتعلق بالإضراب، كنّا متمسكين بعدم اللجوء إليه، بل ونصرّ على دعم التلميذ والمدرسة الرسمية. فقد بدأنا العام الدراسي منذ نحو ثلاثة أشهر، ووعدنا وزيرة التربية بأن نكون إلى جانبها، وقد لمسنا صدق نياتها ومؤازرتها لنا فعلاً. لذلك تجنّبنا الإضراب قدر الإمكان، لكن تجاهل مطالبنا، ولا سيما من قبل وزارة المالية والحكومة، دفعنا إلى اتخاذ قرار بتنظيم اعتصام ورفع الصوت”.
ويتابع: “نُفِّذ الإضراب يوم الخميس من الأسبوع الذي سبق الماضي، وقد كان ناجحا جدا، وتخلّلته مسيرة من ساحة بشارة الخوري إلى ساحة رياض الصلح، واختُتم باعتصام حاشد شارك فيه أكثر من 4200 أستاذ بحسب الإحصاءات. وخلاله أعلنّا خطواتنا ومطالبنا، مؤكدين أن التحركات المقبلة ستكون تصعيدية في حال لم نلمس أي تجاوب من الحكومة لتلبية مطالبنا”.
ويوضح: “نحن كأساتذة في القطاع العام نطالب بسلسلة تُنصفنا وتعيدنا إلى معاشات ما قبل عام 2019، أي قبل الأزمة. ونحن نتعامل بموضوعية وواقعية تامة، وندرك جيدا واقع البلاد بعد تمعّن طويل في الظروف. وقد نصحنا كثيرون بأن الوضع المالي لا يسمح بذلك، لذلك، وبما أن الواقع المالي في لبنان لا يتيح إقرار سلسلة في الوقت الراهن، قررنا التوجّه للمطالبة بما نسمّيه تحسين الراتب”.
لا زيادة ولا سلسلة!
ويشرح: “نحن نتقاضى اليوم رواتب تعادل 13 ضعف ما كنا نحصل عليه أيام الـ 1500، إضافة إلى بدل المثابرة الذي يوازي ما بين 10 و12 راتباً، لتصبح أجورنا الإجمالية بين 22 و25 ضعفاً. وكل ما نطالب به هو 12 ضعفاً إضافياً لنصل إلى 37 ضعفاً، لأن الرواتب تدهورت فعلياً بنحو 60 ضعفاً بعدما تجاوز سعر الدولار 90 ألف ليرة. وبناءً على هذا الانهيار في سعر الصرف، تراجعت قيمة رواتبنا 60 ضعفاً، ولذلك كنّا نطالب بسلسلة رتب ورواتب تعيدنا إلى هذا المستوى. أما حالياً فنطالب بالممكن، أي الوصول إلى 37 ضعفاً، علماً أننا نتقاضى الآن نحو 25 ضعفاً”.
ويشير: “من جهة ثانية، نؤكد أن العطايا وبدل المثابرة، التي تتراوح بين 10 و12 ضعفا وتشكل جزءا من الـ25 التي نتقاضاها، يجب أن تُحتسب ضمن صلب الراتب، لأنها حالياً تُعامل كهدايا ولا تدخل في أساس الأجر. ونحن حريصون جدًا على ألا يتقاعد الأستاذ براتب لا يتجاوز 250 أو 300 دولار”.
اللقاء لم يترجم على ارض الواقع والوعود تبخّرت!
ويكشف: “طلبنا الاجتماع بوزير المالية عبر وزيرة التربية، وبعد شهرين من الوعود، وبعد الإضراب والمسيرة، تم هذا اللقاء في مكتب وزير المالية في حضوره. كنا كروابط التعليم الثانوي والمهني والأساسي، إلى جانب وزيرة التربية ورئيسة مجلس الخدمة المدنية القاضية نسرين مشموشي، ومديرة الصرفيات رانيا دياب، ومدير عام وزارة المالية جورج معراوي. وقد وُعدنا بعد نقاشات طويلة بأنه كقطاع تربوي، وبما أننا لا نستطيع العمل بعد الظهر وذلك لأن الأستاذ ينقل عمله إلى البيت، فإنه لا يمكننا أداء أي عمل إضافي، ولذا يجب منحه شيئا مؤقتا، بينما تُقر سلسلة الرواتب وزياداتها لكل القطاع العام في السنة المقبلة”.
مجلس الوزراء لم ينظر في الرواتب قط!
ويشدد على انه: “يجوز إعطاء الأستاذ زيادة تكفي هذا العام لضمان سير العام الدراسي بسلاسة ودون إضرابات أو مشاكل. كان هذا الحديث يوم الأربعاء الماضي، وفي اليوم التالي عُقدت جلسة، علما أننا كنا نأخذ بعين الاعتبار ونقدّر أن وزير المالية لن يطرح الموضوع في مجلس الوزراء، لأن الجلسة كانت في اليوم التالي لاجتماعنا معه. وقد أعطينا فرصة حتى الأسبوع الحالي وقلنا إننا سننفذ إضرابنا يوم الخميس، أي البارحة، وإذا لمسنا أي مؤشر جدي وإيجابي في بنود مجلس الوزراء وتُلحظ رواتبنا أي على الأقل تتم مناقشتها، فلن نذهب إلى إضراب، لأننا لسنا من محبي التعطيل”.
ويبين في الختام: “عندما رأينا أن الأمور بقيت على حالها، قررنا تنفيذ الإضراب كيوم تحذيري، وماضون الأسبوع المقبل في التصعيد من خلال إضرابات واعتصامات ومظاهرات أمام وزارة المالية حصريا، لأن وزارة التربية ليست وجهتنا. بل على العكس، نقدر ما تقوم به الوزيرة ريما كرامي من أجلنا، فهي تبذل جهودا جبارة لدعم القطاع التربوي الرسمي. وحتى في الاجتماع مع الوزير ياسين جابر، شددت كرامي على ضرورة دعم الأستاذ والمدرسة الرسمية. ومن هنا، كان يجب أن نصعد، لأننا لم نلمس أي جدية، بل شهدنا تسويفا ومماطلة في أداء وزارة المالية تجاهنا. وبالتالي، سيكون يوم الاثنين يوم تدريس عادي، ومن بعده سنرى الخطوات المقبلة”.



