رسالة مفتوحة إلى طائفة الموحدين الدروز من الأب د. ميشال روحانا الأنطوني

احتار القلب بما يعبّر به عما يصيب مدينة مجدل شمس وجبل السويداء، وتجمدت الدمعة في المقلة بين لحظة أسف ولحظة رجاء. إن في تسارع الأحداث رعب لا يحتويه سوى تعقل بطولي مقدس لحقن الدماء، والحد من الفواجع وإهانة الخالق في خلقه من أطفال ورجال ونساء. نعزيكم ونواسيكم، بدعاء لا قبله ولا بعده دعاء:
لا حول ولا قوة إلا بالله الرحمن الرحيم، العلي العليم، حاكم يوم الدين… فله الكلمة الأخيرة وبيده مخارج الموت والحياة، ومن لا “يخافه” فاقد اللب والحكمة والرجاء. رحم الله كل من سقط ويسقط شهيدا أو قتيلا من أهلكم كما من أي من أهلنا في سوريا، شقيقة لبنان. وبعد،
لا بد من تنبيه كل من يعرّض وحدتكم التاريخية للانقسام، هي التي لطالما كمنت فيها قوتكم وقدرتكم على عبور الظروف والأخطار والنكبات… أقولها كمسيحي مؤمن بمن قال في تعليمه لأتباعه: “البيت الذي ينقسم على نفسه يخرب…” فلا يعود ينتظر من يخرّبه من الخارج… إذ، الوحدة والحب سواء، وصدَقَ من قال: “إنما الحب كالزُجاج كِسره لا يُلحَم”، وهكذا كِسرٌ يذلّ ويعطل الوحدة القائمة على اتزان العقل، وبُعد الرؤيا، وحسن قراءة التاريخ، وردء الجهل.
اليوم، إخوتنا الموحدون الدروز، أنتم في عين العاصفة، ولكنكم أيضا في عين الشمس، إذ بقدر ما نسي، ليس فقط الناس، إنما الكثيرون من أبنائكم وبناتكم، وحتى بعض مشايخكم، خصوصيات دوركم التاريخي ووحدتكم المذهبية والأخلاقية المكنونة في تسمية “بني معروف” سيعود ويتذكر لأن الإعلام العالمي، المتعطش للأحداث الدامية كي يفتح الملفات، ويكشف المعلومات عن شخصية وتاريخية المتقاتلين، سيفتح الأبواب المنسية من تاريخكم ويسمح بتسليط الضوء على جوهر ما انتم عليه، فيَعرفُكم من يجهلَكم، ويصحّح كل شخص من مكوّنكم المذهبي المنتشر في العالم، مسلكه الشخصي والعائلي والاجتماعي والوطني ويتأكد، أينما كان وفي أي زمان، بأن “من تساهل في الصغائر تساهل في الكبائر” وبالتالي فتَحَ باب الشر للمتربصين بكم وبمثالكم العابر للتاريخ والثقافات، وجرّ العار والويلات على بني أمه، أهله، أرضه وعرضه، وتسبب بمزلتهم.
ولكن حتى في هذا النقيض للخَير العام ما يسمح أن نرى بصيص نور في عتمت الظلمة ونقول: “ربّ ضارة نافعة”. فمن نسيَ تاريخه أو تغافل عنه ليتعظ منه للمستقبل يتآكله سرطان عالم الجهل والانحلال الأخلاقي والطمع التملّكي فيسقط في غياهب الوجود.
من يقرأ علامات الزمن، كما يقرأها حكمائكم، من خلال عين العقل العاقل، يندهش كيف أن تسليط الأنوار عليكم في مأساة جبل السويداء، سبقه تسليط كتاب مشرف على تاريخكم أصدره الصديق الدكتور هشام الأعور، الشريك في تأسيس حركة “التكاؤن” الفلسفية، “موحّدون دروز في زمن التحوّلات”. يسلط الكاتب الضوء فيه على مزايا تاريخ الموحدين الدروز وبطولاتهم ودبلوماسيّتهم على مرّ القرون وكيفية حفاظهم على وحدتهم، وحسن جيرتهم مع مواطنيهم. يا للمصادفة!
وإن احتجنا لمثلٍ صالح يعبّر عن عمق فلسفة التكاؤن وأبعادها، يكون تاريخ الموحدين الدروز. لماذا، لأنهم لطالما فضّلوا، على مر تاريخهم، كينونتهم على ملكياتهم أو أدوارهم السياسية أو تميّزهم السلطوي. وها هو السلطان الأطرش الذي لا يمكن لتاريخ سوريا شعبا ودولة أن ينكر دوره في تأسيس الكيان السوري العربي واستقلاله يتخلى عن دولة درزية حاول المستعمر أن يغرّه بها لأن السلطان العاقل علم بحكمته أن القوة الحقيقية بوجه العدو والمستعمر هي في الوحدة مع من يتشاركون الإيمان نفسه، واللغة نفسها، والقيم والأخلاق غير القابلة للنقاش. ولا يصح، تحت أي ذريعة، القبول بالحرية والسيادة بالـ “مفرَّق”.
إن الوحدة القائمة على اللغة والدين، والقيم المشتركة، هي أشد ما يخشاه المستعمر، والكل يعرف بالتأكيد بأن اوليات المخاطر التي كان على الكيان الصهيوني أن يزيلها من درب تأسيس دولة لليهود على الأراضي الفلسطينية هي تلك الروابط المقدسة. أما بات واضحا بأن إسرائيل زُرعت في هذا الشرق الغني بالبترول، الطاقة الأساسية في التسابق بين الدول الصناعية، لتتحول فيما بعد إلى داء سرطاني بين الشعوب العربية تفتت، تماما كما السرطان، كل خلية تتوحّد مع جارتها لا بل تقسِّم كل خلية على نفسها إلى خلايا. أليس هذا ما هو عليه داء السرطان؟ أو نستغرب كل ما نراه منذ 11 أيلول 2001 وقد وصفه العبقري زياد الرحباني بالـ “فيلم أمريكي الطويل” وأكمله العبقري الآخر، بيار صادق، في كاريكاتور البُرجين المهدمين: “وطويل جدًا، إخراج وإنتاج امريكي”؟ (والمقصود هنا صهيوني)، أليس من العجب ان نحلل أسباب أي خلاف بين الدول العربية ومكوناتها ، وحتى أجزاء مكوناتها كالشعب الفلسطيني، والعلويين، وكسكان السويداء اليوم، على كافة تنوعهم، خارجا عن الدهاء الصهيوني-الإسرائيلي بقيادة النتن يياهو ولفيفيه، أجهزة الوساد وحلفائها؟