«أنصار السنّة» تتحدّى الشرع الأجانب يعزّزون حضورهم… والنزيف يشتدّ
عامر علي - الأخبار

بينما يُنتظر أن تقدّم اللجنة الخاصة بالتحقيق في مجازر الساحل السوري تقريرها النهائي إلى العلن، علماً أن الموعد الأخير لتقديمه هو العاشر من تموز الجاري، وعلى وقع الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق، تظهر التطورات الميدانية استمراراً لجرائم القتل والخطف في الساحل السوري، في وقت وجهّ فيه فصيل متشدّد تبنّى الهجوم على الكنيسة تهديدات جديدة ضد المسيحيين.
وجاءت التهديدات الجديدة، الصادرة عن فصيل «سرايا أنصار السنّة»، وهو فصيل ناشئ يعلن باستمرار عن تنفيذ عمليات قتل على خلفية طائفية ودينية، وتعتبره السلطات الجديدة «فصيلاً وهمياً»، بالتزامن مع إعلان الأخير عن هيكليته القيادية، والتي ضمّت أسماء مستعارة، بدا واضحاً فيها تأثّر الفصيل بتنظيم «داعش»، على الرغم من نفي الأوّل أي ارتباط بالثاني.
وتضمّنت الهيكلية الجديدة، والتي تناولت الجانب الإعلامي بشكل خاص، وفقاً للبيان، تعيين شخص يحمل اسم «أبو محمد القرشي» أميراً على الجناح الإعلامي، علماً أن التنظيم استخدم لقب «القرشي» أكثر من مرة، في محاولة لإعطاء قادته وزناً إضافياً عبر ربطه بقبيلة قريش. كما تبنّى الفصيل، في بيانه، أربع مؤسسات إعلامية لتكون ناطقة باسمه، وهي «العاديات»، «دابق»، «صحيفة الشام»، ومؤسسة «اليقين» المختصة بالقسم الشرعي الذي يتمّ من خلاله تقديم فتاوى تبيح عمليات القتل والتهجير.
وبعد فترة طويلة من تحاشي الاصطدام المباشر مع السلطات الجديدة، صعّد الفصيل من لهجته الإعلامية، ساخراً من الرواية الرسمية التي حمّلت تنظيم «داعش» مسؤولية هجوم كنيسة مار إلياس، ومؤكّداً وقوفه خلف العملية. كما قام بتوجيه تهديدات جديدة ضد المسيحيين والعلويين والدروز، قائلاً، في بيانه، إن «ما حدث في معبدكم الهزيل، مستنقع مار إلياس، ليس سوى رسالة مفادها أن أسود السنّة متأهّبون لتحطيم أنوفكم (…) هذه الرسالة هي الشرارة التي سنشعل بها ناراً تبتلعكم، ولن تنطفئ إلا بطردكم القسري من أرضنا الطاهرة».
وعلى الرغم من شحّ المعلومات المتوافرة حول هيكلية هذه الجماعة، يبدو أنها نجحت في استقطاب المزيد من المتشدّدين، خلال الآونة الأخيرة؛ إذ فيما لا يمكن البتّ في هيكليتها الحقيقية، وجنسيات قادتها ومقاتليها، غير أن المؤكد أنها تضم عدداً من الأجانب والسوريين المتشدّدين، خصوصاً بعد أن أشارت إلى أن منفذ الهجوم على كنيسة الدويلعة في دمشق سوري الجنسية.
آخر عمليات الخطف الموثّقة وقعت ضحيتها شابة تُدعى ليزا إبراهيم
ويأتي الصعود المتزايد لـ«أنصار السنّة»، بالتزامن مع محاولات السلطات الجديدة طيّ صفحة المقاتلين الأجانب، بعدما حصلت على موافقة أميركية على ضم نحو 3500 مقاتل، معظمهم من الأويغور، إلى هيكيلية وزارة الدفاع الناشئة. غير أن آلية الدمج لتلك الفصائل بهيكلية الوزارة، فتحت الباب أمام تساؤلات عديدة حول النتيجة النهائية لها، في ظل الحفاظ على تشكيلات كل جماعة ومرجعيتها، وضمّها على وضعها الحالي تحت مسمى جديد، ما يعني تكريس الحالة الفصائلية، وتغطيتها بغطاء مؤسساتي لا أكثر، بدلاً من إذابة الجماعات عبر توزيع عناصرها على التشكيلات العسكرية الجديدة.
في غضون ذلك، تعيش المناطق الوسطى والساحلية على وقع جرائم قتل مستمرة على خلفية طائفية. وكشف تقرير جديد لـ«الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، والتي تُتهم بمحاباتها لـ«هيئة تحرير الشام» (التي تحكم سوريا حالياً بعد أن قامت بحلّ نفسها)، عن مقتل 140 شخصاً في حزيران الماضي، بينهم 10 أطفال و15 سيدة، الأمر الذي رفع عدد الضحايا إلى 2818 ضحية، 35% منهم قُتلوا في اللاذقية وطرطوس، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 50 حادثة اعتداء على مراكز حيويّة مدنيّة، فيما كانت محافظة حلب الأكثر تضرراً بتسجيلها 18 حادثة، تلتها محافظة اللاذقية بـ8 حوادث.
وبعيداً عن الإحصاءات، وتضارب الأرقام بين مؤسسة وأخرى، تكشف الأوضاع على الأرض حالة غير مسبوقة من الهشاشة الأمنية والمؤسساتية، في ظل وجود مئات المجموعات الصغيرة التي يقودها «شيوخ» (أمراء) يملكون سلطات كبيرة، يفرضون من خلالها قوانين خاصة.
وتتركّز هذه الممارسات في مناطق الأقليات، ولا سيما العلويين في الساحل، حيث يُشار إلى محاولات واضحة لإحداث تغييرات ديموغرافية قسرية، إذ تعيش هذه المناطق، والتي تنتشر فيها فصائل أجنبية أيضاً، على وقع عمليات يصفها السكان بأنها «ترهيبية»، يتخلّلها قيام الفصائل بعمليات تفتيش ومضايقات أمنية مستمرة، إلى جانب فرض حظر مسائي للتجوّل في بعض المناطق، التي تشهد استمراراً لمسلسل القتل الطائفي، وعمليات خطف للنساء، وسط مخاوف من مصير مشابه لمصير الإزيديات اللواتي خطفهن تنظيم «داعش» وقام بتحويلهن إلى جَوارٍ.
وآخر عمليات الخطف الموثّقة وقعت ضحيتها شابة تُدعى ليزا إبراهيم، قام مسلحون بخطفها بعد الاعتداء على شقيقها في ريف اللاذقية. وعلى الرغم من تعرّف الأهالي إلى أحد الخاطفين، لم تبدِ السلطات أي تحرك حقيقي حتى الآن. كذلك، شهد ريف جبلة جريمة قتل جديدة راح ضحيتها شاب تعرّض وشقيقه لإطلاق نار من قبل عناصر حاجز يتبع لفصيل تابع لوزارة الدفاع أثناء عملهما في أرضهما الزراعية.
وبعد أن خرج الأهالي بتجمعات غاضبة، أصدرت وزارة الدفاع بياناً أعلنت فيه نقل الحاجز الأمني واستبدال عناصره؛ كما أعلن قائد الشرطة العسكرية في وزارة الدفاع العميد علي الحسن، إجراء تحقيق مع عدد ممن وصفهم بـ«المشتبه بهم»، وقال إنه تمّ التعرف إلى القاتل، الذي «اعترف بقتل شخص وإصابة آخر»، بذريعة «مشاحنة سابقة بين العنصر والضحية»، الذي قال إنه تمّ تحويله إلى القضاء.