لبنان بين ضرورات المرحلة وخيارات المستقبل: قراءة علمية هادئة
ميشال طوني - كاتب و استاذ جامعي

كأحد الباحثين المسيحيين المتابعين لتطورات الوضع اللبناني، أجد أن النقاط التي طُرحت مؤخرًا حول أولوية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحماية السيادة اللبنانية تستحق نقاشًا جادًا بعيدًا عن الاصطفافات التقليدية.
لبنان، بكل مكوناته، يمر بمرحلة دقيقة تتطلب منه حسم خياراته الاستراتيجية. إن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وخصوصًا في الضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق، يثبت أن هناك مشروعًا واضحًا لإبقاء لبنان ساحة مفتوحة للتدخلات والابتزازات السياسية والعسكرية.
في ضوء التجربة التاريخية، فإن الجيش اللبناني، رغم احترامنا لدوره الوطني ومهنيته، يفتقر للإمكانات العسكرية الكافية لتحرير الأراضي المحتلة أو لردع إسرائيل عن اعتداءاتها. هذه ليست مسألة اتهام أو تقصير، بل حقيقة ميدانية تم إثباتها مرارًا. من هنا، تبرز أهمية وجود مقاومة فاعلة تملأ هذا الفراغ وتحمي السيادة الوطنية.
ما طُرح من دعوة إلى عدم تقديم تنازلات للعدو، وتحفيز الدولة اللبنانية للقيام بدور دبلوماسي نشط وضاغط على القوى الكبرى، يمثل مقاربة عقلانية لفهم موازين القوى. التجربة أثبتت أن الحقوق لا تُستعاد بالبيانات الخجولة، بل بالمواقف الصلبة والتحركات الفاعلة على المستويين المحلي والدولي.
أما مسألة إعادة الإعمار، فإن التأخير غير المبرر في هذا الملف يعمق شعور المواطنين بالإحباط ويفتح المجال لتمييز اجتماعي خطير، وهو ما يهدد النسيج الوطني على المدى البعيد. من دون استقرار أمني وسياسي حقيقي، لن يكون هناك إعادة إعمار حقيقية، ولا تنمية مستدامة.
إن الرهان على مقاومة وطنية فاعلة، بالتكامل مع دور الجيش والدولة، هو اليوم خيار استراتيجي لحماية لبنان من مشاريع التهميش والابتلاع. وإذا أراد لبنان أن يبني مستقبله على أسس متينة، فعليه أن يحمي عناصر قوته لا أن يتخلى عنها تحت أي ضغط كان.