اقتصادالرئيسية

دينامية نيابية رقابةً وتشريعاً لمكافحة الفساد

طارق ترشيشي - الجمهورية

يحاول رئيس لجنة الاقتصاد النيابية النائب الدكتور فريد البستاني إطلاق دينامية في عمل اللجنة، تفعيلاً للعمل النيابي كما يجب أن يكون رقابةً وتشريعاً، في زمن لم يَعُد مسموحاً للدولة ومؤسساتها التلكّؤ في العمل للنهوض من الهوة السحيقة التي هي فيها أقله منذ العام 2019 وحتى اليوم.

يأمل البستاني في أن يكون ما بدأه من عمل انطلاقاً من لجنته النيابية لكشف مكامن الفساد في وزارات وإدارات، بمثابة بقعة زيت تتفشى شيئاً فشيئاً لتشمل بقية اللجان وتتحوّل ورشة كبيرة تُعيد للعمل النيابي الرقابي والتشريعي ألقه وفعاليّته في تنفيذ مشروع إعادة بناء الدولة ونهوضها على كل المستويات.

كان يمكن لهذا العمل النيابي المستجد أن يبدأ على الأقل منذ بداية المجلس النيابي الحالي الذي اختلف في تركيبته بعض الشيء عن المجالس السابقة. لكنّ تعقيدات الأزمة السياسية وتشعّباتها الداخلية والخارجية المشفوعة بالفراغَين الرئاسي والحكومي الطويلَين وصولاً إلى الحروب التي نشبت ولم تنتهِ فصولاً بعد، قد تكون حالت دون ذلك.

واليوم، بعد اكتمال عقد المؤسسات الدستورية، أُتيحت فرصة إيجابية كبرى لدخول العمل النيابي في طور من رقابة بنكهة الحداثة وروح العصر، للبدء في مكافحة الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة ويُشكّل ولا يزال أحد أبرز أسباب انهيارها. فـ«رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة»، والرقابة على مرفق تجري وراءها أُخرى، وتُحفّز الآخرين على اعتناقها، وهي تكون فعّالة إذا استهدفت المتورّطين في الفساد وهم في السلطة، وليس بعد أن يكونوا قد خرجوا منها. ليكونوا عبرةً لغيرهم.

ومن المهمّ جداً أنّ لجنة الاقتصاد النيابية برئاسة البستاني بدأت عملها الرقابي بوزارة الاقتصاد وما شاب علاقتها بشركات التأمين، من خلال الشكاوى بالإبتزاز وهدر المال العام من خلال عقود منفوخة وتسجيل مصاريف وهمية، لأنّه «إذا قرّرت معالجة فساد أو أي أزمة، من الواجب عليك أن تبدأ أولاً بالقطاع المسؤول عنه قبل أن تذهب إلى الآخرين والقطاعات الأخرى، لأنّ الفساد لم يترك أي قطاع إلّا ونخره، ما أدّى إلى هذا الانهيار المهول في مؤسسات الدولة بقطاعاتها كافة»، بحسب ما كشفت أوساط معنية بهذا المضمار لـ«الجمهورية».

والواقع أنّ وزارة الاقتصاد هي أحد الأبواب التي تُرشِد إلى كل مكامن الفساد والخلل، لأنّها ترتبط مباشرةً أو مداورةً بكل قطاعات الدولة وماليتها. إذ من خلالها يمكن كشف كل عمل غير سوي يحصل في هذه الإدارة أو تلك، وهي وزارة بأهمية وزارة المال ومصرف لبنان المركزي، المسؤولَين عن مال الدولة العام وحتى الخاص أيضاً. ولأجل ذلك كان اقتراح القانون الذي قدّمه البستاني، رئيس لجنة الاقتصاد الوطني والصناعة والتجارة والتخطيط، لمعالجة أزمة الدولة ومصرف لبنان والمودعين والمصارف والهيكلة المطلوبة لها. فالمطلوب من الدولة أن تُعيد رسملة مصرف لبنان بإعادة المال الذي استدانته منه إليه، ليُعيد بدوره رسملة المصارف المدين لها، لتُعيد الأخيرة المال إلى المودعين.

 

وفي اقتراح القانون يرى النائب البستاني أنّ عملية من هذا النوع يمكن إنجازها في خلال 5 سنوات يُعاد خلالها تكوين السيولة وإعادة تكوين الثقة بالنظام المصرفي، وهذه الأخيرة لا تتمّ إلّا بإعادة هيكلة المصارف، أي إعادة رسملة المصارف لنفسها وتوفير السيولة لردّ الودائع، وكل مصرف لا يستطيع الهيكلة يخرج من القطاع ليبقى منه بحسب التقديرات 14 إلى 15 مصرفاً فقط.

 

لهذا يُصرّ البستاني في هذا الإطار، على رفض شطب الودائع صغيرة كانت أم كبيرة. ويعتبر ذلك خطاً أحمر. ويرى أنّ على الدولة أن تُعيد المال إلى المصارف لتُعيده بدورها إلى المودعين بعيداً من أي تمييز بين مودعين صغار ومودعين كبار «فالمودعون الصغار مستهلكون ويحتاجون إلى أموالهم للعيش ولتسديد ديونهم، أمّا المودعون الكبار فهم مستثمرون يُحرِّكون عجلة الإقتصاد». وهذه هي الركيزة الأساسية لطرح البستاني، وانطلاقاً منها سيخوض النقاش التشريعي في المرحلة المقبلة.

رئيس لجنة الإقتصاد النيابية الذي يعمل على فتح كل الملفات لتشمل قطاعات أخرى حيث شبهات الفساد، وُضِع على جدول الأعمال، بعدما سلك ملف وزارة الإقتصاد في القضاء، ملف إعادة هيكلة قطاع التأمين لإزالة الشوائب منه. «وقد جاء تحريك المسار القضائي في قضية انفجار المرفأ ليُحفِّز اللجنة على العمل لإنصاف المتضرّرين من هذه الكارثة الوطنية»، على حدّ قَول البستاني. وهذا موقف لطالما كرّره الرجل منذ وقوع كارثة المرفأ.

 

في الأولويات أيضاً، تطوير قانون حماية المستهلك الذي تسوده فجوات كبيرة تحتاج إلى تصحيح، وفتح ملف وزارة الصناعة في ما له وما عليه، وملف مصلحة تسجيل السيارات والآليات (النافعة) في وزارة الداخلية الذي فيه من الفساد ما يفرض المكننة للتخفيف من هذا الفساد تمهيداً لاجتثاثه، خصوصاً أنّ «النافعة» تشكّل أحد أبرز موارد الدولة المالية بعد الدوائر العقارية وغيرها.

أكثر من ذلك، يأخذ البستاني في الاعتبار من خلال العمل الرقابي للجنة الإقتصاد، أنّ الحكومة أمام فرصة لإعادة تحديث كل قطاعات الدولة على رغم من عمرها القصير، إذ لا مفرّ من إعادة الهيكلة والإصلاح للعبور إلى النهوض بالإقتصاد والبلد، كشرط لبدء حوار جدّي مع صندوق النقد الدولي وإبرام اتفاق معه يُشكّل الباب لاستعادة ثقة الخارج بالدولة اللبنانية.

 

والبستاني الذي تربطه علاقات وثيقة مع مسؤولي الصندوق ويعقد معهم محادثات دورية في واشنطن، كما في لبنان عندما يزور وفد منه البلد مستطلعاً، يعلم أنّ الفرصة اليوم سانحة بعدما سمع هذه المرّة كلاماً عكس انطباعاً إيجابياً عن لبنان، الأمر الذي قد يساعد لبنان في استعادة هذه الثقة الدولية وخصوصاً لدى المؤسسات المالية الدولية.

 

هو نهج جديد في العمل النيابي الرقابي والتشريعي، تقول أوساط نيابية معنية، لا ينقصه ليكتمل سوى اضطلاع بقية اللجان النيابية بمثل هذا الدور. وإذا نجحت لجنة الإقتصاد في تثبيت قاعدة العمل هذه، سيؤسّس ذلك لنظام جديد في عمل مجلس النواب المقبل، قبل أشهر من دخول البلاد في مدار الانتخابات التي ستنتجه في ربيع العام 2026.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى