الرئيسيةخاص دايلي ليبانون

سوريا والدستور “الجديد” – بقلم عمر سليم رحيمة

رغم الآمال المعقودة على الدستور الجديد كخطوة نحو تغيير حقيقي، إلا أن الصياغة التي تم التوصل إليها تُظهر تشابهًا كبيرًا مع الدساتير السابقة، وخاصة دستور عام 2012 الذي وُضع في ظل حكم الأسد. فبدلًا من تقديم نموذج ديمقراطي يعكس إرادة الشعب، غابت الكثير من الإشارات إلى مفهوم الديمقراطية، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى التغيير الفعلي الذي يقدمه الإعلان الدستوري المزمع. المفترض أن يكون الدستور وثيقة تؤسس لنظام حكم قائم على قواعد تراعي الظروف السياسية والاجتماعية في الدولة، لكن ما حدث في الواقع هو إعادة إنتاج نفس الهيكلية السابقة مع بعض التعديلات الشكلية التي لا تغير الأوضاع التي طالب السوريون بتغييرها، مما يثير مخاوف واسعة حول مستقبل البلاد وإمكانية استمرار النهج السلطوي دون أي إصلاح.

تشير آلية تشكيل مجلس الشعب إلى أنه لم يُترك للانتخابات الحرة دور كبير، بل أصبح للرئيس دور أساسي فيه. إذ يمتلك صلاحية تعيين ثلث أعضائه، مما يعني أن المجلس، الذي يُفترض أن يمثل الشعب، سيكون فعليًا خاليًا من أي تمثيل شعبي حقيقي. وبدلًا من أن يكون البرلمان مؤسسة تعكس التعددية السياسية وتمثل مختلف الأطياف المجتمعية، فإنه يتحول إلى كيان شكلي بلا شرعية حقيقية، أشبه بـ”مجلس بلا شعب”. فهل سيكون الولاء للرئيس شرطًا لاختيار الأعضاء، أم أن اختيارهم سيكون وفقًا لإرادة الناخبين؟ وإذا كان المعيار الأول هو المتبع، فهذا لا يضعف فقط مبدأ التعددية السياسية، بل يقضي عليه تمامًا، إذ إنه يُحرم أي قوى سياسية معارضة أو مستقلة من الوصول إلى مواقع صنع القرار.

أما فيما يخص السلطة التنفيذية، فقد منح الدستور الجديد الرئيس صلاحيات واسعة، مما جعله الجهة التي تتحكم بكل القرارات المصيرية في الدولة، دون أي نوع من الرقابة الفعلية على الرئيس. فهو يعين الوزراء ويقيلهم، وهو قائد الجيش، ويحق له إعلان حالة الطوارئ وتطبيقها دون أي إجراء يحد من صلاحياته. مما يجعله الحاكم المطلق لكل مفاصل الدولة. هذه الصلاحيات المعززة تدعم الحكم الفردي وتكرّس نظامًا سلطويًا يمنع أي توزيع حقيقي للسلطة، إذ إن جميع مؤسسات الدولة تعمل وفق توجيهاته، دون أن يكون هناك أي توازن حقيقي بين السلطات.

وفيما يتعلق بالسلطة القضائية، فإن الرئيس لم يكتفِ بالتحكم في السلطتين التشريعية والتنفيذية فقط، بل امتدت صلاحياته إلى القضاء أيضًا، مما يضرب مبدأ استقلالية القضاء في الصميم. فبدلًا من أن يكون القضاء سلطة مستقلة تفصل في النزاعات وتضمن العدالة، أصبح خاضعًا للرئيس. فقد نص الدستور الجديد على حل المحكمة الدستورية السابقة وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا من قبل الرئيس. هذا يجعل القضاء أداة بيد الحاكم، وليس جهة محايدة يمكنها محاسبة المسؤولين أو الفصل في القضايا الكبرى بشكل مستقل، إذ فقد القضاء دوره كجهة محايدة وأصبح جزءًا من منظومة الحكم الفردي المطلق.

بشكل عام، يبدو أن الدستور الجديد قد تم تصميمه ليخدم حكم شخص واحد فقط، مما يبدد الآمال في إجراء أي تغيير ديمقراطي حقيقي. فالصلاحيات الواسعة التي مُنحت للرئيس في مختلف المجالات تجعل الحديث عن أي تغيير ديمقراطي مجرد وهم، إذ إن كل مفاصل الدولة ستبقى تحت سيطرة السلطة التنفيذية دون أي إمكانية فعلية للمحاسبة أو الرقابة. وبدلًا من أن يكون الدستور خطوة نحو بناء دولة قائمة على المؤسسات والفصل بين السلطات، جاء ليعزز من الحكم الفردي المطلق، مما يجعل البلاد أمام واقع سياسي مغلق لا يختلف في جوهره عن مرحلة لطالما أعلن المسؤولون الحاليون عن رغبتهم في تغييرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى