الرئيسيةخاص دايلي ليبانون

الدُّروز أضاءوا شمعةً!

بقلم: توفيق الصايغ

أين نحن؟
وإلى أيّ اتجاهٍ نخطو؟
وما هي غاية الطَّريق؟
لِمن يَسأل مِنَ الدُّروز، أن يقرأ الإجابة في الصُّورة التي خرجت مِن فلسطين خلال الزِّيارة الأخيرة لِمقام النَّبيّ شُعَيب؛ لقد كانت صورة مجتمعٍ يرفض الانقياد إلى الوراء!
ولَعَلِّي أطمح عزيزي القارئ أن يتَّسع صدرك ويسمح وقتك، لأفكارٍ ودَدْتُ تسجيلها، إيمانًا بأنَّ التَّدوين يُبقي الأفكار في مأمنٍ مِنَ النِّسيان.. ليت شِعري!
وفي مقدِّمةٍ للموضوع -لا مفرَّ منها- أريد أن أنتقل بالتَّاريخ إلى زمنٍ مضى وأقول ما يلي:
منذ 1920 استعمر الانكليز فلسطين وهدفوا إلى إقامة دولة لليهود تنفيذًا لوعدٍ قطعه آرثر بلفور إلى اللورد روتشيلد.. وقد اعتمدت سلطة الاستعمار لتحقيق ذلك مسارين أساسيَّين: أوَّلهما: تدمير قدرة الفلسطينيين على المقاومة ومواجهة المخطط وثانيهما: تعزيز قدرة اليهود، تسليحًا وتدريبًا، لإقامة دولتهم.
وكانت الخطَّة تقضي بأن 58٪؜ من فلسطين تقوم عليها دولة يهوديَّة والباقي ما نسبته 42٪؜ تقوم عليها دولة عربيَّة.
دفع هاذان المساران عام 1948 إلى نكبةٍ قوامها: مجازر وعمليات إبادة وتطهير دفعت للهجرة بنحو 750 ألف فلسطينيّ نسبتهم تقارب 84٪؜ من سكان فلسطين.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى وثيقة تاريخيَّة لمحضر اجتماع بتاريخ 16-6-1948 عُقِد بين مشايخ مِن الطَّائفة الدُّرزيَّة على رأسهم المرحوم الشيخ أمين طريف مع المرحوم سلطان باشا الأطرش الذي قال لهم آنذاك: “إيَّاكم ثم إيَّاكم ترك قراكم… فعليكم الصُّمود في أرضكم والمحافظة على أرضكم وعرضكم…” وأطاع الوفد المشورة حينها.. منعوا الصهاينة من احتلال أرضهم وهم بالتَّالي اليوم تحت سلطة انتداب لا سلطة احتلال!
عام 1949 وُقِّع اتِّفاق الهدنة، بعدما قضمت إسرائيل مزيدًا من الأرض العربية وصلت نسبته إلى 78٪؜. آنذاك فُرض على إسرائيل شرطًا لقبولها عضوًا في هيئة الأمم المتحدة هو منح المواطنة للفلسطينيين الذين لم تتمكَّن العصابات الصَّهيونيَّة مِن تهجيرهِم ويقارب عددهم 156 ألفا، الذين بدورهم أُجبِروا على القبول بالهويَّة الإسرائيليَّة ليتمكَّنوا مِن البقاء في أرضهم.
إن ما يسمَّى عرب 48 (الذي بلغ عددهم اليوم ما يقارب 1,700,000) يُعرف بالأوساط الإسرائيليَّة بأنَّه خطأ بنغوريون الاستراتيجي!
بعد إعلان قيام دولة إسرائيل أُعلن فرض أنظمة حكم عسكريّ على العرب داخل إسرائيل واستمر حتى الشهر الأخير من العام 1966. فكان لا بدَّ لاسرائيل من فرض الواقع الجديد على العرب، استخدمت خلال هذه المدّة جميع وسائل القمع والتدخل حتى في الحياة الشَّخصيَّة للأفراد بغية عزلهم عن محيطهم العربيّ القريب والبعيد!
ركَّزت إسرائيل على سلخ الدُّروز عن مجتمعهم العربيّ والإسلاميّ وفرضت عليهم التجنيد الإلزامي منذ عام 1956. عارض آنذاك الوجهاء والمشايخ القرار، لكن سلطة الاحتلال الاسرائيلي سجنت كل من تخلَّف عن الخدمة العسكرية، بالمقابل أغدقت بالمكافآت على الذين التزموا.
الجدير بالذِّكر أن إسرائيل لم تسمح ببناء اقتصاد فلسطيني منعزل، حتى تبقى لقمة العيش معلَّقة بيد الاسرائيلي. وكما في الإقتصاد كذلك في التعليم!
حاولت إسرائيل لاحقًا تصحيح “خطأ بنغوريون الاستراتيجيّ” من خلال تهويد الجليل، إلَّا أنَّ انتفاضة يوم الأرض حالت دون ذلك.
بعد اتفاقيَّات كامب ديڤيد وأوسلو تلقَّى فلسطينيُّو 48 صدمة ليس لأنهم ضدّ اتفاقات السَّلام، بل لأن الاتفاقيات تجاهلت وجودهم وحقوقهم بشكل تامّ.
بعد اقتحام شارون للمسجد الأقصى، شارك فلسطينيّو 48 بالانتفاضة عام 2000 (هبَّة القدس والأقصى) وقاطعوا انتخابات 2001. شكَّل ذلك صدمة للسلطات الاسرائيليّة. التي سارعت إلى تشكيل لجنة تحقيق “أور” وخلصت -ضمن ما خلصت إليه- إلى مزيد من الاحتواء والتضييق الاقتصادي على الشباب الفلسطيني لتحقيق مزيد من الأسرلة.
هذا ما زال قائمًا حتّى يومنا هذا! ومازال هدف إسرائيل عزل عرب 48 عن محيطهم! ومازالت غايتها تصحيح “خطأ بنغوريون الاستراتيجيّ” متى استطاعت إلى ذلك سبيلًا!
اسمح لي سيِّدي الكريم، أن أستطرد قليلًا في الشأن التاريخي العربيّ ثم أعود لمتابعة الحديث عن زيارة مشايخ طائفة المسلمين الموحدين الدروز إلى فلسطين.
وهنا أنقل لكم بعض ما أورده الشَّيخ عبد الله العلايلي في كتاب: “مقدِّمات لفهم التَّاريخ العربيّ” وفيه يعتبر: أنَّ القبليَّة والجمود أدَّيا إلى زوال الممالك العربية من أَنْدَلُسَة إلى المغرب إلى الشَّرق. ويضيف: “وهذا طبيعيّ ما دام الائتلاف لم يقم على تهذيب اجتماعيّ صحيح، بل ضَمنته القوَّة وحدها، وسرعان ما ظهرت فيه الفتوق بانحلال الرَّابط الوقتيّ”
وقد فرَّق العلايلي بين القبليَّة في العصر الجاهليّ وتلك في عهد الأمويِّين ويقول في هذا السِّياق: “في عهد بني أميَّة اتَّسع نظرهم وشعروا بالدَّولة وأنها معقد المصالح ومصدرها، ولكن نفوسهم بقيت منحنيةً على ما فيها من أدران”.
المُعتَبَر في التَّاريخ كثير.. والمُعتَبِر حاضرًا قليل!
وبعد، عزيزي القارئ، وهذه نقلة أخرى في الحديث، أقول: إن الدُّروز لا يَجرون طلبًا لزعامة أو قيادة أو تحكُّم، ولو كان هذا قصدهم فما كان أسهل تحطيمهم وهزيمتهم. ولماذا لم ينهزم الدروز؟! ببساطة لأن الأمر، أمر قيم توحيديَّة إسلاميَّة عروبيَّة أصيلة يتمسَّكون بها، يحافظون عليها وتحفظهم.. وليس أمر زعامة! إنها شيءٌ لا سلطان للملوك ولا للحكَّام ولا للإحتلال عليه! إنَّها ليست جسدًا يُقتل أو يعذَّب في السُّجون!
وهنا تجد عزيزي القارئ اتِّصال حلقات الحديث وتبدو عبارتي الآن أكثر وضوحًا:
إن الصُّورة التي خرجت مِن فلسطين خلال الزِّيارة الأخيرة لِمقام النَّبيّ شُعَيب؛ هي صورة مجتمعٍ يرفض الانقياد إلى الوراء!
لقد كانت الزِّيارة صورة عن مجتمعٍ درزي سوري عربي طالما رفض منطق القبليَّة، التقى بمجتمعٍ درزي فلسطيني عربي أبى أن يتنازل عن أرضه وعن عروبته. التقيا بطريقة طبيعيَّة لا افتعال فيها. لقد عبَّرت الصُّورة عن رفض الأسرلة وعن رفض القبليّة الهدَّامة وعن تأكيد القيم المشتركة بين مجتمعين عربيين.
إنه عملٌ للعروبة مهما طال المدى وليس ضد العرب! وهذا والله تعبيرٌ عن اتِّحاد وليس عن تحدٍ! وهو عمل لنا، وليس ومهما حاولوا، علينا! وأننا لا نتكلّم لغتين ولا نطالع الدُّنيا بوجهين ولا ندَّعي أن الحلال لنا حرامٌ على غيرنا!
وفي المثل السائر: بدل أن تلعنوا الظلام.. أضيئوا شمعة!
لكن بعض رجال السياسة بالأصالة وبعض رجال الدِّين بالوكالة.. فعلوا العكس!
لقد غاب عنهم أنَّ الإنسان، في كثير من الأحيان، لا يصف الآخرين بقدر ما يكشف عن نفسه؛ فمطامعهم التي يظنونها لدى غيرهم ليست سوى انعكاسٍ لرغباتهم، ودوافعهم الخفيَّة تتراءى لهم في تصوراتهم عن الآخرين، إذ إنَّ الضمير الخفيّ غالبًا ما يعبِّر عنه اللسان! وهكذا، التبس الأمر على البعض، فخلطوا بين زيارة دروز سوريا المباركة إلى مقام النبيّ شعيب، وما اعتادوا هم فعله!

توفيق الصَّايغ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى