الهيكليّة العسكرية متعثّرة: العودة يتحدّى الشرع

على الرغم من الدعم التركي – السعودي المعلن، والانفتاح الأوروبي – الأميركي، لا يزال طريق الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الذي يسعى للقبض على جميع مفاصل الدولة، مليئاً بالفخاخ، في ظل حالة التشرذم الفصائيلة التي خلّفها الصراع المندلع منذ عام 2011، والذي لا يبدو أن سقوط نظام بشار الأسد قد أنهاه. ويأتي هذا على خلفية وجود قوى عديدة فاعلة على الأرض، بعضها مرتبط بأطراف دولية وإقليمية، من مثل «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة أميركياً وفرنسياً، و«اللواء الثامن» في درعا الذي تربطه علاقات متينة مع روسيا والسعودية والإمارات، إلى جانب قوى السويداء، وهي المحافظة التي تتمتع بخصوصية كبيرة تبعاً لخلفية سكانها الدينية (الطائفة الدرزية).
وفي هذه المرحلة، يبدو أن الشرع، الذي بدأت وزارة الدفاع التي أنشأها تأسيس هيكلية للجيش السوري الناشئ، عبر حلّ الفصائل وتعيين قياديين مقرّبين من «هيئة تحرير الشام» في مفاصل الوزارة المهمة، بات يواجه واحداً من أكثر المفاصل حساسية، وخصوصاً أنه دخل إلى العاصمة السورية بعد «اللواء الثامن» الذي سيطر على جنوب البلاد ودخل دمشق، الأمر الذي وضع قائد هذا اللواء، أحمد العودة، في مواجهة معه، لم تتكشّف بشكل واضح خلال الشهرين الماضيين، في ظل الانشغال بالترتيبات السياسية، وزحمة اللقاءات الدولية والإقليمية.
وعلى رغم مضيّ نحو ثلاثة أسابيع على إعلان وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، مرهف أبو قصرة، التوصل إلى اتفاقات مع فصائل عديدة (18 فصيلاً تعمل في الشمال السوري)، خرج الأخير في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، الخميس الماضي، معلناً وجود خلافات مع العودة، الذي اتهمه بأنه يرفض حل مجموعته والانخراط في مشروع تشكيل وزارة الدفاع. وجاء ذلك بالتزامن مع الإعلان عن عملية توزيع كبيرة لمناصب قيادية على مقرّبين من «هيئة تحرير الشام»، شملت الحرس الجمهوري، والقوات الجوية، وتشكيل فرق خاصة بالمحافظات، أبرزها فرقة درعا التي تم تسليمها لبنيان أحمد الحريري.
وفي وقت لا تبدو فيه تصريحات أبو قصرة مجافية للحقيقة، يحمل الإعلان عن هذا الخلاف عبر صحيفة أميركية، رسائل سياسية عديدة يبدو أن وزير الدفاع أراد توجيهها إلى العودة من جهة، والقوى التي تقف وراءه، وعلى رأسها روسيا، من جهة أخرى. في المقابل، أصدر «اللواء الثامن» بياناً مصوّراً، تلاه القيادي فيه، نسيم أبو عرة، الذي نفى ما ورد على لسان أبو قصرة حول الاتهامات المتعلقة بالانفصال، وأكّد أن «أبناء الجنوب هم أوّل من نادى بتأسيس وزارة دفاع وطنية تعمل وفق القواعد العسكرية الحرفية المنضبطة»، مشدداً على أن وزارة الدفاع المنشودة «يجب أن تحقق الاستفادة المثلى من خبرات الضباط والثوار، وتضمن تمثيل جميع مكوّنات سوريا من دون إقصاء أو تهميش».
كما ذكّر أبو عرة، في بيانه، وزير الدفاع السوري في الحكومة المؤقتة، بتصريحات الشرع حول التنسيق بين إدارة العمليات العسكرية وفصائل الجنوب خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى دور الأخيرة في إسقاط النظام السابق، ومعيداً التذكير بما اعتبرها «الثوابت التي لا يمكن الحياد عنها والتي تشكّل أساس رؤية فصائل الجنوب لمستقبل سوريا». وتتضمن تلك الثوابت، طبقاً للبيان، «السعي للاستقرار وتعزيز وحدة سوريا بعيداً عن أيّ استقطاب أو إقصاء، ورفض أي مشروع داخلي أو خارجي من شأنه المساس بالثورة السورية أو تقويض مكتسباتها والالتفاف على التضحيات التي قدّمها الشعب السوري، والإيمان بسيادة القانون، في ظل دستور يحمي الحقوق ويضمن مشاركة عادلة بين جميع مكوّنات البلاد وفق معايير الخبرة والكفاءة».
لا تزال المدن والبلدات التي تقطنها أقلّيات، في وسط البلاد وغربها، تعاني من حالة انفلات أمني
واللافت أن المبادئ التي أعلن عنها القيادي في اللواء الثامن تتقاطع مع ما أعلنت عنه فصائل السويداء، الأمر الذي يؤكد وجود تنسيق بين هذه القوى، انضمت إليه في وقت لاحق «قوات سوريا الديموقراطية»، المدعومة أميركياً وفرنسياً، والتي أوفدت وفداً من «مجلس سوريا الديموقراطية» (مسد)، الذراع السياسي للقوات، لإجراء لقاءات مع قيادات فصائل السويداء، والخروج ببيان توافقي لتوحيد الجهود.
وعلى خط مواز، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن بلاده تحتفظ بـ«قناة عمل للاتصال» مع السلطات السورية الجديدة. وأضاف، في تصريحات نشرتها وكالة «نوفوستي» الروسية، أن موسكو على تواصل أيضاً مع رئيس البعثة السورية لدى الأمم المتحدة، لافتاً إلى أن روسيا حافظت على وجودها الدبلوماسي في دمشق بعد سقوط النظام السابق، حيث يواصل سفيرها مهامه هناك، مؤكداً أن بلاده ملتزمة بتعزيز التعاون مع سوريا على مختلف المستويات.
وإذ أشار إلى الزيارة التي قام بها نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق، حيث التقى الشرع، أوضح أن محادثتهما شدّدت على أهمية استمرار التعاون الثنائي «وفق مبادئ الصداقة التقليدية والاحترام المتبادل»، معلناً اتفاق الطرفين على تكثيف التواصل لتعزيز العلاقات بين البلدين. وتابع أن «علاقات موسكو بدمشق ثابتة وغير مرهونة بالمتغيّرات السياسية»، مجدداً استعداد روسيا لمواصلة تقديم الدعم اللازم في جهود إعادة الإعمار، ولافتاً إلى أن بلاده على اقتناع بأن الشعب السوري قادر على تجاوز التحدّيات التي يواجهها من دون الحاجة إلى تدخلات خارجية.
ومن المنتظر أن يشارك الشرع، الذي استقبل قبل يومين وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، الذي اتخذت بلاده موقفاً متوجّساً من الإدارة السورية الجديدة في البداية، بسبب خلفيّتها المتشددة، في «القمة العربية الطارئة» في 27 شباط الجاري في القاهرة، التي أعربت مراراً هي الأخرى عن مخاوفها من تحوّل سوريا إلى «بؤرة للإرهاب».
أما على الصعيد الأمني، فلا تزال المدن والبلدات التي تقطنها أقلّيات، في وسط البلاد وغربها، تعاني من حالة انفلات أمني، وعمليات خطف وقتل واعتقال، في ظلّ تعتيم إعلامي يمنع تسرّب الكثير من هذه الحوادث. وإلى جانب ذلك، تبرز محاولات إخفات أصوات السوريين الذين جرى فصلهم من العمل ووجدوا أنفسهم من دون مصدر رزقهم الوحيد، في سياق عملية تحوّل اقتصادي تقودها الحكومة نحو الاقتصاد الحر. وشهدت طرطوس آخر تلك المحاولات، أول من أمس، بعدما قام مؤيدون للشرع باقتحام اعتصام سلمي وفضّه بالقوة.