اخبار عربية ودوليةالرئيسية

«القسام» تزفّ قادتها الشهداء: محمد الضيف… نهاية مجيدة للرجل الأسطورة

«في خضمّ معركة طوفان الأقصى… بين غرف عمليات القيادة أو الاشتباك المباشر مع قوات العدو في الميدان، أو في حال تفقّد صفوف المجاهدين وتنظيم سير المعركة وإدارة القتال»؛ بهذه العبارات، حدّد الناطق باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، أمكنة استشهاد قائد «القسام» محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى، وقائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية غازي أبو طماعة، وقائد ركن القوى البشرية رائد ثابت، وقائد لواء خان يونس رافع سلامة. وإذ زفّ استشهادهم إلى الأمة، فقد بيّن أن الإعلان عنه يأتي بعد «استكمال كل الإجراءات اللازمة والتعامل مع كل المحاذير الأمنية التي تفرضها ظروف المعركة والميدان، وبعد إجراء التحقيق اللازم واتخاذ كل التدابير ذات الصلة». وخلافاً لما هدف إليه العدو الإسرائيلي، أكّد أبو عبيدة أن «استشهاد القادة على مدار المعركة رفع من عزائم المقاومين في الميدان (…) وزاد دفاعيّتهم للقتال بشكل غير مسبوق»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى أن «المنظومة لم تتعرّض للفراغ القيادي ولو لساعة واحدة على مدار المعركة».

وكان جيش العدو أعلن، في آب الماضي، تمكّنه من قتل الضيف (محمد دياب إبراهيم المصري) خلال غارة جوية على منطقة المواصي غربي مدينة خانيونس في اليوم الـ81 بعد المئتين من الحرب (تموز)، استُخدمت فيها قنابل أميركية الصنع من نوعَي «Mk 84» تزن الواحدة منها قرابة طن من المواد الشديدة التدمير، بالإضافة إلى قنابل «jdam». ومع ذلك، ظلّت الشكوك قائمة لدى المستوى الأمني الإسرائيلي حول مصيره، خصوصاً أن قادة أركان جيش الاحتلال توارث بعضُهم عن بعض الفشل في الوصول إليه منذ أن بدأوا في مطاردته عام 1995، حتى سُمّي بـ«الشبح ذي الأرواح السبع» نسبةً إلى عدد المرات التي فشل فيها جيش العدو في الوصول إليه.

وحتى قبل الإعلان عن استشهاده بقليل، أرّق اسم الضيف، إسرائيل؛ فبعدما علا هتاف «حطّ السيف قبال السيف، إحنا رجال محمد ضيف» من حناجر الفلسطينيين الذين تجمهروا لاستقبال الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين من المعتقلات الإسرائيلية، علّقت «القناة 12» العبرية بالقول: «هذه المرة، في رام الله أيضاً يمجّدون الضيف والجناح العسكري لحماس». وإذ ظل الهتاف نفسه صادحاً بعد استشهاده، فقد ضجّت صفحات التواصل الاجتماعي بمقاطع تسجيلية للضيف على امتداد 19 عاماً؛ الأول عبارة عن تسجيل صوتي في آخر ظهور له عندما أعلن بدء عملية «طوفان الأقصى»، والثاني مقطع مصوّر ظهر فيه ملثّماً عام 1994، عندما أعلن عن أسر الجندي الإسرائيلي، ناحشون فاكسمان، مطالباً بتحرير الشيخ أحمد ياسين، وبينهما كلمة مسجّلة له عام 2014، دعا فيها إلى «توحّد جميع الرايات، والتئام كل الجبهات والساحات من أجل تحرير فلسطين»، مُنذِراً الإسرائيليين بـ«قُرب نهاية كيانهم وكنْسهم عن الأرض الفلسطينية».

وهكذا، يبقى الرجل، الذي خرج رجاله في صباح السابع من أكتوبر، ليدقّوا مسماراً جديداً في نعش إسرائيل، الأكثر حضوراً في احتفالات النصر وتوديع الشهداء ومبايعة المقاومة، وهو الذي لم يتوانَ طوال مسيرته عن فعل كل ما يلزم لضرب إسرائيل بشكل أكثر عمقاً وإيلاماً، وهو ما تجلّى بوضوح في معركتَي «سيف القدس» عام 2021، «وطوفان الأقصى» عامي 2023 و2024. وتعود مسيرة الضيف في الحركة إلى عام 1987 عندما انخرط فيها، وأصبح من أبرز رجالها الميدانيين. واعتقلته قوات الاحتلال عام 1989، ليقضي 16 شهراً في سجون الاحتلال بتهمة العمل في الجهاز العسكري لـ«حماس»، الذي أسّسه الشهيد صلاح شحادة. ومع خروجه من الاعتقال، كانت «كتائب القسّام» قد بدأت تظهر بشكلها العسكري، ليصبح في طليعة العاملين فيها مع الشهيدين ياسر النمروطي وإبراهيم وادي. وفي ما بعد، برز دوره كقيادي للكتائب القسامية بعد استشهاد القائد الشهيد عماد عقل عام 1993، حيث ساهم في تأسيس جناح لحركة «حماس» في الضفة الغربية. ومن بين العمليات التي أشرف عليها، عملية أسر الجندي نخشون فاكسمان عام 1994، بالإضافة إلى سلسلة العمليات الاستشهادية انتقاماً للشهيد يحيى عياش، والتي أدّت إلى مقتل أكثر من 50 إسرائيلياً في بداية 1996.

وإذ اعتقلته سلطة رام الله في أيار 2000، مقابل أن يعطيها الكيان سيطرة أمنية على ثلاث قرى في القدس المحتلة، فهو تمكّن من الإفلات من سجّانيه في بداية الانتفاضة الثانية، واختفت آثاره منذ ذلك اليوم بعدما اتخذ الحيطة والحذر في عمله، علماً أن العمليات التي نفّذتها «القسام» خلال انتفاضة الأقصى، منذ نهاية أيلول 2000 والتي أسفرت عن مقتل مئات الإسرائيليين، كانت تحت قيادته. ولم يتوانَ الضيف طوال مسيرته عن تطوير قدرات «القسام» العسكرية، بالاشتراك مع داعمي المقاومة الفلسطينية في الخارج.

وحول أول محاولة لتطوير الأسلحة من قبل «القسام»، يقول، في مقابلة عام 2005، إنها «كانت في أواخر عام 1991، لعمل مسدس من نوع «ستار» محلي، لكن لم تكن المحاولة ناجحة»، مشيراً إلى أنه مع قدوم أبي بلال الغول في عام 1994، استُثمرت خبرته بشكل كبير، وفي بداية 1995، أتى يحيى عياش، فبات هناك ثلاثي مكوّن من الغول والضيف وعياش، اشتغل على صنع القنابل وصواريخ «القسام» و«البتار» والعبوات الجانبية والصحنية والعدسية والانتشارية.

والضيف من مواليد خان يونس عام 1965 لأسرة فقيرة، يعود أصلها إلى بلدة القبيبة داخل فلسطين المحتلة عام 1948. خرج إلى العمل في سنّ مبكرة، فيما برزت باكراً أيضاً ميوله الفنية؛ إذ كان أول من ساهم في إنشاء أول فرقة فنية إسلامية تُدعى «العائدون». واستقى لقبه «أبو خالد» من إحدى المسرحيات التي أداها وتُدعى «المهرّج»، والتي لعب فيها دور شخصية تاريخية عاشت خلال الفترة ما بين العصرين الأموي والعباسي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى