حزب الله من «حرب الاسناد» الى «حرب الاستنزاف» في معركة «الحساب المفتوح»
"الديار"
على وقع موجة نزوح كثيفة في اتجاه العاصمة والجبل والشمال، عشية يوم من اعنف الغارات التي لم يشهد التاريخ اللبناني لها مثيلا، مع سقوط اكثر من 550 شهيدا و 1838 جريحا، تحركت الدبلوماسية الدولية، على هامش اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة، في مسعى، يرى فيه الكثيرون لزوم ما لا يلزم، بعدما بات الجميع على قناعة بان لا حلول في ظل التوازنات القائمة، ولا امكانية بالتالي لتطبيق الـ 1701، وفقا لقواعد اللعبة الحالية.
المساعي الدبلوماسية
فرغم الجهود الحثيثة التي تبذل، تبدو الدبلوماسية عاجزة عن التأثير، رغم المحاولات الجارية على اكثر من خط، وفي اكثر من مكان، مع تسارع الاحداث من دون أن يتمكن اللاعبون الدوليون والاقليميون من فعل الكثير، مع فشل كل وسائل الضغط الرئيسية المستخدمة.
على هذا الصعيد كشفت مصادر وزارية لبنانية ان فرنسا تخوض اتصالات رفيعة المستوى على خطين، الاول، في نيويورك، عبر اجتماعات ثلاثية فرنسية-ايرانية-عربية، دخل على خطها الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، حيث تجري مناقشات جدية للورقة الاميركية-الفرنسية التي سبق اعدادها، وعرضت على الجانب اللبناني، فيما يستعد رئيس حكومة تصريف الاعمال للتوجه الى نيويورك، للمشاركة عن قرب.
اما على الخط الثاني، فيقود الموفد الفرنسي جان ايف لودريان جولة اتصالات في بيروت، حيث تردد انه قد يمدد اقامته بناء لتعليمات من الايليزيه، حيث يتوقع ان يجري سلسلة لقاءات مع قيادات في حزب الله، وكذلك مع سفراء الخماسية، اذ ستكون له خلوة في قصر الصنوبر مع السفير السعودي وليد البخاري لمتابعة بعض النقاط التي سبق عرضها خلال زيارته الى الرياض.
يواكب هذه الحركة الداخلية، تواصل مخابراتي قطري – تركي مع حزب الله،دخل على الخط، للوصول الى تهدئة، او على الاقل العودة الى الوتيرة السابقة من العمليات، في انتظار نتائج الوساطات السياسية وما قد تؤدي اليه.
المصادر المواكبة لتلك الحركة ابدت تشاؤمها حيال توصل الاتصالات الى نتائج ايجابية، خصوصا ان الجانبين الفرنسي والاميركي، يتبنيان الموقف الاسرائيلي، الذي يركز على خلق منطقة عازلة جنوب الليطاني وايجاد آلية واضحة تسمح بالتحقق من عدم تواجد حزب الله فيها، وهو ما ترفضه قيادة الحزب حتى الساعة، وسط تمسك لبناني بتنفيذ القرار 1701، الذي تحول بدوره الى اشكالية كبيرة في ظل وجهات النظر المختلفة حول تفسير روحيته واهدافه وطريقة تطبيقه.
وختمت المصادر بان تل ابيب على ما يبدو بدات تطبيق خطة اتفقت عليها مع الجانب الاميركي بعد اجتماعات على اكثر من مستوى، حيث حصلت واشنطن على وعد بعدم ذهاب تل ابيب الى الحرب الكبرى، مقابل مشاركتها في الضغط العسكري المواكب للجهود السياسية لالزام لبنان على السير بالتسوية التي وضعها هوكشتاين، من ترسيم الى انسحاب من جنوب الليطاني، وضمانات امنية، وعدت فرنسا بتامين تمويل خطتها، مقابل الحفاظ على مكاسبها الاقتصادية النفطية.
بزشكيان
هذا الارباك الدبلوماسي زاد منه ما سرب من تصريحات للرئيس الايراني، خلال اكثر من اطلالة صحافية له من نيويورك، نسب اليه فيها كلام، اثار موجة من التساؤلات وردود الفعل، قبل ان تؤكد مصادر ايرانية ان الترجمة لما ادلى به من مواقف لم تكن دقيقة، وقد قصد تشويه كلامه، لاحداث بلبلة.
اسرائيل
هذا والساعات الماضية كشفت وفقا لتطور احداثها الميدانية، الخطوط العريضة للاستراتيجية الاسرائيلية في هذه المرحلة والقائمة على:
– تكثيف الضربات لاجبار اهالي القرى الواقعة جنوب نهر الليطاني على مغادرتها باتجاه مناطق خارج الجنوب. اذ تحاول اسرائيل نقل المعركة الى الداخل اللبناني، عبر خلق اشكالات وحوادث امنية في المناطق، خصوصا في ظل وجود آلاف النازحين السوريين، رغم ان الاجهزة المعنية تمكنت حتى الساعة من ضبط الاوضاع، وحصر المشاكل التي حصلت طوال يوم وليل امس في اطرها الفردية.
– ضرب وتدمير الطرقات التي تربط القرى والبلدات والتقاطعات الاساسية، حيث لحقت بها اضرارا كبيرة نتيجة قصفها بصواريخ احدثت حفرا عميقة فيها، بهدف منع الاهالي من العودة، رغم ان اللافت حتى الساعة عدم استهداف اي من الجسور الواقعة على نهر الليطاني.
– الادعاء بقصف مخازن سلاح حزب الله وقواعد اطلاق الصواريخ، سواء في الجنوب او خارجه، بمهمة ارباك لعمليات الاطلاق.
– محاولة قطع خطوط امداد الحزب وعزل منطقة جنوب الليطاني عن البقاع وبيروت، وهو ما يمكن ادراجه ضمن الاستعدادات الاستباقية لاي عملية تقدم بري.
استراتيجية تنطلق من ان المعركة ضدّ حزب الله طويلة ومعقّدة، في ظل امتلاكه القدرة على المحافظة على زخم الاستنزاف، والحفاظ على مخزون كبير بما فيه الكفاية من الصواريخ والقذائف الصاروخية والطائرات المسيّرة، وهو ما يمتلكه بالفعل، والاستمرار في إطلاقها.
حزب الله
على الجهة المقابلة، ووفقا للخبراء، واضح ان حزب الله لم يتخذ قرار الحرب الشاملة بعد، انما قرر وبناء لما صدر على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله، ومن بعده نائبه، الانتقال من “حرب الاسناد” الى “حرب الاستنزاف”، في اطار “معركة الحساب المفتوح”، التي تركز على:
– توسيع رقعة العمليات، مستهدفا التجمعات السكانية، دون المخاطرة بايقاع اصابات في صفوف المستوطنين، انما بهدف دفعهم الى مغادرة مناطقهم واحداث ازمة نزوح في الداخل الاسرائيلي. وبناء على ذلك تكون صواريخ حزب الله قد أجبرت 3 ملايين إسرائيلي على البقاء بالقرب من الملاجئ والأماكن المحصنة، حيث تجاوزت الرشقات الصاروخية التي أطلقت من لبنان مدى أكثر من 110 كيلومترات، في حين تصدرت صافرات الإنذار على مدار الساعة المشهد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
– استهداف القواعد العسكرية الاساسية محاولا ايقاع اكبر قدر ممكن من الاضرار فيها، من خلال ضرب تجمعات القوات المنتشرة قرب الحدود لتشتيتها في ظل التعزيزات التي وصلت، وثانيا محاولة شل قاعدة القيادة والسيطرة الجوية في قاعدة ميرون، واخراج قاعدة “رامات ديفيد” الجوية من الخدمة، بهدف تصعيب العمليات الاسرائيلية.
– الانتقال الى مرحلة استخدام الاسلحة والصواريخ المتوسطة المدى من فادي1 الى فادي3، والتي ستصبح السلاح الاساسي المعتمد خلال الفترة القادمة.
فعلى الرغم من الهجمات الإسرائيلية العنيفة، التي اظهرت تقدم وحجم المعلومات الاستخبارية في تل ابيب ما ادى الى الاستهدافات الاخيرة، يعتقد الخبراء بإنّ الصورة من المرجّح أن تنقلب في حال اندلاع حرب برية، يريدها الحزب، مع نشر ترسانته الضخمة من الصواريخ والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المسيّرة، في مواجهة اي تقدّم إسرائيلي، اضف الى ذلك ان الجيش الاسرائيلي يواجه “عيوباً استراتيجيةً” في وجه حزب الله، رغم امتلاكه أسلحةً أكثر تقدّماً، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز أف-35 ودفاعات جوية متعددة الطبقات.
وتابع الخبراء، بان حزب الله لا يسعى للفوز في حرب مع إسرائيل بالمعنى التقليدي، بل إنّه يهدف بدلاً من ذلك إلى إغراق القوات الإسرائيلية في حرب استنزاف، تماماً كما فعلت حماس،فالانتصار لحارة حريك هو بمنعها اسرائيل من تحقيق اهدافها وافشالها لخططها، واهمها ابعاد الحزب لما بعد الليطاني، الذي باتت ترى فيه تل ابيب وفقا لقادتها حدودها الشمالية. وراى الخبراء ان الحزب يستنسخ الاستراتيجية الروسية المعتمدة في اوكرانيا، في استخدامه للصواريخ المتوسطة المدى والمسيرات لضرب القواعد العسكرية والموانئ وشبكة الكهرباء.