رحل الشاعر والأديب الكبير جورج شكّور، بعد مسيرة أدبية فذّة ووقّادة، متوّجًا سيرته بعبق من أريج الكلمة ورونق من رواج العبارة العابرة لكل المعاني والألفاظ. ترك إرثًا أدبيًا خالدًا على مستوى العالم، زاخرًا بكل معاني الرقيّ والتقدم للغتنا العربية، وأشعل نورًا في قاموس الأدب لا ينطفئ أبدًا، ونسج ملاحم تخلد سير رجال من عمق التاريخ، فأضحى الأديب الذي جمع بين أصالة الفكر وفن حبكة الفكرة في قالب جماليّ ملحمي تاريخي يعبّر عن أسمى قيم الإنسانية والحضارة.
لم يكن جورج شكّور مجرد شاعر؛ بل كان لغويًّا متمكّنًا وشخصية ثقافية أصيلة شقّت طريقها بجهدها الخاص دون الاعتماد على تيار سياسي أو طائفي، وأبقى دائمًا نظرته موجهة نحو الإبداع والجمال، محققًا توازنًا فريدًا بين الأصالة والحداثة، وتاركًا بصمة واضحة في مختلف مجالات الثقافة.
كان للأديب الراحل مساهمات شعرية وأدبية مميّزة، فلقد ارتبط اسمه وشعره وأدبه بسيرة الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته عليهم السلام، من خلال ثلاث ملاحم شعرية خالدة، هي ملحمة النبي محمد (ص) وملحمة الإمام علي (ع) وملحمة الإمام الحسين (ع)، ومئات الكتابات الفكرية الأخرى التي انبرى من خلالها للدفاع عن الإنسانية التي تتخطى كل الحدود وتتجاوز كل الانتماءات الطائفية.
الدكتور نزّال: رحيله ترك صدمة كبيرة في أوساط الكتاب اللبنانيين والشعراء
موقع العهد الإخباري يستحضر شذرات من حياة ومسيرة الأديب والشاعر الراحل في حديث مع رفيق دربه وقلمه وفكره، الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور أحمد نزّال الذي أكد أن رحيل الشاعر جورج شكور ترك صدمة كبيرة في أوساط اتحاد الكتاب اللبنانيين وأوساط الشعراء اللبنانيين بشكل عام.
كان جورج شكور الذي شغل عضوية اتحاد الكتاب اللبنانيين وشارك في هيئات إدارية سابقة، بحسب نزال، شخصية محبوبة ومرموقة، تميّز بعلاقاته الطيبة مع الجميع، ولم يكن له خصومات أو عداوات في الوسط الثقافي، بل كان صديقًا ومشجعًا للجميع.
الدور الفعّال في المنتديات الثقافية: دعم الشعراء الشباب وتقدير المواهب
وعن حياته وثقافته، قال نزال: “نشأ شكور في بيئة تجمع بين الثقافة الإسلامية والمسيحية، حيث عاش بجانب الكنيسة وتأثر بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية، مما جعل منه مثقفًا موسوعيًا يتقن دمج الثقافتين. كان يتمتع بنقاء النفس وسمو الروح، وعبّر عن ذلك من خلال أعماله الأدبية التي تجسدت في شعره الغني بالبلاغة والبيان العربي”.
وأضاف: “من أبرز إنجازات جورج شكور الأدبية ثلاث ملاحم رئيسية تتناول الرسول الأكرم “ص”، والإمام علي “ع”، والإمام الحسين “ع”، وكانت أعماله تجسيدًا لتأثره العميق بالثقافة الإسلامية، خاصة قضية الإمام الحسين “ع” التي اعتبرها قضية إنسانية بامتياز”.
وأشار نزال إلى أن “هذا التأثر بأفكار ومبادئ الإسلام، لا سيما القيم النبيلة والتضحيات العظيمة التي قدمها أهل البيت عليهم السلام، تجلى بوضوح في شعره، مما أضفى عليه عمقًا إنسانيًا وروحيًا”.
تألق شكّور في التعبير عن جمال اللغة العربية
وبيّن نزال أن الأديب الراحل كان صديقًا ومرافقًا للشعراء الكبار، وكانت علاقاته معهم مصدر إلهام له ولهم، فقد كان يدعم الشعراء الشباب ويشجعهم، ويقدم لهم النصائح حول أعمالهم الأدبية. كان يتميّز بروح سامية وإنسانية عالية، واستقبل الشباب الطموحين بترحاب، مما يعكس تواضعه وحرصه على دعم الثقافة والأدب.
ورأى الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين أن رحيل جورج شكور يمثل خسارة كبيرة للعالم الأدبي والثقافي، ولكن إرثه في الشعر والأدب سيبقى خالدًا، يذكّرنا بجمال اللغة وعمق القيم الإنسانية التي عاشها وعبّر عنها في أعماله.
الدكتور إيهاب حمادة: أحد أعظم إنجازاته الأدبية هي ملحمة كربلاء
رئيس الملتقى الثقافي في بعلبك الهرمل، الدكتور إيهاب حمادة، رأى أن الشاعر الراحل “كان ملهمًا لعدد كبير من الطلاب والأساتذة الذين خرجوا من مدرسته الفكرية، مستفيدين من علمه واهتمامه العميق بلغة الضاد، حيث كان له تأثير كبير على جيل كامل من الأدباء والشعراء الذين تتلمذوا على يديه”.
وأوضح حمادة في حديثه لـ العهد: “أن أحد أعظم إنجازاته الأدبية هي ملحمة كربلاء التي كتبها بأسلوب يعكس عبقرية الشعر والبلاغة”، وأضاف “في هذه الملحمة، وصف جورج شكور بدقة تفاصيل حياة الإمام الحسين “ع”، مشهدًا تلو الآخر، بما يعكس عمق تأثره وتفانيه في نقل الرسالة الحسينية بأسلوب شعري ملحمي نادر”.
على الرغم من فقدانه، يظل جورج شكور رمزًا من رموز الثقافة العربية، يضيف حمادة، لكن إرثه في الأدب والشعر سيبقى حاضرًا، فقد كان يمثل قوة اللغة وجسارتها من خلال حضوره وصوته وأدائه الذي ارتقى باللغة إلى مستوى عالٍ من الجمال والتعبير.
وذكَّر حمادة في ختام حديثه بالدور البارز للأديب الراحل في المنتديات الثقافية، حيث قام بتكريم العديد من الشعراء الشباب، معبرًا عن دعمه وتقديره للمواهب الجديدة، فلم يكن يتوانى عن المشاركة في المنتديات الأدبية وتقدير الشعراء المبدعين، مما يعكس روحه الداعمة والمشجعة لكل ما هو مميز في عالم الأدب.