رسالة الشيخ الصايغ.. نداء الحق في زمن الغفلة
يوسف الصايغ - دايلي ليبانون
في زمن المِحن والشدائِد أحوج ما نكون الى لغة العقل والتعقل التي تصوّب البوصلة وتشير الى مكامن العلل بعيداً عن خطابات العواطف والقشور، فكيف إذا كان خطاب العقل والبصيرة هذا صادراَ عن قامة روحانية لها من التقوى والفضيلة مما لا يعد ولا يحصى، فنداء المرجع الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ الذي جاء في أيام عيد الأضحى المبارك حمل في طياته وبين ثناياه قيم العبور نحو شاطىء الآمان وتجاوز زمن الغفلة الذي أشار اليه الشيخ الصايغ، فكانت دعوته إلى “بني معروف في لبنان الى حفظ الأمانات، وتوجه إلى الإخوة في الجمهورية العربية السورية، المتمسكين بنهج السلف، الوطنيين الصادين لمشاريع الفتن. كما خاطب الإخوة الموحدين في فلسطين، منوهاً بصمودهم “صمود الشجعان في أرضكم بوجه الاحتلال، ولم تزل فلسطين تشهد اختبار الوطنية والعنفوان”.
نداء الشيخ الصايغ كان حازماً لجهة التأكيد على “حقيقة جذورنا والتي شكلت هوية صاغها السلف بأسمى القيم التوحيدية والانسانية، وهي هوية منفتحة على الهويات الأخرى المكونة للوطن وليست منعزلة أو متباينة، حيث أكد أنه “إذا أردنا أن نُحسّن من موقعنا في الوطن وفي نظامه (وهذا حقكم) فإن هويتنا تقول إن ذلك يتحقق عن طريق الاندماج في الاجتماع الوطني العام والإجتماع العربي العام، وليس عبر المشاريع الخاصة والتمايز عن أبناء الوطن”.
ومن خلال تحليل ما تضمنه نداء المرجع الروحي الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ نجد أنفسنا أمام جملة من المبادىء التوحيدية والمعروفية والإنسانية التي تشكل أساساً متيناً للنهوض والخروج من دائرة الفوضى والبلبلة نحو الدرب القويم والصريح في بناء الوطن وحفظه من خلال الإندماج العام وليس عبر المشاريع الخاصة، وهنا يكمن بيت القصيد في نداء الشيخ الصايغ الذي دعا الى نبذ كل مشاريع الفتن التي تتربص شراً بأبناء طائفة الموحدين من خلال محاولة الزج بهم بمشاريع إنفصالية او كونتونات مذهبية أثبتت التجارب مدى عقمها، وبأنها وصفة خراب الأوطان وتصيب المكونات المذهبية في مقتل لأنها نقيض التعددية والتنوع وهذا كفيل بأن يدمر وطناً بأسره وبالقضاء على صيرورة بقائه”.
وفي ظل حرب الإبادة التي تشهدها غزة خصوصا وفلسطين عموماً كانت أهمية كلام الشيخ الصايغ الى ما تشهده فلسطين عموما وما يتعرض له أبناء الطائفة المعروفية بشكل خاص حيث أشاد بصمودهم في أرضهم بوجه الاحتلال، ولم تزل فلسطين تشهد اختبار الوطنية والعنفوان، ما يشكل رسالة واضحة للتمسك بالأرض رغم الإحتلال، وخير دليل على ذلك ما شهدناه قبل أشهر من محاولة لإقتلاع أبناء طائفة الموحدين عبر ما يسمى بـ “مشروع المراوح” في الجولان المحتل، وكذلك ما حصل قبل اسابيع شهدنا في مناطق عرب 48 من محاولة لهدم بعض بيوت الفلسطينيين من أبناء طائفة الموحدين، فكان موقفا وطنياً مشرّفاً عبّر عنه الشيخ أبو محمد علي المعدي مع حشد من أبناء تلك القرى والبلدات والتي دفعت بقوات الإحتلال بالتراجع عن “مخطط الهدم” تحت وطأة الموقف الصلب لأبناء طائفة الموحدين الذين يشكلون جزءا من النسيج الوطني والاجتماعي في فلسطين المحتلة، وموقفهم هذا لا يخرج عن سياق الموقف الفلسطيني العام المتمسك بالأرض والرافض لأي شكل جديد من أشكال التهجير والتخلي عن الأرض والوطن”.
من جهة ثانية وإذ إشار المرجع الصايغ الى “غياب الدور الجامع لمؤسسات الطائفة، لفت الى ما وصفه بـ”ظاهرة خطيرة” وهي إن البعض قد خلط الدين بالسياسة في كثير من الأحيان لينزع جلدا ويلبس مكانه جلدا آخر، فالحذر أيها الإخوة من الوقوع في فخ النداء السهل”، وهذه إشارة الى محاولة خلط الدين بالسياسة وهذا التحذير هو من أجل حفظ مكانة الدين الذي يبقى أسمى وأرقى من الدخول في غياهب ودهاليز السياسة القائمة على المكر والخداع وهذا إنتقاص بل إهانة للدين وأهله، ومن هنا كان نداء ورجاء في ختام خطاب الشيخ الصايغ إلى النخبة من الموحدين الدروز معتبراً أن “الحاجة لكل منكم ملحة، أوصيكم ألا تبخلوا على العقول والقلوب من فرصة النهوض بالطائفة الدرزية عبر صون هويتها”، وإنطلاقا من هذا النداء يأتي كلامنا اليوم ليشكل نقطة في بحر النداء والرجاء من خلال الإضاءة على ما تضمنه نداء الحق الذي أطلقه الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ في زمن الغفلة، لعل ذلك ينير شمعة في عتمة هذه الأيام الكالحة.