ما إن انتهت المباراة الثانية لمنتخب لبنان لكرة القدم أمام أستراليا الأسبوع الماضي حتى اتسعت دائرة الكلام عن حاجة ماسّة إلى استرداد جنسية أكبر عددٍ من اللاعبين ذوي الأصول اللبنانية لمساعدة المنتخب في استحقاقاته المستقبلية. وهذه المسألة تبدو بالتأكيد ضرورة ملحّة، وهي التي تواجه عقبات البيروقراطية المأزومة في الدولة اللبنانية حيث يصعب على أي مواطن في هذه الأيام الحصول على إخراج قيد أو أي مستند رسمي جراء اعتكاف الموظفين أو عملهم بشكلٍ جزئي في غالبية دوائر النفوس والأحوال الشخصية، فكيف الحال بإصدار أوراقٍ ثبوتية لمغتربٍ لم يعش يوماً في لبنان أو لم يقم بزيارته منذ ولادته ولم يطلب سابقاً أي ورقة من السفارة اللبنانية في بلد المولد من أجل استرداد هوية الأجداد؟
وتقاطعت هذه المطالبات مع أخرى من نوعٍ آخر أعادتنا 24 عاماً إلى الوراء، وتحديداً إلى ما قبل استضافة لبنان نهائيات كأس آسيا 2000 حيث تمّ تجنيس مجموعة من اللاعبين البرازيليين لتعزيز تشكيلته، فولدت مجدداً هذه الفكرة على ألسنة العديد من المتابعين والمراقبين وحتى الخبراء الذين اعتبر البعض منهم بصراحة أنه أصبحت هناك حاجة إلى وضع استراتيجية تهدف إلى تجنيس بعض الأجانب المميّزين في الدوري المحلي إذا سمحت القوانين الكروية الدولية، وذلك أسوةً بالعديد من الدول، ومنها العربية، التي استفادت من هذه الخطوة إلى أبعد الحدود.
شروط التجنيس
يُعتبر تجنيس لاعبي كرة القدم حول العالم أحد الخيارات المرنة التي أتاحها الاتحاد الدولي للعبة للدول بهدف مساعدتها على رفع المستوى الفني لمنتخباتها الوطنية ذات الأداء المنخفض أساساً، وذلك من خلال تدعيم صفوفها بلاعبين أكثر مهارةً من أولئك المحليين بعد منحهم الجنسية ضمن شروطٍ محددةٍ. وضبطت لوائح “الفيفا” مشاركة اللاعبين المجنّسين مع المنتخبات وفق مجموعةٍ من الأنظمة، حيث فرّقت هذه اللوائح بشكلٍ واضحٍ بين لاعبٍ سبقت له المشاركة مع منتخب بلاده الأول في مباراةٍ رسميةٍ، ولاعبٍ آخر لم يشارك نهائياً مع منتخب بلاده الأول.
ويقول المحامي المتخصّص في القضايا والقوانين الرياضية، جاك طبر، في حديثٍ إلى “الأخبار”: “حدّدت المادة السابعة من لوائح الاتحاد الدولي شروط تجنيس اللاعبين الذين لم يسبق لهم أن شاركوا في أي مباراة دولية بحيث يجب توفر أحد الشروط التالية:
• أن يكون اللاعب قد ولد في الدولة التي يتبع لها الاتحاد الوطني.
• أن تكون الأم البيولوجية أو الأب البيولوجي للاعب قد ولد في الدولة التي يتبع لها الاتحاد الوطني.
• أن تكون الجدة البيولوجية أو الجد البيولوجي للاعب قد ولد في الدولة التي يتبع لها الاتحاد الوطني.
• أن يكون اللاعب قد عاش لفترةٍ متواصلة غير متقطّعة أبداً في الدولة التي يتبع لها الاتحاد الوطني المعني لمدةٍ لا تقل عن 5 سنوات، وذلك بعد أن يكون قد بلغ سن الـ 18 عاماً”.
استراتيجية مشتركة مطلوبة
هذا الشرط الأخير كان بالإمكان تطبيقه مثلاً على أكثر الأجانب تميّزاً في بطولتنا المحلية، وهو هدّاف الأنصار السنغالي الحاج مالك تال الذي وصل إلى لبنان عام 2017، لكن لو لم ينتقل للعب لمدة عامين في السعودية قبل أن يعود إلى “الأخضر” في عام 2022.
الحاج مالك، وهو الوحيد الذي تُوّج هدّافاً للدوري 3 مرات، ويتصدّر ترتيب الهدافين حالياً، كان ليصبح نقطة قوة رهيبة في منتخبنا لو كانت هناك مرونة للذهاب نحو تجنيس الرياضيين المتميّزين من قبل الدولة اللبنانية حيث تتشعّب الأمور عندما يرتبط الأمر بهذا الملف الذي يصوّره البعض وكأنه من المحرمات أو لا يجب
الحديث عنه، رغم أنه كان واضحاً أن كسر القاعدة ممكن خدمةً للمصلحة العامة، وهو ما حصل أقله في حالتين مرتبطتين بمنتخب لبنان لكرة السلة مع تجنيسٍ كامل مُنح للاعب الارتكاز الدولي السابق جو فوغل، وأخيراً لمواطنه الأميركي أوماري سبيلمان الذي شارك مع المنتخب في كأس العالم الأخيرة.
يعتبر كثيرون أن التجنيس ضرورة في ظل شحّ إنتاج المواهب في الأندية اللبنانية
وبرأي طبر الذي تسلّم ملفات قانونية كثيرة في الأندية المحلية “أن موضوع التجنيس في لبنان لم يصل إلى المستوى الذي وصلت إليه الدول العربية الأخرى، والسبب في ذلك يعود إلى عدم تعاقد أندية كرة القدم مع لاعبين أجانب ذوي مستوى فني عالٍ باستثناء عددٍ قليل جداً منها، إضافةً إلى عدم وضع خطط عامة بين الاتحاد المحلي وهذه الأندية للحفاظ على اللاعبين الأجانب بهدف إصابة أحد شروط التجنيس كذاك الذي يرتبط بالمدة الزمنية للعيش في البلاد”.
بالفعل هو شرطٌ كان ليلتقي مع وضع الحاج مالك الذي افتقد المنتخب اللبناني للاعبٍ هدّاف على شاكلته منذ زمنٍ طويل، لكن ربما يكون العمل في المرحلة المقبلة على أي متميّزٍ آخر صاحب سنٍّ صغيرة كمواطنه بوكونتا سار (22 عاماً)، على سبيل المثال لا الحصر، وهو الذي أمضى حتى الآن عامين كاملين في الكرة اللبنانية مع فريق الحكمة، ولعب معاراً للنجمة والبرج في استحقاقين خارجيين مهمين، وذلك وسط كلامٍ عن مراقبته من قبل كشّافين لنقله إلى خارج الحدود، وهو ما يحتّم إذا ما كانت هناك رغبة في تجنيسه أو تجنيس غيره، التعاون بين الاتحاد والنادي المعني لتأمين ما يغريه مادياً من أجل البقاء في “بلاد الأرز” للمدة الزمنية المطلوبة.
بكل الأحوال، قد تكون الفكرة أصلاً غير واردة في غياب رئيسٍ للجمهورية وحكومةٍ أصيلة في الوقت الحالي، لكن هي فكرة لا يجب أن تسقط من البال بعدما شحّ إنتاج الأندية للمواهب وتصديرها إلى المنتخب الذي يُعتبر نتاج عملها. وهي فكرةٌ لا يجب أن نستعيدها في كلّ مرةٍ نستذكر فيها مثلاً تفوّق منتخب الإمارات علينا أو عندما نستعيد صورة المنتخب القطري على منصة التتويج في نسختين متتاليتين من كأس آسيا.