“المساخر اليهودي”.. محطةٌ لتجديد نهج العدوان على “الأقصى” وتقسيمه وتغيير هويته
المركز الفلسطيني للإعلام
شهد المسجد الأقصى أمس الأحد اقتحاما مركزيا من قِبل المستوطنين للاحتفال بما يسمى “عيد المساخر اليهودي بوريم”، الذي سيتواصل اليوم الإثنين، وسط تحذيراتٍ من المخططات الصهيونية المتواصلة لاستغلال مثل هذه المحطات لتنفيذ أجندات الاحتلال بتغيير هوية الأقصى وتقسيمه.
واقتحم عدد كبير من المستوطنين صباح الأحد، باحات المسجد الأقصى المبارك بحماية شرطة الاحتلال في أول أيام ما يسمى عيد “المساخر البوريم”، فيما أقدم جنود الاحتلال على تفريغ المصلى القبلي من المصلين والمعتكفين تمهيدًا لإكمال اقتحامات المستوطنين الإثنين احتفاء بعيدهم المزعوم.
مشروع للإحلال الديني لتغيير هوية الأقصى
وحذر الباحث المختص بشؤون القدس زياد ابحيص من أنّ عيد “المساخر العبري” الذي بدأ الأحد ويستمر ليوم الإثنين، سيشكل منصة لتجديد نهج العدوان على الأقصى انطلاقاً من الأعياد التوراتية، ومناسبة للنكاية التي يدير الكيان الصهيونية حربه مدفوعاً بها، ومحطة متجددة لمحاولة تغيير هوية الأقصى وتكريس التقسيم فيه بالإصرار على اقتحامه في الأعياد التوراتية حتى حين تتقاطع مع رمضان، وليشكل بالتالي تجديداً للتحدي المفروض على شعب فلسطين والأمة بأسرها أمام مشروع إحلالٍ ديني بات يضع الأقصى في قلب أهدافه.
وأكد ابحيص في تصريحاته لـلمركز الفلسطيني للإعلام أنّ هذا التقاطع ما بين عيد المساخر والأسبوع الثاني من شهر رمضان ليجدد سلسلة عدوانٍ متصلة على مدى خمس سنواتٍ مضت، حيث تقاطعت في السنوات الثلاث ما بين 2019 و2021 الذكرى العبرية لاحتلال القدس –أو يسمى صهيونياً بـ “ذكرى توحيد القدس”- مع يوم الثامن والعشرين من رمضان، وهو ما انتهى إلى انطلاق معركة سيف القدس مساء اليوم ذاته من 2021، ثم تقاطع عيد الفصح التوراتي مع الأسبوع الثالث من رمضان في 2022-2023 ليكون عنواناً لتوتر وتصعيدٍ في الأقصى، ولتصدٍّ ورباط كان الاعتكاف عنوانه المركزي وهو ما أدى إلى معركة الاعتكاف في رمضان من عام 2023؛ والتي شكلت أول نموذج انخراط متعدد الجبهات في معركة الأقصى، ولعلها كانت الجولة الاستطلاعية عملياً ما قبل طوفان الأقصى في 7 أكتوبر.
ولفت إلى أنّ اليوم ومع إضافة شهرٍ للسنة العبرية لتصحيح تناظرها مع التقويم الشمسي فقد بات عيد المساخر العبري “البوريم” في مواجهة رمضان، وهو عيد هامشي مقارنة بالأعياد التي كانت تتقاطع مع رمضان في السنوات الخمس الماضية، وأحد مصادر هامشيته كما يوضح المسيري بأنه يأتي قبل عيد الفصح العبري بشهر واحد، وبينما يتقاطع الفصح العبري مع الفصح المسيحي فإن البوريم لا يتقاطع مع أي عيد في القارة الأوروبية، وهو ما جعل قيمته تتراجع أكثر لدى غالبية يهود العالم الذين تركزوا في أوروبا، وهو ما كان ينعكس بالفعل في التطبيق إذ كانت جماعات الهيكل تتخذه منصةً للتحضير لعدوان الفصح وتجديد آلة الاقتحامات بعد التوقف الطويل للأعياد التوراتية ما بين شهري أكتوبر ومارس في التقويم الميلادي.
تشخيص المخاطر
وأوضح ابحيص العديد من المخاطر التي تهدد المسجد الأقصى بهذا اليوم، قائلا: هذا العام يمكن تشخيص ما يحمله عدوان “المساخر العبري” من خطرٍ على الأقصى في: تجديد نهج اتخاذ الأعياد التوراتية منصة للعدوان على الأقصى: إذ أنه أول عيد توراتي يأتي بعد معركة طوفان الأقصى التي انطلقت في ختام موسم الأعياد الطويل السابق، باستثناء مناسبة هامشية هي عيد الأنوار العبري تأتي في شهر ديسمبر الميلادي ويستمر الانقطاع في الأعياد من بعدها.
وحذر من أنّ جماعات الهيكل ترى اليوم في هذا العيد اختباراً لإرادتها ولصبرها، ولقدرة الصهيونية الدينية على تجديد العمل بسياسة الإحلال الديني في الأقصى رغم ما تلقاه الكيان وما يزال يتلقاه من ضربات في الحرب، وهو يشكل بالتالي منصة مهمة للتحضير للفصح العبري الذي سيحل بعد أسبوعين من رمضان في 23-4-2024، والذي كانت جماعات الهيكل تنتظر بفارغ الصبر تمرير تقاطعه مع رمضان لعل فرصتها في فرض قربان الفصح فيه تصبح أفضل، فقربان الفصح في الأقصى هو عنوان مركزي في فكرها الخلاصي.
ومن جانبٍ آخر يرى ابحيص الخطورة الكامنة في هذا اليوم بأنّه يشكل بخلفيته التاريخية مناسبة لاستعراض النكاية بالأعداء: فهو يخلد الأسطورة التوراتية التي تجسد كيف يجعل الرب من أعداء اليهود “فداء لشعبه”، فالوزير الفارسي هامان حاول أن يدبر مذبحة لليهود في هذا اليوم لكنه قُتل هو في مكانهم وعُين موردخاي اليهودي وزيراً بدلاً منه، وفي العقل الصهيوني اليوم فإن كل صهيوني هو موردخاي وكل فلسطيني هو هامان الذي سيجعله الرب فداء، وهو ما يجعل المساخر العبري محطة للنكاية والتشفي إذ يأتي أثناء حرب تشكل هذه الدوافع النفسية محركها الرئيس.
وأحد المخاطر الكبيرة في هذا العيد يتمثل في تكريس التقسيم، موضحًا أنّه بالنسبة لجماعات الهيكل والكيان الصهيوني عموماً، فإن تقاطع مناسبة توراتية مع شهر رمضان هو فرصة لتكريس التقسيم؛ للتأكيد عملياً بأن الأقصى ليس مقدساً إسلامياً خالصاً بل هو مقدس مشترك، وبأن الاعتبار الإسلامي فيه لا يسمو على الاعتبار اليهودي، وهذا ما يزيد في الممارسة من وزن أي مناسبة تتقاطع مع شهر رمضان، لأنها ببساطة نافذة لتكريس سياسة باتت تقع في صدارة الأهداف الصهيونية: الإحلال الديني في الأقصى، وليست فكرة التقسيم إلا خطوة مرحلية على طريقه.
التصدي لمشاريع الاحتلال
وقدم الباحث في شؤون القدس رؤيته لمواجهة هذا الخطر بالقول: إن التجربة برهنت منذ 2013 ومروراً بمحطات 2019 و2021 و2022 و 2023 بأن الاعتكاف في الليلة السابقة لأي اقتحام هو البوابة الضرورية لإفشاله أو على الأقل للتصدي له وعدم السماح بأن يستفرد المقتحمون بالأقصى؛ ولذلك كان الاعتكاف عنوان معركة في عام 2023، ولذلك تحرص قوات الاحتلال على منعه وحصره بأيامٍ محدودة على مدار العام فيما يخوض المقدسيون والمرابطون معارك متتالية لفرضه، ولذلك تحديداً حرصت قوات الاحتلال على اقتحام الجامع القبلي ليلة الأربعاء على الخميس لتطرد المصلين بعد التراويح وتتأكد من منع الاعتكاف قبيل اقتحام الخميس في يوم الصيام التحضيري لـ”عيد المساخر” العبري، وكررت التجربة ليلة السبت على الأحد 24-3 لتحرص على تمرير عدوان المساخر التوراتي دون رد.
وختم ابحيص بالقول: المؤسف فعلاً في هذه المواجهة على الاعتكاف، هو حرص الأوقاف على إخراج قرار الاعتكاف في كل عام وكأنه قرارها الحر، رغم أنه يُمنع على الملأ بسلاح جند الاحتلال وبساطيرهم، ورغم أن قصر الاعتكاف على أيام الخميس والجمعة والعشر الأواخر لا يحمل أي مسوغٍ ديني، ويتناقض تناقضاً صريحاً مع التوجيه النبوي بشد الرحال إلى المساجد الثلاث، فإلى متى يستمر هذا الإصرار؟ وأي فائدة ترجى منه؟