الرئيسيةمجتمع ومنوعات

UNDO THE DAMAGE حملة كراهية أم مطالبة مُحقّة برفع الضرر؟

زيزي إسطفان - نداء الوطن

منذ أن انتشرت حملة UNDO THE DAMAGE التي تندّد بسعي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني، إرتفعت أصوات معارضة تتّهم الحملة المذكورة بتزوير الصور والوقائع وبثّ الكراهية تجاه النازحين السوريين. أصوات لم تخنق صوت من أطلق الحملة ومن دعمها ورأى فيها جرس إنذار للخطر المحدق بلبنان حاضراً ومستقبلاً إذا بقي الوجود السوري على حاله. جدلية تعكس واقع المجتمع اللبناني المنقسم على نفسه حتى في قضاياه الوجودية وواقع مجتمع النزوح الخائف على مصيره.

أطلقت شركة PHENOMENA للإعلان والخدمات التسويقية مؤخراً حملة واسعة النطاق تحت عنوان UNDO THE DAMAGE للتحذير من مخاطر استمرار الوجود السوري غير المضبوط في لبنان وانتشرت ملصقاتها على اللوحات الإعلانية في الشوارع كما يتمّ بثّ الفيديوات المختلفة الخاصة بالحملة على شاشة محطة MTV والحملة تحمل توقيع سامي صعب صاحب الشركة الإعلانية وتعكس رؤيته الواقع وهي تلقى الدعم من بيت لبنان العالم، غرفة التجارة والصناعة والزراعة والهيئات الاقتصادية اللبنانية إضافة الى محطة MTV وترتكز على شعار واحد يتضمّن لعباً على الكلمات: إرفعوا الضرر قبل فوات الأوان والـUN هي المتسبّبة في الضرر، وبين DAMAGE ودمج وهو ما تحذّر منه الحملة. لكنّ المعارضين رأوا فيها استهدافاً للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع وبثاً للكراهية عبر استخدام الصور والأخبار الزائفة…

إتّهامات بتحريف الصور

الأصوات المعارضة ركّزت عبر المنصات ومواقع التواصل على نسف مصداقية الحملة عبر التركيز على الشكل أكثر من المضمون وحاول موقع «صواب» لتقصّي صحة الأخبار مثلاً أن يحدّد الأمكنة والأزمنة المحدّدة التي أخذت فيها الصور التي استخدمت في الفيديوات لإثبات أنها استخدمت لغير غرضها الأصلي وبالتالي لا تعكس الواقع الحقيقي للاجئين السوريين في لبنان. فالعائلة السورية التي يتحدث عنها أحد الفيديوات مثلاً وينشر صور أفرادها هي عائلة مركّبة وهمية تمّ تجميع صورها من مصادر مختلفة وتركيب أسماء لها وواقع غير حقيقي. كذلك سعت منصة «مسبار» الأردنية لتقصّي الحقائق، الى التركيز على الأمر ذاته عبر القول إن الحملة تستهدف السوريين في لبنان وتحمّلهم مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد. وتؤكد المنصة أن الحملة اعتمدت على معلومات مضللة ومقاطع فيديو مجتزأة من سياقات مختلفة وأبرزها تضخيم أعداد السوريين في لبنان، إذ إنها تدّعي أن أعدادهم تصل الى 40% من عدد السكان لكن وبحسب «مسبار» فإن هذا الإدعاء غير صحيح إذ بحسب بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان بلغ عدد سكان لبنان عام 2023 حوالي 5,400,000 نسمة وبحسب الناطقة باسم المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان فعدد اللاجئين السوريين المسجلين حالياً هو 795322 لاجئاً وتشير آخر تقديرات المفوضية التابعة للأمم المتحدة الى أن العدد هو 815000 لاجئ وهذا يعني أن عددهم يعادل 15% فقط من عدد سكان لبنان. وتتابع المنصة تفنيد ما ورد في حملة UNDO THE DAMAGE قائلة إنها تعتمد قصصاً مختلفة وصوراً تعبيرية وليست حقيقية وحين بحث الموقع في أصل الصور وجد أنها تعود الى مخيمات وأشخاص خارج لبنان وفي أوقات مختلفة.

من جهته نشر موقع «صواب» أنه بحسب إحصاءات Worldmeter يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان قرابة 800000 لكن يقدر العدد الفعلي بضعفي العدد المسجل بسبب عدم قدرة فئة كبيرة على التسجيل بحسب منظمة Anera وبالتالي تؤكد المنصة في مقالها أن نسبة اللاجئين السوريين في لبنان تبلغ 30% كحد أقصى من نسبة سكان لبنان وليس 50% أو نصف السكان كما ادعت الحملة.

بالإثباتات حاولت المنصات المختلفة إبراز الأخطاء الواردة في الحملة وذلك لنسف مصداقيتها والقول إنها لم تعتمد التركيبات الوهمية إلا لتحفيز الشعب اللبناني ضد الوجود السوري لا سيّما أن من يدعمونها معروفو التوجّه السياسي.

هل يعودان؟!

النازح ضحية الـUN كما اللبناني

في سعيها لإبراز وجهتي النظر تواصلت «نداء الوطن» مع سامي صعب مطلق الحملة ومبتكر شعارها لمعرفة كيف يردّ على الاتهامات بفبركة الصور والوقائع. بانفعال شديد يقول صعب: «قصة اللاجئين السوريين يفترض أن تكون قضيتنا كلنا فنحن إضافة الى كل مشاكلنا نشعر أننا نازحون في بلدنا. لا يمكننا في هذا البلد الصغير أن نحمل عبء اللجوء عن كل الكرة الأرضية. لقد بات معروفاً وواضحاً أن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة تدفع الأموال ليبقى النازحون في لبنان ولا تسلم الداتا الحقيقية لأعدادهم وتقوم بابتزاز الوزارات اللبنانية فلا تمنحها مساعدات إلا إذا ذهب نصفها للسوريين كما جرى مع وزارة التربية مثلاً».

يتابع صعب دفاعه قائلاً: «النازح يذهب الى سوريا ويعود وينتخب الأسد إذاً هو نازح اقتصادي وأنا كمواطن لي حق بأن أطلب من الأمم المتحدة وخاصة UNHCR أن ترفع الضرر عن لبنان ليس من باب الكراهية أو الحقد على السوريين بل من باب تعصّبي لبلدي الذي تكاد تختفي هويته. وفيما أبناؤنا يهاجرون فإن اللاجئين يتكاثرون ليتحوّلوا الى قنبلة موقوتة سوف تنفجر قريباً في وجه لبنان. المنظمات الدولية، يؤكد صعب، تمارس ضغوطاً لدمج اللاجئين في المجتمع اللبناني وممنوع أن يتم الكلام في هذا الموضوع حتى على صعيد الدولة اللبنانية والوزارات المختصة وفي المنابر والمؤتمرات الدولية المخصصة للجوء السوري. السوريون هم ضحايا مثلنا لكن ثمة من يتلاعب بالموضوع بشكل واضح وقد حاولت في فيديوات مختلفة القول إن سوريا بحاجة لكل أبنائها لإعادة إعمارها. وقد تجاوب أصدقاء السوريين مع الحملة أكثر من بعض اللبنانيين».

بعيداً عن التنظير والمعتقدات نسأل صعب عن رده المباشر على فبركة الصور وتمويل الحملة «المشبوه» كما يدعي البعض فيجيب أن الحملة أتت بمبادرة شخصية منه بعد حملة صغرى قام بها على مواقع التواصل وأن كثيرين طلبوا منه توسيعها كونها قضية وطنية. وكان يفترض بها أن تنزل قبل الحرب على غزة لكن تم تأجيلها بسبب تبدل الأولويات. «ثمة جهات لديها حسّ وطني وقد ساهمت في التمويل للإنتاج والطباعة والنشر، وهذا أمر لا أخجل به والى كل من يقول إنني أقبض من جهات مختلفة أقول لو كنت من هذا النوع لتلقيت المال من الـUN فقد وردتني اتصالات من موظفين كبار فيها هنا وفي دول مجاورة لحثّي على التخلي عن الحملة و» شو صاير عليك تفوت هالفوتة». لست أنا من يقبض ولا أنتمي الى جهة سياسية بل السوريون هم من يقبضون المال شهرياً من مفوضية اللاجئين. أنا إنسان حر أطالب بتصحيح الخطأ وإزالة الضرر. لم أتوجّه بكراهية الى أي سوري بل توجهت الى الجهة المسؤولة الوحيدة القادرة على تغيير سياسة الضغط على لبنان أما السوريون فطلبت منهم أن يعودوا الى بلادهم لأنها بحاجة إليهم لا بل ثمة رسالة من القلب يقولها أحدهم في أحد الفيديوات» مشان الله رجعوا لنعمر سوريا سوا» أين العنصرية في ذلك؟». الجهات التي انزعجت من الحملة ويمكن أن تتضرر من تنظيم الوجود السوري في لبنان برأي صعب هي التي قامت بحملة مضادة. «نحن أخذنا إذناً من الأمن العام وانتظرنا شهراً ونصفاً قبل أن تتم الموافقة والحمد الله أن الأمن العام لم يخضع للضغوطات وأثبت أنه جهاز وطني لا يمكن أن يمنع حملة تجسّد صرخة وطنية». نسأل صعب ماذا عن الصور المفبركة؟ «إنها صور تعبيرية اشتريتها ضمن القانون لتركيب عائلة رمزية وهذا ما تقوم به الإعلانات والأفلام عادة. لم أشأ أن أعرّض أي لاجئ سوري للخطر لكن رمزية الفيديو تنطبق على الواقع. ألا نرى يومياً عائلات بأكملها مؤلفة من 7 أفراد تنتقل على الدراجات النارية الصغيرة؟ ألا نرى من حولنا أن الولادات قد وصل عددها الى 300000 ولادة غير مسجلة؟ لقد انتقدوا الشكل لكنهم ليسوا قادرين على انتقاد المضمون الذي يهدف الى تصحيح الخطأ عبر التوجّه الى الجهة الوحيدة القادرة على ذلك…

د. علي فاعور

المخيم الكبير

في رأي محايد بعيد عن الحملة ومن ينتقدها يعرض د. علي فاعور الباحث في شؤون السكان خلال محاضرة ألقاها في مهرجان الكتاب اللبناني في انطلياس في اذار 2024 بعنوان: “العوائق التي تمنع عودة النازحين الى سوريا… معارضة المجتمع الدولي، وتوقعات العودة بعيدة جداً”، خرائط ووثائق تؤكد أسباب تأخر عودة النازحين لجهة معارضة المجتمع الدولي لخطة العودة قبل الحل السياسي، وتشديد الحصار على سوريا.

ويقول د. فاعور إن المفوضية العليا للاجئين، مع غيرها من المنظمات الدولية، تنفذ عمليات الدمج المتكامل على الأراضي اللبنانية، دون التقيّد بتطبيق القوانين اللبنانية، مما بات يهدد “ديموغرافية لبنان وهويته” بعد مرور 13 سنة على استضافة النازحين الذين زاد عددهم بأضعاف عدد اللبنانيين في الكثير من المناطق اللبنانية لا سيما الفقيرة منها.

وعرض د. فاعور في دراسة أجراها نتائج استقصاءات ميدانية حول العوائق التي تمنع عودة النازحين، وفي مقدمتها المساعدات النقدية التي تمنع عودتهم، وتشجع المزيد من موجات الهجرة وبخاصة من الشباب القادمين الى لبنان للحصول على الدعم المالي والصحي والتعليمي والغذائي الذي توفره لهم الأمم المتحدة في لبنان..وحول رغبة النازحين السوريين في لبنان بالعودة الى سوريا تبيّن نتائج الاستقصاء أن 94% منهم “ذكروا صراحةً بأنهم لا ‏يرغبون بالعودة إلى سوريا خلال الإثني عشر شهرًا التالية”‏وذلك في مقابل 1,1 في المائة فقط أجابوا بنعم، وخمسة في المائة بأنهم لم يقرروا بعد.

أمام هذا الواقع تستخلص الدراسة أن عودة النازحين السوريين بعيدة جدا بعد أن أنشأت المفوضية مع المنظمات الدولية التابعة لها، على امتداد السنوات ال 13 الماضية، وعلى ‏انقاض الدولة المتصدعة، “مخيّماً كبيراً” لرعاية اللاجئين، لا مثيل له في العالم … ولا شك أن هناك سيناريوهات للتوطين تتم دراستها ضمن مشروع خارطة الشرق الأوسط الجديد، وهي ‏أكثر رعباً كونها تهدف إلى توتير الداخل لتغيير التوازن الديموغرافي في لبنان ‏ والسنوات العشر القادمة سوف تغيّر وجه لبنان‏.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى