بدعةٌ جديدة ابتدعتها حكومة تصريف الأعمال في مقاربة الحلول الترقيعية لمطالب موظفي القطاع العامّ، حيث أقرّت ما يسمى بدل صفائح محروقات في سابقة لم تشهد لها أي من الدول العالم مثيلاً مطابقاً. إذ نصّت المادة الأولى من مرسوم رقم 13020 الرامي إلى إعطاء تعويض مؤقت لجميع العاملين في القطاع العامّ والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي، على التالي:
1 – بالإضافة إلى التعويضات المنصوص عليها في القانون النافذ حكماً رقم 10 تاريخ 2022/11/15 وفي البند الأول من المادة الأولى من المرسوم رقم 11227 تاريخ 2023/4/18، يتقاضى موظفو الملاك في الإدارات العامة والمتعاقدون والأجراء ومقدمو الخدمات الفنية والمستخدمون وأجراء الخدمة في المشاريع المنبثقة لدى وزارة الشؤون الإجتماعية وموظفو السلك الخارجي العاملون منذ أكثر من سنتين في الإدارة المركزية (دون المنتمين إلى السلك القضائي والتعليمي)، تعويضاً مؤقتاً شهرياً يوازي ضعفي الراتب الأساسي أو التعويض أو الأجر الشهري، وعلى ألا يزيد هذا التعويض عن ثلاثين مليون ليرة لبنانية شهرياً.
2 – بالإضافة إلى التعويض المؤقت الشهري، يتقاضى موظفو الملاك في الإدارات العامة والمتعاقدون والأجراء ومقدمو الخدمات الفنية والمستخدمون وأجراء الخدمة في المشاريع المنبثقة لدى وزارة الشؤون الإجتماعية وموظفو السلك الخارجي العاملون منذ أكثر من سنتين في الإدارة المركزية (دون المنتمين إلى السلك القضائي والتعليمي) تعويضاً شهرياً آخر يُحدد كما يلي:
ما يوازي بدل 8 صفائح محروقات لموظفي الفئة الخامسة والأجراء ومقدمي الخدمات الفنية.
ما يوازي بدل 10 صفائح محروقات لموظفي الفئة الرابعة.
ما يوازي بدل 12 صفيحة محروقات لموظفي الفئة الثالثة.
ما يوازي بدل 14 صفيحة محروقات لموظفي الفئة الثانية.
ما يوازي بدل 16 صفيحة محروقات لموظفي الفئة الأولى.
لغاية إحتساب هذا التعويض يعتمد سعر ثابت لصفيحة البنزين بقيمة / 1,500,000 / ل.ل.
تهرّبٌ حكومي
يؤكد النقابي محمد قاسم خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن»، على أنّ «منذ تشكيلها، تعتمد هذه الحكومة سياسة الهروب إلى الأمام والتهرّب من تحمّل المسؤولية لمعالجة الأزمات في البلد لا سيّما أزمة القطاع العام، وتتعاطى مع قضية التضخم والغلاء بمسكّنات منتهية الصلاحية. كذلك، لم تأخذ في الاعتبار أن العاملين في القطاع العام خسروا ما يتجاوز الستين ضعفاً من قيمة رواتبهم الشرائية، فحاولت التخفيف من هذا العجز المالي للموظفين والعاملين والأساتذة والمتقاعدين عبر إعطائهم راتباً إضافياً تدريجياً على مدى ثلاث سنوات، بدءاً من الضعفين في 2022، وثلاثة أضعاف عام 2023 أما حالياً فتعطيهم ما بين الضعفين والثلاثة رواتب اضافية ليتساوى الجميع بتسعة إضعاف، بينما الخسارة تجاوزت الستين ضعفاً».
بدعٌ ومسكنات
ويتابع: «هذه الأزمة العميقة تواجهها الدولة ببدع ومسكنات وإغراءات وتمييز وإستنساب، وفي الوقت نفسه تتلاعب بمصير الموظفين وتذر الخلافات بينهم عبر إعطاء إرضاءات وحوافز وبدلات وتعويضات غير متساوية، من بينها بدلات البنزين المادية، وآخر اختراعاتها أيضاً بدل مثابرة. الإغراءات التي تعطيها الحكومة لموظفي القطاع العام لا تمت إلى الواقع بصلة كي لا تواجه حقيقة التضخم التي تبرزها لجنة مؤشر الأسعار، وقد صدرت منذ أيام عن مصرف لبنان تقارير تثبت أن ارتفاع غلاء المواد الغذائية فقط وصل إلى الـ250 ضعفاً، وهذا رقم هائل بالنسبة إلى رواتب القطاع العام».
معايير غير متوازنة
ويوضح أن «رغم كل الإغراءات التي قدمتها الحكومة، لا تزال رواتب الموظفين الإداريين تتراوح ما بين 23 و27% من إجمالي قيمة رواتبهم عام 2019 هذا من دون إحتساب بدل النقل والمثابرة، وفي حال إعطاء الراتبين الجديدين مع بدل المثابرة يصبح المعدل الوسطي ما بين 30 و40%. أما المتقاعدون المدنيون والعسكريون فتتراوح نسبة رواتبهم ما بين 15 و18% مقارنةً مع ما كانت عليه عام 2019 رغم إعطائهم الآن ثلاثة رواتب. توازياً، إعتمدت الدولة سياسات ومعايير غير متوازنة، فمثلاً إذا تحرك المعلمون ونفذوا إضرابات تعطيهم 300$ شهرياً بدل حضور وبدل حوافز مهددة بالتوقف مع انتهاء العام الدراسي عوض أن تصحح رواتبهم. الأمر نفسه ينطبق على أساتذة الجامعة اللبنانية الذين صرفت لهم اعتمادات مالية لصندوق التعاضد عندما هددوا بالإضراب، فأعطتهم الحكومة 648$ شهرياً من الموازنة وصرفت لصندوق التعاضد مبلغاً من المال ليدفع لهم بحدود الألف دولار شهرياً، بالتالي تصل حوافز أساتذة «اللبنانية» إلى حدود الـ1648$. الموضوع نفسه مطروح للقضاة الذين تتراوح زياداتهم ما بين 600 و1560$. وفي حين يحصل متقاعدو الجامعة على 400$ أي 40% مما يدفعه صندوق التعويضات، يتقاضى المتقاعدون من القضاة 340$ شهرياً، أما متقاعدو القطاعات الأخرى فتتراوح نسبة تعويضاتهم ما بين 15 و18% من أصل الراتب». ويلفت إلى أنه «قبل صدور المرسوم 13020 الأخير، حاولت الحكومة إستخدام الإبتزاز الرخيص عبر التهديد بوقف الرواتب وتحريض موظفي وزارة المالية ومصلحة الصرفيات بالتوقف عن العمل، هنا لا بد من التشديد على أن كل الموظفين بمن فيهم موظفو المال يستحقون رواتب لائقة تمكنهم من القيام بعملهم وواجباتهم».
ويعتبر «صفائح البنزين بدعة جديدة مثلها مثل غيرها. هذه قرارات لا مثيل لها في تاريخ البشرية ومهما بحثنا عن أمثلة عالمية من المستحيل إيجاد ما يسمّى ببدل الحضور، علماً أن جميع الموظفين كانوا يحضرون إلى أماكن عملهم منذ أن شغلوا مناصبهم من دون أن يحصلوا على بدل حضور أو بدل بنزين».
بدل مثابرة!
ويردف: «الحكومة تحاول بطريقة غير معلنة، لم تقر في المرسوم 13020، منح بدل مادي لمن يقوم بمثابرة عمل تفوق الـ14 يوماً شهرياً التي تحدد بدل النقل وهذه الأموال ستؤمن إما من إحتياط الموازنة أو بإعتمادات خاصة لا نعلم مصدرها. قيمة بدل المثابرة هذا ستتراوح ما بين 15 و25 مليون ليرة لبنانية، حسب أيام العمل التي تتجاوز الـ14 يوماً. بذلك يزداد الشرخ بين الموظفين وبين المتقاعدين في الإدارة الواحدة ما يزيد من بدع الحكومة والأدوية السطحية لعلاج أمراض مستعصية، وهذا لا يجب أن يمر مرور الكرام».
خطر جدّي
وينبّه من «الخطر الجدي على مصير القطاع العام والمؤسسة العامة. فما هي القطبة المخفية التي تمارسها الدولة على هذا المستوى؟ هل المقصود التقتير بالمداخيل لدفع الموظفين إلى الهروب والهجرة وتفرغ القطاع العام من الكفاءات وهذا ما بدأ يظهر؟ هل هذا مؤشر أو مدخل لخصخصة القطاع العام وهو القطاع الذي حفظ وحدة الوطن وكان له دور كبير في تجاوز كل الأزمات؟».
الحلّ… سياسة واحدة موحدة
ويرى أن «سياسات الصيف والشتاء لن توصل إلى أي نتيجة تحت سقف واحد. الحل يكون عبر لجوء الحكومة لسياسة واحدة موحدة والخروج من بدعة العطاءات الفارغة للوصول إلى مرحلة تصحيح الرواتب والأجور وفق معايير موحدة متوازية ووفق مؤشر الغلاء والتضخم الصادر عن الدولة وعن لجنة المؤشر. المطلوب من الدولة الإقرار بحق الموظف كخطوة أولى وبعدها تتدرّج في التصحيح لاستعادة الرواتب ما بين 40 و50% من قيمتها على الأقل واعتماد سياسة التقسيط مع المبالغ المتبقية».
ترقب لتنفيذ الوعد
ويختم: «نترّقب تنفيذ الحكومة وعدها بتصحيح الأجور في حزيران، رغم أن ذلك مستبعد لأنها لم تستدرك الاعتمادات منذ الآن، والتأجيل ثلاثة أشهر يفسّر بأنه محاولة لكسب الوقت وتنفيس التحركات»، متوقعاً أن «تشهد الساحات بعد رمضان حراكاً متصاعداً ونوعياً وضاغطاً قد يطلقه المتقاعدون من أجل تصويب هذه الأوضاع، لأن أي قطاع لم يعد يتحمل أوزار هذه السياسات والجميع يريد تصحيحاً حقيقياً للرواتب والأجور».
تجزئة التعويض متباينة!
من جهتها رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر تسأل: «هل يعقل تجزئة التعويض إلى ثلاثة: ضعفا الراتب كجزء الأول، الثاني بنزين والثالث مكافأة مثابرة. وشروط كل جزء متباينة؟». وتعتبر خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن» أنه «مهما أطلقت الحكومة مسميات على التعويضات كلها تصب في خانة واحدة وهي التعويض المؤقت المشروط وهذا سبب إحتجاجنا، لكننا لم نرفض صفائح البنزين لأن بدل نقل الـ14 يوماً تحصيل حاصل لم نتمكن من تغيير أي شيء فيه حين كان التعويض المؤقت أربعة رواتب، ولم نعلق على التفاوت بين الفئات على اعتبار أنه تعويض مؤقت مشروط وليس بدل نقل. بالتالي، نعترض حتى اللحظة على قيمة بدل النقل لأنه إن جاء من دون أي إضافات يكون مبلغاً زهيداً لا يغطي كلفة النقل. وكأن الحكومة أعطت بدل نقل عندما قدمت 8 صفائح تغطي فرق بدل النقل، إلا أنها غير كافية وغبر مدموجة في صلب الراتب. ونعول على وعد الحكومة بإقرار سلسلة رتب ورواتب في حزيران ليُبنى على الشيء مقتضاه».
بدل المكافأة… قبول مشروط
وتكشف «أننا ننتظر إستكمال ما ورد في قرار مجلس الوزراء لمعرفة تفاصيل أكثر عن مكافأة المثابرة ونوعها وشروطها. إلا أنه يبدو أنها بدعة بحد ذاتها. فلماذا وضع شروط للمثابرة؟ ولماذا سميت مكافأة في حين يمكن إعطاؤها كتكملة للتعويض؟ من قال إن مثابرة الموظف تكافأ؟ هل الحضور مشروط بالابتزاز؟ فليعطَ الموظف حقه ومن واجبه في المقابل المثابرة على الحضور. باختصار هذه التسمية تثير تساؤلات حول الفئات التي ستحصل عليها ومدى إستنسابية شروطها ومعاييرها. فلتسميه الدولة مهما شاءت لأننا إعتدنا على ذلك، إنما قبولنا ببدل المكافأة مشروط بعدم تحفيزه للإستنسابية وللمزاجية بتحديد أصحاب الحق فيه، إن كان لجهة تحديد الموظفين وقيمة بدلهم أو لجهة فصل الإدارات بين المنتجة وغير المنتجة للمال».
وتشير إلى أن «توحيد سعر صرف الدولار إنطبق على كل ما يتوجب على الموظف دفعه، إنما حقه لا يزال يعطى على أساس سعر صرف 1500 ليرة لبنانية إن كان تعويض صرف أو التعويضات المؤقتة والمشروطة والقابلة للإلغاء»، مؤكدةً أن الموظفين لن يقبلوا «بأي شكل من الأشكال العودة إلى الاستنسابية والمزاجية والتسيب في توزيع الأموال وسنطعن من دون شك إن حصل ذلك».
وتكشف «بدعة أخرى تظهر في المفعول الرجعي ومدته ثلاثة أشهر، حيث يشترط على الموظف أن يكون حضر 14 يوماً منذ كانون الأول الماضي في حين أن القرار صدر ما بعد مرور فترة المفعول الرجعي ما يعني أن هذا شرط غير قابل للتنفيذ وقابل للإبطال قانوناً».