لا تعطي مقاربة مسار العلاقة بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزاف عون إلا انطباعاً واحداً، وهو أنّ ما أفسده الدهر لا يصلحه العطار، حيث تشي الأمور بأنه لم تعد هيّنة إعادة اللحمة بين الطرفين إلى حدّها الطبيعي أو المقبول.
في حمأة الخلاف القائم بينه وبين وزير الدفاع، لا يمكن للبرقية التي أصدرها قائد الجيش وفسخ بموجبها عقد المحامي ناجي البستاني مع وزارة الدفاع، أن تكون قراراً إدارياً محضاً من دون أن ترتدي أبعاداً سياسية. فقبل أيام أصدر قائد الجيش تعميماً إلى كل من: الغرفة العسكرية لدى وزارة الدفاع الوطني، أركان الجيش، مديرية المخابرات، مديرية القضايا الإدارية والمالية، وباقي الإدارات في المؤسسة العسكرية تحت عنوان «فسخ اتفاقية مع محام»، جاء فيها:
1 – تفسخ الإتفاقية المدرج رقمها في المستند أعلاه المعقودة مع المحامي ناجي نبيه البستاني التابع للغرفة العسكرية لدى جانب وزارة الدفاع الوطني إدارياً مقر عام الجيش إعتباراً من 2024/2/23.
2 – تسترجع الأوراق العسكرية المسلّمة لصاحب العلاقة خلال مدّة خدمته وتحال إلى قيادة الجيش- أركان الجيش للعديد- مديرية الأفراد، خلال أسبوع من تاريخه.
3- يُكلّف المرسل إليهم إجراء اللازم كل في ما خصّه.
كما علم أنّ أوامر أعطيت للمنوط بهم مهمة الحراسة بمنع دخول سيارة البستاني إلى مبنى وزارة الدفاع. وأدرجت مصادر مطلعة الأسباب التي دفعت قائد الجيش إلى إجراء كهذا، في سياق خلافه المستمر مع وزير الدفاع. فخلال الفترة الماضية أوقف الوزير سليم تشكيلات للمحكمة العسكرية أعدها قائد الجيش باعتبار أنها لا تلتزم بنداً ينص عليه القانون بأن يكون المشمولون بالتعيين من حملة الإجازات في الحقوق.
تضاف هذه الواقعة إلى أخرى سابقة، حين أوقف الوزير نتائج امتحانات الكلية الحربية بعدما كان قائد الجيش أنجزها من دون العودة لنيل موافقته، وفق ما يقتضيه القانون الذي يفرض أن تجرى هذه الامتحانات بعد طلب يتقدم به قائد الجيش لنيل موافقة وزير الدفاع. ولأجله تقول المصادر، حصلت زيارة المعايدة التي سبق وقام بها جوزاف عون لموريس سليم فكان جواب الوزير أنّ القرار غير قانوني.
تقول المصادر إنّ قيادة الجيش تعتبر أنّ البستاني الملم بالقانون ظهراً عن قلب، ومن خلال الكتب المحكمة من الناحية القانونية التي يُعدّها، يقوّي موقع الوزير ويعزّز حجته القانونية، في وقت لم يكن المحامي البستاني طرفاً في النزاع وعلاقته جيدة مع قائد الجيش. في الشكل كما في المضمون، اعتبر البعض أنّ نص البرقية فيه انتقاص من شخص البستاني ومهماته وأخطأ في التعامل مع محامٍ مكلف بمهمته منذ ما يزيد على أربعين عاماً. كما أنّ البرقية صدرت في أثناء وجود البستاني في الخارج. وفي أوساط المؤسسة العسكرية من لم يفصل تفسير ما حصل، عن الخلاف بين الوزير وقائد الجيش واعتبار الأخير أنّ البستاني أقرب إلى وزير الدفاع المقرّب بدوره سياسياً من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. سبب ثانٍ أو تفسير إضافي مزج بين الحسابات السياسية وتلك المتعلقة برئاسة الجمهورية، ما يتيح التساؤل عما إذا كان مثل هذا الربط جائزاً في ظل التنافس الخفي بين مرشحين محتملين للرئاسة.
القرار، وإن كانت وزارة الدفاع ليست معنية فيه مباشرة، إلّا أنّه يمسّ الوزير لكون البستاني محامياً عن وزارة الدفاع أيضاً، ويمكن تفسيره على أنّه خطوة موجّهة ضده مباشرة وضد البستاني، خاصة أنّ الصيغة التي صيغت بها البرقية تكشف عن علاقة غير ودية بين قائد الجيش والبستاني وتنمّ عن خلاف خفي بينهما. مصادر قيادة الجيش آثرت عدم الردّ على ما صدر وفضّلت النأي بنفسها عن أي سجالات متعلقة بالموضوع، لكن هذا النأي لم يمنع طرح التساؤلات عن مصير الخلاف المستحكم بين الوزير وقائد الجيش وأثره على المؤسسة العسكرية في وقت توضع فيه المؤسسة العسكرية تحت المجهر الدولي على خلفية جبهة الجنوب.