اخبار محليةالرئيسية

التاريخ يذكر الإنجازات وليس عدد المقاعد

قانون الحق في الوصول إلى المعلومات هو قانون ثوري نحتاجه في لبنان لتعميم جوّ الوضوح والصراحة والشفافية وجعل الإدارات والوزارات تحت مجهر المواطن مباشرة

فادي عبّود

أما وقد انتهت المعركةُ الديموقراطية وانتهت الأحزابُ من قياس الربح والخسارة، ومقارنة الأرقام وتحديد الكتل والأحجام، يبدو من المفيد التذكير بالبرامج الانتخابية والوعود التي تمّ إطلاقُها في محاولةٍ لاكتساب الناخبين.

نعود الى أرض الواقع، الى بلدٍ يتخبّط بعجزه ومشكلاته الاقتصادية المتراكمة، الى إجراءاتٍ ما زالت ترهق المواطنين والمستثمرين، الى بيئة استثمارية متراجعة، وتضاؤل فرص العمل المنتجة، وكما أقول دائماً: «راحت السكرة وإجت الفكرة»، فما هي الخططُ الموضوعة والأدوات التي ستساهم في تحقيق الوعود، ما هي عدّة العمل؟ ما الذي سيتغيّر إذا كانت الوسائلُ نفسها ستعتمد والعقليّات ذاتها، نحتاج اليوم الى أدوات ثورية، الى الجرأة في تطبيق قوانين وابتكار حلول جديدة للوصول الى نتائج أفضل، وأتوسّم خيراً من المجلس النيابي الجديد كونه يضمّ وجوهاً جديدة والأهمّ أنه يضمّ 9 صناعيين يملكون عقلية الإنتاج ويدركون جيداً معاناة الصناعي والمستثمر اليومية في لبنان.

في كلّ فرصة أسعى للتذكير أنّ مكافحة الفساد ليست نزهة وما لم نسعَ بجدّية الى تطبيق قوانين فاعلة لن نحقّق نتائج واعدة او مغايرة، وخلال زيارتي لفخامة رئيس الجمهورية الذي أعتبره السلطة الأساس في الإشراف على نقل الدولة من التخبّط الى الشفافية والإنتاجية، أعدتُ التذكير بأهمية قانون الحق في الوصول الى المعلومات، والذي تحوّلتُ الى الناطق الرسمي باسمه بعد أن تمّ تجاهله وأصبح في الأدراج من دون أيّ تطبيق، علماً أنني لن أيأس أو أملّ حتى أرى هذا القانون يدخل حيّز التنفيذ بالطريقة الصحيحة والفعّالة.

أعتبر القانون قانوناً ثورياً نحتاجه في لبنان لتعميم جوّ الوضوح والصراحة والشفافية، فهو يجعل الإدارات والوزارات تحت مجهر المواطن مباشرة، وقد لا نصل الى نعيم الشفافية مباشرة، ولكن أقله سيظهر مَن مِن المسؤولين يتبنّى قوانين الشفافية ومَن يتجاهلها، فعندما استلمتُ حقيبة وزارة السياحة حاولتُ نشرَ حسابات الوزارة على الانترنت، وتمّ إبلاغي بأنّ هذا مخالف للقانون. فبعد القانون لن تكون هناك ذريعة لدى أحد. وسيصبح الجميع ملزماً تحت فصل المادة السابعة بنشر كلّ ما يُصرف من المال العام.

وأرى من واجبي أن أنبّه سعادة النواب المنتخبين الى ضرورة تعديل القانون وإقرار المراسيم التنفيذية له وفي هذه الحال إعادة دراسة القانون مع مراسيمه التنفيذية ضمن سلّة واحدة في محاولة لحماية القانون نفسه من العقلية اللبنانية التي تنتج أحياناً قوانين ميتة، ممكن التلاعب بها، ربما بسبب قلّة الوضوح أو لعبة الاستثناءات التي يجيد اللبناني اللعب على أوتارها.

وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ المراسيم التنفيذية أو التطبيقية كما يحلو للبعض تسميتها من الممكن أن تعطّل القانون وتخالف روحية القانون فتتعطّل كلّ «اللعبة» الديمقراطية من السلطة التنفيذية التي تستطيع أن تخالف الغاية من القانون. كذلك لا بدّ من التذكير بضرائب تصل إلى أكثر من مليار دولار تُفرض دون تشريع تحت تسمية رسوم للدولة أو للجان موقتة لإدارة المرفأ كذلك للنقابات وصناديق التعاضد لغرف التجارة ومعهد بحوث واللائحة تطول! ولا بدّ من الإشارة الى أنه إذا أضفنا هذه الرسوم التي تُعتبر رسوم استهلاك بالإضافة الى غيرها من رسوم استهلاكية مثل الطوابع الأميرية ورسوم كتاب العدل وغيرها والتي كان من المفروض إلغاؤها حين تحوّلنا الى TVA، إذا جمعنا كلّ ذلك قد نصل الى TVA لحدود حوالى الـ20%.

فالقانون المذكور يحتاج الى التعديل في نقاط أساسية أوّلها أنّ المادة السابعة منه تستثني المؤسسات الخاصة التي تدير ملكاً عاماً من نشر حساباتها أسوة بالإدارة العامة، وهو استثناء لزوم ما لا يلزم، خصوصاً أنّ المطلوب ليس نشر حسابات الشركة الخاصة، بل طريقة إدارتها للمال العام فقط، وإذا كان يُعوَّل على السجلّات التجارية لهذه الشركات لمراقبتها، فحسابات السجلّ التجاري معروفة من حيث القدرة على إدخال بنود مثل متفرّقات غير واضحة ولا تبيّن هدف الصرف بعكس القانون الذي بموجبه يجب إدراج قيمة عملية الصرف، وكيفية الدفع، والغاية منه، والجهة المستفيدة والسند القانوني الذي جرى بموجبه الصرف مثلاً: (مناقصة، عقد بالتراضي، تنفيذ حكم قضائي).

النقطة الثانية، هي حصر معلومات الصرف الواجب نشرها بالعمليات التي بموجبها تُدفع أموال عمومية تزيد عن خمسة ملايين ليرة لبنانية، وهو تحديد غير واقعي حيث إنّ كلّ قرش يُصرف يجب توضيحه، وهذا التحديد يفتح الباب أمام مزاريب هدر متعدّدة، وستبدأ الفبركات والفتاوى بالظهور للالتزام بحدود الخمسة ملايين ليرة، إذ إنّ المبدأ العام هو أنّ كلّ قرش يُصرف من المال العام هو مقدَّس، فالسرقات الكبيرة لا تختلف عن السرقات الصغيرة.

النقطة الثالثة، هي استثناء نشر رواتب وأجور الموظفين، وهذا أيضاً غيرُ منطقي حيث إنّ هذه الرواتب بمجملها معروفة وواضحة ولكن هناك إضافات تكون أحياناً باباً للهدر ويجب تبيانُها بوضوح مثل ملحقات الرواتب الشهرية من عضوية اللجان، بدل سفر وتنقل، أوقات إضافية وإكراميات Bonus، وتقديمات مدرسية وغيرها، وتجربة الإدارة العامة تؤكّد أنّ هناك العديد من المحظوظين الذين ترتفع رواتبهم لأسباب عدة، فيما يُظلم العديد، فالنشر في هذه الحال يؤمّن العدالة والشفافية للجميع بدءاً بالموظف نفسه. فالمطبّ الذي وقعنا فيه مثلاً هو استثناء رواتب المعلمين ومعاشاتهم التقاعدية من الكلفة الإجمالية لكلّ طالب في المدرسة الرسمية لنقارن الكلفة بالنتائج.

هذه النقاط ليست هامشية وعابرة وتستطيع أن تؤثر في ممارسة القانون، فنحن لا نريد قوانين تضاف الى الأدراج يتآكلها الغبار، نحتاج الى قانون قابل للحياة، الى سلاح في يد المواطن وطالبي المعلومات، الى قانون خال من الثغرات والاستثناءات، فلا نريد أن يتحوّل هذا القانون الحلم كابوساً.

من عدة العمل المهمة أيضاً هي إعادة النظر بكلّ الإجراءات المعتمدة في الإدارات الرسمية والمرفأ والجمارك الخ… وكنت طالبت مراراً أن يُصار لى تشكيل وحدة أو مجلس للتنافسية يكون بإشراف رئاسة الجمهورية مهمته إعادة النظر بكلّ الإجراءات المعتمدة وطريقة منح الرخص على أشكالها وأنواعها، فهناك يكمن الفساد الحقيقي والأسوأ هناك تهدر تنافسية لبنان على أيدي مجموعة من الموظفين لا يهمّها إلّا المصالح الفردية على حساب المصلحة العليا للبلاد وتنافسيّتها.

نحن على اعتاب مجلس جديد تمثلت فيه كلّ الأحزاب والقوى، والكلّ جمعه هدف ومطلب وحيد ألا وهو مكافحة الفساد، يجب أن نستغلّ الفرصة اليوم لكي لا تتحوّل الوعود إلى فعل ماضٍ، فكلّ مَن انتخَب أمامه واجب الضغط على مَن انتخبهم في سبيل هذا الهدف، فلنتبارز اليوم بالإنجازات وليس في عدد المقاعد والأصوات، فالإنجازات وحدها سيذكرها التاريخ.

“الجمهورية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى